يواصل الشاب اليمني محمد علي عطبوش حياته الطبيعية في مقر إقامته في دولة جورجيا حيث يستكمل دراسته الجامعية.
اضطر عطبوش (22 عاما)، وهو كاتب يمني شاب مهتم بالفكر الديني وله عدة مؤلفات، للفرار من مدينة عدن (جنوبي غرب اليمن) مطلع 2017، ليستقر به المقام كطالب جامعي في جورجيا.
في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2016، تعرض عطبوش لمحاولة اغتيال فاشلة بمسدس كاتم للصوت على يد مسلحين من جماعات إسلامية متطرفة. وتلقى أيضا رسائل تهديد بسبب كتاباته الناقدة، ما اضطره لمغادرة عدن.
وجاءت محاولة الاغتيال بعدما نشر الشاب اليمني سلسلة مقالات وكتابا بعنوان "نقد الإعجاز العلمي: أزمة الدين والعلم"، وهو دراسة نقدية لأمثلة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة المعتمدة في مناهج التعليم الأساسي والثانوي في اليمن.
يقول عطبوش لموقع (ارفع صوتك): "كانت مغادرة اليمن أمرا مهما بالنسبة لحياتي. حاليا لا أشعر بالخوف طالما أنني لا أعيش في بلد إسلامي إذ أن معظمها لا تضمن سلامة مواطنيها فهي تدعي الحريات وترعى قوانين “ازدراء الأديان” ما يجعل النقد أو النقاش ازدراء يستوجب الملاحقة القانونية والتنكيل حتى من قبل جماعات وأشخاص”.
وفي كتابه، حلل عطبوش أمثلة عن "الإعجاز العلمي" في المناهج الدراسية اليمنية (22 درسا). وتعمم هذه الدروس سنويا على أكثر من 4.3 مليون طالب يمني.
واعتبر ذلك جزءا من "الزيف الذي يتم تلقينه في المدارس والجامعات باسم الإعجاز العلمي حيث يتعلم الطالب معلومة في كتاب العلوم ثم يلقن عكسها من كتب الدين وهو على نفس المقعد".
وكان ملفتا أن مقدمة الكتاب، الصادر عن دار مسارات الكويتية للطباعة والنشر، كتبها المفكر الإسلامي القطري المعروف جاسم سلطان.
وصف سلطان الكتاب بأنه "جزءٌ من عمليات التحرر من الأوهام، ومحاولةُ صياغة غد أفضل للأمة عبر إدخالها في منطق العلم بدل بيع الأوهام".
وقال محمد عطبوش في كتابه إن "مشكلة أهل الإعجاز العلمي هي مشكلة منهج قبل أن تكون مشكلة تزييف للحقائق. فالسبق العلمي الذي يدعونه دائما لاحق للاكتشاف وليس سابقا له".
واعتبر "عبث أهل الإعجاز العلمي بالقرآن" أهم أسباب "انحطاط الحضارة الإسلامية الكبرى وعائقا حقيقيا أمام النقد العلمي والبحث الموضوعي المتجرد"، ابتداء من محاولة استخراج قاعدة هندسية في المثلثات من آية "ظلٍ ذي ثلاث شعب" (المرسلات، 30) وليس انتهاء بمحاولة حساب سرعة الضوء من الآية "في يوم كان مقداره ألف سنةٍ" (السجدة، 5).
أمثلة من "الإعجاز"
ورد في كتاب الجغرافيا للصف الثامن الأساسي أن الأرض ليست كروية بالكامل، بل بيضاوية "مفلطحة عن القطبين"، كما ورد في الآية "والأرض بعد ذلك دحاها".
اعتبر محمد عطبوش أن إقحام هذه الآية في درس علمي لطلبة المرحلة الابتدائية يكرس الخلط بين الدين والعلم عند التلاميذ ويشوش المنهجية العلمية في أذهانهم.
"وصف الأرض بأنها "بيضاوية" ليس وصفاً دقيقاً لها، فتفلطح الأرض المذكور لا تلاحظه العين مباشرة لدرجة تشبيه الأرض بالبيضة. أمّا من ناحية لغوية فكلمة دحا في المعاجم لا تعني التكوير.. جاء في لسان العرب "دحا الأرض أي بسطها".
وناقش عطبوش ما أورده كتاب التربية الإسلامية للصف الأول الثانوي بشأن "الزوجية في كل شيء" في إشارة إلى آية "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون".
ونفى صحة هذا الأمر، خصوصا أن هناك كائنات لا يمكن حصرها عمليا بزوجين وتتكاثر لا جنسيا كالبكتيريا والفيروسات وكثير من الطفيليات ونوع من النمل.
وسرد عطبوش أمثلة أخرى بينها عدم صحة التأويل القائل بأن الذكر هو من يحدد جنس الجنين اعتمادا على آية "وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى. من نطفة إذا تمنى"، وحقيقة أن جميع الكائنات الحية تعتمد على الماء في وجودها واعتباره كشفا علميا قرآنيا مع أن نظرية الأصل المائي للمخلوقات كان يعتقد بها الكلدانيون والبابليون ومن بعدهم دعمها اليونان، وآمن بها الفيلسوف طاليس (توفي سنة 546 ق.م).
وألقى عطبوش باللائمة على وزارة التربية والتعليم في اليمن وغيره من الدول في “إقحام الإعجاز العلمي في مناهجها". ودعا إلى "إزالة هذا الخلط الذي يشكل عائقاً فكرياً أمام التفكير والمنهجية العلمية لدى الأجيال".
ورغم أن عطبوش، الذي ينحدر من أسرة يمنية محافظة دينيا، لم يهاجم في كتابه الدين الإسلامي أو أي دين آخر، إلا أنه ما يزال يتلقى التهديدات تبعا لكتاباته.
وخلال السنوات الأخيرة، قادت الجماعات الإسلامية المتطرفة حملة مضايقات واسعة في عدن طالت كتابا وصحافيين وناشطات حقوقيات بحجة الإساءة للدين الإسلامي.
واغتال متطرفون إسلاميون الشابين أمجد عبد الرحمن (23 عاما)، وعمر باطويل (18 عاما) في عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا عاصمة مؤقتة للبلاد، بمبرر أفكارهما الناقدة على مواقع التواصل الاجتماعي.
الفكر السحري
يواصل الشاب محمد عطبوش التأليف. وله كتاب قيد النشر بعنوان “الفكر السحري في الإسلام”، يناقش الأفكار السحرية والكهانة عند عرب الجاهلية.
في كتابه، يوضح الكاتب الشاب أن الأفكار السحرية والكهانة، رغم بدائيتها، شكلت في الحقيقة المعالم الأولى للمنهج العلمي عند العرب.
وأوضح أن "محاربة الأديان للسحر لم تستند إلى نظرة علمية بل إلى نظرة دينية تراها علوما حقيقية فاعلة، لكنها محرمة كونها تشارك الرب فيما اختص به نفسه".
واستدل على ما ذهب إليه بعلم الأرصاد الجوية الذي هو ثمرة خرافة الأبراج وعلم النجوم والأنواء، وكذلك تحويل المواد في الفيزياء الذرية هو امتداد لمساعي الخيميائيين في تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب.
وأشار إلى أن ابن خلدون يرى الكيمياء من توابع السحر.
لا نية للعودة
بعد مرور قرابة عامين ونصف على مغادرته مدينة عدن، لا يخطط عطبوش للعودة.
يوضح: "للأسف عدن ليست آمنة لأسباب مصطنعة من قبل جهات سياسية، وغير مصطنعة بسبب انتشار التطرف الديني الذي أصبح أداة بيد الأطراف الأولى".
ويصف عطبوش الجماعات الإرهابية بأنها "بيئة عنف خصبة، سهلة الانقياد لأرباب المال وأصحاب القوة".
ويضيف: "حاليا أكتب بهامش حرية أكبر، وهو ما لن يروق لكثيرين. لن يتورعوا عن إلجام صوتي تقربا إلى الله!".
وختم محمد عطبوش حديثه لموقع (ارفع صوتك) قائلا: “كوننا فارين من العنف والتطرف في بلداننا لا يجعلنا أشخاصا مستسلمين وغير منتجين،. لدينا أحلام وسنحققها بما فيها مناهضة العنف والإرهاب".