قبل أسابيع فقط، انتشرت مشاعر الفرح عبر مواقع التواصل بسبب مقاطع الفيديو والصور التي تأتي من السودان، تجاوباً مع نجاح قوى المعارضة السودانية في التعجيل بإطاحة رئيس السودان عمر البشير على يد رفاقه في الجيش، وإنهاء 30 عاماً من حكمه.
وفي الثالث من حزيران/يونيو الجاري، أسفر فض اعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، عن مقتل أكثر من 100 متظاهر، في حين أكد نشطاء سودانيون وشهود عيان أن عدد القتلى بالمئات.
لجنة أطباء السودان المركزية (5 حزيران/ يونيو) ارتفاع حصيلة القتلى إلى 107
تبكي "الكنداكة"، على القتلى والجرحى والنساء المغتَصبات والرجال الذين اغتُصبوا أثناء فضّ الاعتصام، دموعها تأتي عبر رسوم كاريكاتيرية مكسوّة بالأزرق، بينما كان الصوت عالياً أمام الجمع الثائر "الطلقة ما تحرق يحرق سكوت الزّول".
اغتصاب نساء ورجال
حسب أطبّاء في عدد من مستشفيات العاصمة، وقعت أكثر من 70 حالة اغتصاب لنساء ورجال خلال فض الاعتصام، كما نشرت "الغارديان" البريطانية.
ونسبت الصحيفة إلى طبيب في مستشفى "رويال كير" قوله إنه عالج 8 ضحايا اغتصاب: خمس نساء وثلاثة رجال، في حين قال مصدر طبي إنه تمت معالجة حالتي اغتصاب في مستشفى جنوب الخرطوم، بمن فيها حالة تعرضت للهجوم من قبل أربعة عناصر تابعين لقوات الدعم السريع.
لكن ما وقع فعلياً أكبر من العدد المذكور، إذ لم يتقدم العديد من ضحايا الاغتصاب للعلاج الطبي، بسبب "الخوف من الانتقام، أو لانعدام الأمن في المدينة، أو بسبب محدودية الرعاية" حسب الصحيفة.
٧٠ حالة إغتصاب أثناء فض الإعتصام في #السودان !! عندما يكون الوصول إلى القاع هو أقصى طموحاتنا ...Sudanese doctors say dozens of people raped during sit-in attack | Sudan | The Guardian https://t.co/wJYzhFk116
— Mohamed ElBaradei (@ElBaradei) June 11, 2019
وفي أول اعتراف للمجلس العسكري الحاكم في السّودان، قال إنه أمر بفضّ الاعتصام لكن "شابته بعض الأخطاء والانحرافات" التي أدت لمقتل العشرات، وقال إنه شكّل لجنة تحقيق ستعلن نتائجها، السبت.
"العسكري": لن نقبل تحقيقاً دولياً
هذا كلّه ضمن حملة تعتيم إعلامي يقودها المجلس العسكري، تصاعدت بتعطيل خدمة الإنترنت في السّودان، وتبريره أن "تشغيل شبكة الإنترنت يهدد الأمن القومي للبلاد"، وهو ما وصفته منظمة "هيومن رايتس ووتش" بـ"الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان".
وقالت بريانكا موتابارثي، مديرة برنامج الطوارئ بالإنابة المنظمة: "إذا كان المجلس العسكري الانتقالي يعتزم فعلا استعادة السلام والحفاظ على حسن النية مع قادة المعارضة المدنية، فعليه إيقاف هذا القطع الخطير للإنترنت، الذي يعرض المزيد من الأرواح للخطر. تقوض عمليات الإغلاق هذه بشكل صارخ حقوق الأشخاص الذين يدعي المجلس العسكري أنه يريد التحاور معهم ويجب إيقافه فورا. وأصبحت البلاد معزولة تماما عن الشبكة بعد أن هاجمت القوات المتظاهرين وفرقتهم بعنف".
التضامن بالأزرق
كان محمد مطر (26 عاماً) من بين القتلى في فض الاعتصام، وآخر صورة في حسابه على فيسبوك "زرقاء"، كتب تعقيباً عليها حين نشرها قبل سنوات "لقد دهنت السماء بالأزرق".
وقتل محمد برصاصة في رأسه أثناء محاولته إنقاذ إحدى المتظاهِرات.
وبعد مقتله قال والده إن "محمد كان يحب اللون الأزرق منذ الصغر".
ما نقول إلا ما يرضي الله. إنا لله وانا اليه راجعون. استشهد اخوي الكبير محمد هاشم صلاح حسن مطر. استغفر الله العظيم لكن والله العظيم انا ما مصدق انو خلاص مطر مااات. pic.twitter.com/aFk4sozFb9
— ▲ABDALLAH▲ (@AbdallahMattar_) June 5, 2019
وبدأ تغيير الصورة الشخصية للأزرق بين أفراد عائلة محمد وأصدقائه، ثم انتقلت لغيرهم من السودانيين وآخرين في دول عربية وغربية، تعبيراً عن التضامن مع ضحايا فض الاعتصام، مرفقة بهاشتاغ "أزرق من أجل السودان #blueforsudan".
ويُظهر هذا الفيديو عدداً من الحسابات في فيسبوك، غيّر أصحابها صورهم الشخصية للأزرق:
ومحمد درس الهندسة، وكان يتم دراسة الماجستير في لندن، إلا أنه عاد لبلده من مدّة في إجازة، احتفى خلالها مع عائلته بعيد ميلاده، وشارك في الاحتجاجات.
وتم تداول العديد من صوره وتجارب أصدقائه معه ومقاطع فيديو سابقة لمقتله.
يقول الشهيد محمد هاشم مطر :حرام علينا لو دم الشهيد راحربنا يرحمك يا مطر يا وطن 😔#مجزرة_القيادة_العامة pic.twitter.com/nWquRfr1XF
— mohamed albadri (@wdalbadri93) June 7, 2019
التضامن مع السودان ودعم التظاهرات الشعبية ومطالب السودانيين، لم يقف عند تغيير الصورة فقط، بل أسهم في وصول المعلومات للجمهور المتابع خارج السودان، بسبب ظروق قطع الإنترنت.
You don%27t need to be a sudan national to raise a voice against this! They are trying to blacklist the internet to hide all the killings, spread #BlueforSudan as much as you can to raise awareness about the massacre that%27s happening rn! #SudanMassacre #Sudan #BlueForSudan pic.twitter.com/Qtf2t7UV5e
— The Meme Genie (@thememegenie) June 14, 2019
"أزرق" من ذاكرة الثورة
هذا التضامن مقروناً بالتعتيم الإعلامي، يعيدنا إلى تضامن مشابه مع الشابة المصرية التي تم سحلها وتعريتها وضربها بالهراوات من قبل قوات أمن مصرية، أوائل أيام ثورة يناير 2011 في ميدان التحرير.
انتشر فيديو الضرب والتعرية للشابة، كالنار في الهشيم، وإذ كان يُتوقع أن تتضامن الأغلبية معها، ظهرت نسبة كبيرة من المتابعين للقصة في مواقع التواصل تنتقد ما ظهر من ملابسها كما انتقدت وجودها أساساً هناك، باعتبارها امرأة وأن على النساء البقاء في البيت.
الحملة المضادة لهذه الأصوات وللتعبير عن الاحتجاج ضد ضرب الشابة، كان بتداول صورها والفيديو مرفقاً بعبارات تضامنية وهاشتاغ "ست البنات" و "سحل فتاة التحرير"، كما انتشر رسم كاريكاتيري لـ صدريّة زرقاء، وهي ما ظهر من ملابسها الداخلية بعد تعريتها.
وفي حين دعاها المصريون والعرب المتضامنون بـ"ست البنات"، كان اسمها في أغلبية وسائل الإعلام الغربي "الفتاة ذات الصدرية الزرقاء Blue bra girl".
Top left "Blue Bra Girl,"stripped & abused by soldiers Tahrir; Ahmed Harara, lost 2 eyes,Emad Effat shot dead #Egypt pic.twitter.com/nQ5fDU14hF
— Mona Eltahawy (@monaeltahawy) March 6, 2016
The girl with the blue bra. pic.twitter.com/XhLeMZk9
— Sara (@Saranonymously) December 19, 2012