برينتون تارانت المتهم بمذبحة كرايستشيرش في قفص الاتهام أثناء جلسة سابقة بمحكمة مقاطعة كرايستشيرش
برينتون تارانت المتهم بمذبحة كرايستشيرش في قفص الاتهام أثناء جلسة سابقة بمحكمة مقاطعة كرايستشيرش

كانت جلسة الاستماع للأولى لمحاكمة الأسترالي برنتون تارانت المتّهم بقتل 51 مصلّياً في اعتداء على مسجدين في مدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا في آذار/مارس الماضي، والتي عقدت الجمعة 14 حزيران/يونيو، جلسة إثارة وغضب للناجين وأقارب الضحايا عندما ظهر على شاشة مبتسماً في جلسة الاستماع بينما كان محاموه يدفعون ببراءته.

وظهر برنتون الذي يقدم نفسه على أنه مؤمن بنظرية تفوّق العرق الأبيض، في جلسة الاستماع المقتضبة هذه، عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة من سجنه المشدّد الحراسة في أوكلاند على الشاشة التي نصبت في قاعة المحكمة مبتسما.

ابتسامة مستفزة

وأثارت تلك الابتسامة غضب الناجين من أسوأ مجزرة ارتُكبت في التاريخ النيوزيلاندي الحديث والذين كانوا جالسين بأعداد كبيرة على المقاعد المخصصة للحضور.

وقال مصطفى بوزتاس الذي أصيب في فخذه إن "ذلك يظهر فقط أنه حيوان". وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية خارج المحكمة "من المحزن جداً أن يكون شخص غير إنساني إلى هذا الحدّ وأن يسلب حياة أبرياء".

وكان عبد العزيز وهو لاجئ أفغاني تصدّى لمطلق النار في 15 آذار/مارس في مسجد لينوود ولاحقه في الخارج، الأمر الذي سمح على الأرجح بإنقاذ أرواح، يريد فقط رؤية وجه المتهم.

وقال عبد العزيز "كان يضحك هنا ويعتقد أنه قوي، لكنه لم يكن إلا جباناً عندما تصديت له وغادر راكضاً"، مضيفا "في هذه اللحظة، لم يكن رجلاً بما فيه الكفاية كي يقف أمامي، لكن الآن، يقف هنا مبتسماً".

وتابع اللاجئ الأفغاني "أتركوني 15 دقيقة في زنزانته وسنرى ما إذا كان سيتمكن من الابتسامة".

​​

​​

التمهم مؤهل عقليا للمحاكمة

ومن المقرر أن تبدأ محاكمة المتهم برنتون تارانت في الرابع من أيار/مايو 2020، وفق ما أعلن قاض جلسة الجمعة، بتهمة قتل 51 شخصاً ومحاولة قتل أربعين شخصاً آخر والشروع بعمل إرهابي.

وأُبلغت المحكمة بأنّ لجنة الأطباء النفسيين خلصت إلى أن المتّهم يتمتّع بالأهلية للخضوع للمحاكمة، وفق ما جاء في بيان نشره القاضي كاميرون ماندر بعيد الجلسة.

فيما حُدد موعد جلسة الاستماع القادمة في 15 آب/أغسطس المقبل.

ومن المفترض أن تمتدّ المحاكمة لما لا يقلّ عن ستّة أشهر. لكن خبراء قانونيين يقولون إن هذه المحاكمة، وهي الأكبر في تاريخ نيوزيلندا، قد تستمرّ على مدة أطول بمرتين.

فيما قال المحامي عن المتهم شاين تيت للمحكمة العليا في هذه المدينة الكبيرة في جنوب الأرخبيل إنّ موكّله "يدفع ببراءته من كل التّهم"، ما أثار أيضاً ارتياب الناجين وأقارب الضحايا المجزرة.

وندد ديدار حسين الذي فقد عمّه وعددا من أصدقائه في 15 آذار/مارس، بوجوب الانتظار إلى هذا الحدّ لإحقاق العدالة. وقال "يجب أن ينتهي ذلك خلال الأشهر الستّ المقبلة. سيكون ذلك أفضل بالنسبة إلينا. نحن لسنا مسرورين".

ومنع القاضي ماندر وسائل الإعلام من التقاط صور أو تصوير فيديوهات لظهور تارانت على الشاشة أثناء الجلسة. في المقابل سمح باستخدام صور التُقطت أثناء جلسة استماع سابقة عُقدت في نيسان/أبريل.

وكان الأسترالي برنتون تارانت البالغ من العمر 28 عاماً، قد فتح في 15 آذار/ مارس، النار أثناء صلاة الجمعة في إثنين من مساجد كرايست تشيرش، أكبر مدينة واقعة في الجزيرة الجنوبية بنيوزيلندا. وقد بثّ ما قام به عبر خدمة النقل المباشر على موقع "فيسبوك".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

"الرغيف" بالفرنسية بترجمة فيفي أبو ديب
"الرغيف" بالفرنسية بترجمة فيفي أبو ديب

يحتفل العالم في 30 سبتمبر من كل عام باليوم الدولي للترجمة، الذي يراد به، بحسب تعريف الأمم المتحدة، "إتاحة الفرصة للإشادة بعمل المتخصصين في اللغة، الذين يلعبون دورًا مهمًا في التقريب بين الدول، وتسهيل الحوار والتفاهم والتعاون، والمساهمة في التنمية وتعزيز السلام والأمن العالميين". في هذه المناسبة التي تحتفي بالمترجمين الذين يمدّون جسوراً بين اللغات والثقافات، حاور "ارفع صوتك" الكاتبة والمترجمة اللبنانية فيفي أبو ديب التي تفخر بترجمتها لرواية "الرغيف" الشهيرة للأديب اللبناني توفيق يوسف عواد من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية.

ما الذي تعنيه الترجمة بالنسبة للمترجمين العرب؟

يزخر التاريخ العربي بالترجمات التي تركت أثرا مهماً وعابرا للغات سواء من العربية وإليها، أو إلى لغات أخرى لإتاحة المحتوى لأكبر شريحة ممكنة من الناس، وهكذا على سبيل المثال ترجم أرسطو في الأزمنة البعيدة، وعرفت الترجمة عصراً ذهبيا في العصر العباسي. ومن منا لا يعرف الجاحظ الذي ذهب إلى ما هو أبعد من الكلمة ليركز على ضرورة النظر في السياق الذي أتى منه النص الأصلي للوصول إلى انسيابية كاملة في النص.

بناء على تاريخ عريق، تجد الترجمة جذورها في السعي لاستقاء المعرفة من مصادر متنوعة والتعرف أكثر إلى الآخر، فاللغة هي مرآة أيضا للتقاليد والتطلعات. وبالنسبة لنا كمترجمات ومترجمين عرب، الترجمة أبعد من أن تختصر بوظيفة، وإنما هي رسالة، لنحمل الإنتاج من العربية أيضا إلى العالم، وهذا ما شعرت به وأنا أحمل رسالة بوزن "الرغيف" (2015) و"طواحين بيروت" (2012) وبإمضاء عواد العريق من جملة كتب ومنشورات أخرى بصيغ مختلفة.

كيف تتم عملية الترجمة وأين هو المترجم في العمل؟

يبدأ الأمر بالتعرف إلى المادة وهذا لا يعني حكماً أن المترجم يختار مواده. أحيانا، يختارها عملاؤنا وبغض النظر عن الرابط الذي ينشأ بين المترجم أو المادة، تبقى القاعدة نقل الرسالة بدقة وبالأسلوب الذي يتواءم معها. العملية تتم على مراحل عدة أهمها اكتشاف النص وقراءته بتمحّص مراراً وتكراراً والبحث بعمق عن السياق الزمني والمكاني الذي نشأ فيه، والتأكد من الأسماء والمفردات التقنية. هذا يعني الغوص في بحث حول الموضوع المتناول، قبل البدء بالعمل مع كل كلمة وسطر ومقطع وصفحة ثم قراءة ثانية وثالثة للتأكد من الإنسيابية في النص ومن الإتساق على مستوى الأفكار.. وقراءة أخيرة للتأكد من أن كل شيء يبدو جيداً.. أحيانا، نتوقف عند تفصيل صغير لأنه يغير شيئا ما بالنبرة.

خلال عملية الترجمة، يتوخى المترجم الإختفاء تماماً خلف هوية الكاتب، لكن ذلك ليس سهلاً على الدوام. ومع ذلك تبقى الأولوية للوفاء للكاتب ولرسالته بغض النظر عن نوع المادة. لا شك بأن المترجم له بصمته وهذا ما يتّضح جلياص من خلال الأعمال المترجمة على يد أكثر من شخص. لا تتشابه أي ترجمة مع الثانية لأن لكل إنسان بالمطلق بصمته وثقافته ومعرفته بالمواد وهي تختلف بدرجات.

ما الأثر الذي تركته ترجمة "الرغيف" للقارىء الأجنبي في نفسك؟

تسلط رواية "الرغيف" الضوء على فترة وضعت لفترة طويلة في الظل من عمر لبنان وهي فترة المجاعة(1915-1918)، بكل البشاعة والفضائح التي تحملها. بلغة سلسة أصفها "بالسهل الممتنع". يعرف قلة من الناس أن عواد كان على بعد ملايين الكيلومترات من البلاد وكان سفيراً في اليابان حين كتب الرواية وهذا يعني أنه استطاع رؤية الصورة بشكل أكثر شمولا وبأن الحنين للوطن لا بد وأنه كان يعتريه. أما عن الأثر في نفسي، فقد كان كبيراً للغاية. أذكر أني عشت فترة آمنت فيها بأن عواد يسكن جسدي وبات أسلوبي شبيهاً بأسلوبه للغاية. حين نترجم وعلى الرغم من كل محاولتنا "تحصين" أنفسنا بعض الشيء من المضمون، قد نصبح أحيانا مهووسين بكتاب أو بكاتب أو بحبكة.

حين ترجمت "الرغيف"، كنت على يقين بأنني أدين لبلدي أيضاً بنقل الحقيقة بلغة متاحة للقارئ الأجنبي. هذا جزء من المسؤولية الإجتماعية خصوصا وأن غض النظر عن الكتابات الإنسانية يعني التعتيم عليها وبالتالي المساهمة بشكل غير مباشر بإطالة الظلم. الترجمة تعني أيضا رفع الصوت ودعوة جمهور أكبر للإنضمام إلى القضية وهذا ما ينطبق على بعض الكتب ذات الأبعاد الفلسفية والإجتماعية.  

هل تنتهي مهمة المترجم مع تسليم العمل وهل يهدد الذكاء الإصطناعي وجوده؟

على العكس تماماً، في عالم الترجمة لا نتوقف عن اكتساب النضج ولذلك قد يعود البعض لترجماتهم فيغيرون فيها الكثير. تتأثر الترجمة بعوامل ذاتية وخارجية متنوعة أهمها الخبرة المكتسبة والتي نتعلم معها أن نصحح لأنفسنا. هذا لا يعني بأن الترجمة تكون خاطئة لكنه يمنح المساحة لبدائل أجمل. أما بالنسبة للذكاء الإصطناعي، فلا شك بأنه يساعد في تسريع وتيرة الأمور لكني لا أعتقد أنه قادر حتى الساعة على استبدال المترجم بكل ذكائه وإحساسه البشري وتقديره لما خفي بين السطور. لذلك، من الضروري للغاية أن يطور المترجم نفسه ويتقن استثمار أدوات الذكاء الإصطناعي الجديدة لتسهيل مهمته وإثرائها، عوضاً عن أن يفوته ركب التكنولوجيا. لغة التكنولوجيا هي لغة العصر ولا بد من أن تدخل في قائمة اللغات التي يتقنها المترجم الحريص على إدامة وجوده.

هل يحدث أن تتفوق الترجمة على النص الأصلي؟

لم لا؟ طالما أن ذلك يصبّ في مصلحة الكاتب ويروج لأفكاره في قالب أجمل. أحيانا قد يقع المترجم في عشق المادة فيزيد من نفسه ومن سعيه لإبرازها بكل تفاصيلها بأفضل طريقة. وأحياناً أيضا قد ننسى أن من يبحث عن الترجمة قد لا يفقه لغة المصدر، وبالتالي يحمل المترجمون ما يراد قوله إلى جمهور يتوق لقراءته وههنا ندين بالشكر للكتاب وللمترجمين وللقراء!