الإنجاب خارج إطار الزواج موجود في كل أنحاء العالم، وهو في تزايد مستمر في بعض الدول.
43% من الأطفال المولودين في دول الاتحاد الأوروبي، سنة 2016، تم إنجابهم خارج إطار العلاقات الزوجية بزيادة نسبتها 15% مقارنة بعام 2000، وفقا لبيانات أصدرها مكتب الاتحاد الأوروبي في آب/أغسطس 2018.
في الدول العربية والإسلامية، كان سيطلق على هؤلاء الأطفال تسمية "أولاد زنا" باعتبارهم نتاج علاقة "غير شرعية" (يطلق عليها أيضا اسم "السفاح").
ويدفع هؤلاء الأطفال ثمنا باهظا، إذ يحرمون من بعض الحقوق الأساسية، فضلا عن النظرة المجتمعية السلبية بوصفهم "أولاد زنا" أو " أولاد حرام".
لا إرث ولا نسب
رغم أن الشريعة الإسلامية أقرت معاملتهم بالحسنى ولم تحملهم وزر أبويهم، وشجعت على كفالتهم ورعايتهم، إلا أنها منعت حملهم لنسب آبائهم أو منحهم نصيبا من الإرث.
ويرث "ولد الزنا" من أمه فقط وترثه هي، ولا يرث من أبيه.
بل، توجد بعض الأحاديث المنسوبة للنبي محمد تشير إلى أن "ولد الزنا" لا يدخل الجنة، وبأنه "شر الثلاثة" (أي هو وأبويه). لكن أغلب الفقهاء والباحثين يعتبرونها موضوعة أو ضعيفة أو على الأقل تحمل تأويلا خاصا.
يقول الباحث أحمد بن علي اليمني، في دراسة له حول "ولد الزنا وأحكامه" أصدرها عام 2015: "الأحاديث والنصوص التي وردت، وظاهرها يدل على ذم "ولد الزنا" واحتقاره، إما أنها ضعيفة الإسناد أو مقيدة بأشخاص معينين".
وتكاد تجمع المذاهب الفقهية الرئيسية على أن "ولد الزنا" ينسب إلى أمه فقط، غير أن هناك من الفقهاء، بمن فيهم تابعون متقدمون مثل عروة بن الزبير وسليمان بن يسار والحسن البصري، يقولون إنه يمكن أن يلحق بأبيه إذا طلب الأب ذلك.
ويقول فقهاء الدين الإسلامي إنه "إذا زنى كافر بمسلمة كان الولد تابعاً لها نسباً ودينا، فدينه دين أمه لشرف الإسلام وعلوه على غيره من الأديان".
وذهب بعض متأخري فقهاء الشافعية والمالكية إلى القول بجواز إجهاض الحمل الناشئ عن "زنا" قبل نفخ الروح. ورأوا أنه لا حُرمة له. وفوق ذلك، يجيز بعضهم للرجل ("الزاني") الزواج من ابنته من "الزنا" وكذلك جميع أقاربه من "الزنا".
وتعج مواقع إسلامية بفتاوى تحرم زواج رجل من امرأة "زنا" بها وحملت إلا بشرط التوبة وأن تضع المرأة حملها "لئلا يختلط ماء النكاح بماء السفاح".
وذهب كثير من الفقهاء أيضا إلى كراهة تولي "ابن الزنا" للإمامة في الصلاة.
"أبناء زنا" ولقطاء أيضا
تتنامى في الدول العربية ظاهرة رمي المواليد على أرصفة الشوارع أو أمام المساجد لأسباب تتعلق بالعار والشرف والفقر، لتتضاعف مشكلة الطفل ويصبح لقيطا مجهول الأب والأم.
وتنص قوانين الدول العربية على منح "اللقطاء" الجنسية وحقوقا أخرى، لكنها تحرم التبني استنادا لأحكام الدين الإسلامي.
ولا تتضمن التشريعات والقوانين العربية عقوبات رادعة لمن يمارس التمييز ضد هؤلاء الأطفال، ولا تتشدد في معاقبة الآباء والأمهات لتخليهم عن أطفالهم وتعريض حياتهم للخطر.
وفي بعض الدول كالأردن، لا تتجاوز العقوبة ثلاث سنوات سجنا. وفي العراق تكون بالغرامة أو السجن.
غير أن التمييز يأخذ طابعا رسميا أحيانا، ففي الأردن كان مجهولو النسب إلى وقت قريب يحملون هويات وطنية تبدأ بالرقم 2000 خلافا لبقية المواطنين الذين تبدأ أرقامهم بسنة الميلاد لكل شخص.
تحايل
ويحدث أحيانا أن يتفق والدا طفل من علاقة "غير شرعية" على رمي طفلهم على قارعة الطريق ليبادر أحدهما بتبنيه ورعايته باعتباره لقيطا.
في اليمن، منح الخمسيني عبد الستار (اسم مستعار) اسمه وعائلته لفتاة في وثائق هويتها الرسمية، بعدما ادعى أنه وجدها وليدة مرمية في قارعة الطريق.
غير أن شخصا مقربا من عبد الستار أكد في حديثه لموقع (ارفع صوتك) أن "الطفلة هي ابنة عبد الستار من علاقة غير شرعية".
وقال إن الأم بعدما أنجبت الطفلة أخذتها وتركتها أمام منزل عبد الستار الذي لم يكن لديه خيار سوى القبول بالأمر الواقع.
ويتيح قانون الأحوال المدنية والسجل المدني اليمني تسمية "اللقطاء" وتقييدهم في السجلات الرسمية ومنحهم وثائق مع إبقاء خانة الوالدين فارغة إلا إذا تقدم أحدهما بإقرار أبوته.
ولم يحدد القانون اليمني جهة مسؤولة عن رعاية "اللقطاء"، فتكفلهم بعض الأسر أو منظمات مدنية دون إجراءات أو رقابة رسمية.
ويقدر عدد الأطفال المولودين عن علاقة خارج الزواج في تونس سنويا بأكثر من ألف حالة، بحسب الباحث في علم الاجتماع سنيم بن عبد الله.
وفي المغرب، قال المركزي المغربي لحقوق الإنسان سنة 2017 إن المغرب يشهد ولادة أكثر من 100 طفل يوميا بدون هوية الأب.
وفي الجزائر، يتجاوز تعداد الأطفال الذين ولدوا خارج إطار الزواج أو 4000 آلاف طفل سنويا، لكن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان تتحدث عن أكثر من 45 ألف حالة ولادة "غير شرعية" سنويا.
ورغم اهتمام المشرع الجزائري بمسألة النسب، وحصر طرق إثباتها في المادة 40 من قانون الأسرة بالزواج الصحيح أو الإقرار أو البينة أو نكاح الشبهة أوالطرق العلمية لإثبات النسب، فإنه لا يقر بذلك لـ"ولد الزنا".
وتقول الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان إن التدابير القانونية في الجزائر "لا تحمي الأطفال مجهولي النسب ولا تضمن حقوقهم".