السّلطة بمفاهيمها المتعددة تقوم على علاقة معلنة أو غير معلنة بين قوي وأضعف منه، ومُنح الأول قوته بالقانون (رئيس وشعب) أو الأعراف (الوالدان وأبناؤهما، الزوج وزوجته) أو طبيعة الرابط بين طرفين (المالك والأجير، رجل الدين والمتديّن)، على سبيل المثال.
وتربط الأطراف القوية لغوياً بالإله في الثقافة العربيّة، فنقول "رب البيت، ربّة منزل، ربّ العمل".
وفي عصور شهدت أوج الديانات التبشيرية مثل الإسلام والمسيحية، ارتبط اسم الزعيم بالله، فهو ممثلّه أو الحاكم بأمره أو ظلّه، ما يمنحه صفات الإله ويُلزم "الرعيّة" بالخضوع إليه، وليست هذه العصور بعيدة فهذا شعار "الله، الوطن، الملك" يتكرر على مسمع ومرأى الشعب يومياً في السعودية والأردن والمغرب، فيما الملك هو "الأمير" في قطر و"السّلطان" في عُمان، وشعار "فليحفظ الربّ الملكة" قوام النشيد الوطني للمملكة المتحدة.
وغالباً ما يكون تبرير أي فعل من القوي تجاه الضعيف على أنه لمصلحة الأخير، بحكم أن الحكمة والذكاء والرعاية والمسؤولية هي نصيب الأول.
وهذه العلاقة المبنية على خضوع طرف لآخر قد تمنح القوي الحق بالتحكم في مصير الضعيف حتى لو كان عكس رغباته وتطلعّاته، وإذا ما اعترض، سيكون من حق الأول أيضاً، تحقيق ما يريد بالإكراه والعُنف، "بحيث يشعر المرء بنفسه أكثر من مجرد إنسان حين يتمكن من فرض نفسه، ومن جعل الآخرين أدوات تطيع رغباته ما يمنحه لذة لا تضاهى"، كما يقول الفيلسوف الفرنسي برتنارد دو جوفينيل.
وحسب المفكر الألماني فريدريك نيتشة، ينقسم البشر إلى أقوياء وضعفاء، فالأقوياء هم السادة الذين يبتكرون القيم الأخلاقية لتبرير أفعالهم المباشرة، إذ يتسمون بغريزة السيطرة وحب الغزو والمخاطرة ونعيمهم هو الانتصار والسيادة، أما الضعفاء فقيمهم وسيلة لتغطية عجزهم ونكوصهم عن فرض إرادتهم.
كما توجد السلطة حيثما "يكون من حظّي أن أفرض إرادتي رغم مقاومة الآخرين لها" وفق عالم الاجتماع والسياسة الألماني ماكس فيبر.
وفي محاولة لفهم هذا الدور الممنوح للقوي، وما يؤول إليه حاله بعد تسليمه إيّاه، نبحث عن سر هذه "اللذة والمتعة" في الأوامر الملقاة والطاعة المستردّة.
متلازمة الغطرسة
العنف بأنواعه (جسدياً، ولفظياً، وجنسياً) والإكراه أو الفساد والابتزاز واستغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب كرامة وحياة وحريّة الطرف الآخر، من مظاهر "إساءة استخدام السلطة"، وهذا المفهوم وارد في اللوائح القانونية في عشرات الدول باعتباره "جريمة" يُعاقب عليها، إلا أن أغلب تفاصيل هذه القوانين، يتعلق بالوظيفة العمومية. (الإمارات والأردن نموذجاً).
الآراء المذكورة آنفاً لبعض المفكرّين تشير بأن العنف بديهي مع السّلطة، وهذه نقطة جدلية، أمام من يعتقد بأن الأشخاص الذين يسيئون استخدام السّلطة هم كذلك في الأصل لكن كانوا بانتظار هذه الفرصة ليفرضوا رغباتهم على "الضعفاء".
تقول الاختصاصية النفسية عائشة الشهراني إن مسيء استخدام السّلطة قد يعاني من سمات "الشخصية المضطربة مثل الشخصية النرجسية، أو الاضطهادية، أو القهرية، أو الحديّة، أو السلبية، أو العدوانية". (صحيفة الوطن)
ومن الأسباب الأخرى أن يكون الشخص رازحاً تحت ضغوط إدارية من جهات عليا (أقوى منه) أو يعاني ضغوطاً اجتماعية أو أسرية تجعله في حالة من القلق والتوتر والعصبية، أو الاضطرابات الوجدانية مثل الهوس الخفيف، كما قد تعود الأسباب إلى عدم وجود متابعة إدارية من الجهات العليا، وفق الشهراني.
وكان عالم الأعصاب البريطاني الذي تحوّل للعمل السياسي، ديفيد أوين، أطلق على هذه الحالة من سوء استخدام السلطة، تحديدا في وصف الحُكّام، مصطلح "متلازمة الغطرسة Hubris Syndrome".
وحدد أوين 14 عرضاً لهذه الحالة المرضية، منها: استخدام القوة لتمجيد الذات، وتركيز مهووس على الصورة الشخصية، والثقة المفرطة بالنفس، مصحوبة باحتقار للنصيحة أو النقد للآخرين، وفقدان الاتصال مع الواقع، يتحدث صاحبها بوصفه المسيح، ويقوم بأعمال متهورة ومندفعة، وفق ما نشر موقع "أفكار للقادة"
كما يرى الباحث في علم الاجتماع وأستاذ علم النفس، الأميركي داكر كلتنر، أن السلطة سبب مباشر لتلف خلايا الدماغ، وفق ما نشر موقع "الأطلنطي". فبعد عقدين من التجارب المخبرية والميدانية، اكتشف كلتنر، أن سلوك الشخص المتبوئ لمنصب سلطوي، يشبه سلوك إنسان يعاني جرحاً مدمراً في دماغه، وهو ما يجعله أكثر اندفاعا، وأقل إدراكا للمخاطر، وأقل قدرة على رؤية الأشياء من وجهة نظر الآخرين، بدرجة كارثية.