يوجد في لبنان 15 قانونا للأحوال الشخصية. محاكم البلد تتعدد وتتفاوت وفقا للمذاهب والطوائف الدينية.
في هذا البلد قد تسجن الأم لمدة عامين وتغرّم 200 ألف ليرة إذا رفضت التخلي عن حضانة طفلها، وفقاً للمادة 496 من قانون العقوبات.
ويمنح قانون الأحوال الشخصية الخاص بالطائفة الشيعية بلبنان حضانة الأطفال للأب في سن مبكرة؛ إذ يعطي الأم حق حضانة أطفالها حتى سن 6 سنوات للأنثى وسنتان للذكر.
وتسمح الطائفتان السنية والإنجيلية للأم بفترة حضانة لأطفالها (ذكور وإناث) حتى سن الثانية عشرة. و14 عاما للذكر و15 عاما للأنثى وفقا لقانون الروم الأرثوذكس.
لكن هذه القوانين تسمح بتجاوزها لصالح الأب إذا قرر القاضي أن مصلحة الطفل تتطلب ذلك.
تمييز ضد المرأة
خلال مراجعتها لقضايا الحضانة في لبنان، كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش أن المحاكم الطائفية منحت الحضانة للأب "لأسباب بطبيعتها تمييزية ضد المرأة وأشد صرامة لجهة تطبيقها على الرجال".
"اعتُبرت بعض السيدات غير أمينات أو مؤهلات، وخسرن الحق في الحضانة لأسباب بينها انتماؤهن الديني (المختلف) أو غياب التنشئة الدينية السليمة للأطفال أو طول ساعات العمل أو السلوكيات الاجتماعية" ، تقول المنظمة الحقوقية الدولية.
وتمنح المادة 16 من اتفاقية "سيداو"، المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يخص عقد الزواج والطلاق والولاية والقوامة وحضانة الأطفال.
لكن غالبية الدول العربية تحفظت على هذه المادة ضمن مواد أخرى لأسباب دينية بحتة.
اتحاد الدين
تعطي التشريعات في الدول العربية الأولوية للأم وأقاربها من النساء في حضانة أطفالها قبل الأب وأقاربه (اليمن، موريتانيا، مصر، العراق، فلسطين...إلخ)، شريطة أن يراعي القاضي عند البت فيها مصلحة المحضون.
وتشترط كافة القوانين في الحاضن البلوغ والعقل والأمانة على الصغير والقدرة على تربيته وصيانته بدنياً وأخلاقيا، والسلامة من الأمراض المعدية، و"اتحاد الدين" بين الحاضن والمحضون، وألا تكون الحاضنة "مرتدة عن الإسلام"، كما هو الحال في الإمارات وسوريا واليمن وقطر والسعودية وغيرها.
وتسقط قوانين الأحوال الشخصية في الكويت والإمارات ومصر واليمن وسوريا وليبيا ولبنان وغيرها، حق الأم في الحضانة إذا تزوجت من شخص غير محرم للطفل.
لكن حق الأب في حضانة أطفاله لا يسقط حال تزوج مجددا.
ينطبق هذا أيضا على الجزائر، لكن قانون الأسرة هناك يلزم الأب في حالة الطلاق بأن يوفر لممارسة الحضانة سكنا ملائما.
تفاوت وعقوبات
وللأم في العراق حق حضانة أطفالها حتى سن 9 سنوات، وللمحكمة الحق بتمديدها حتى سن 15 عاما، مع نفقه شهرية من الأب. وبعد ذلك للطفل حق اختيار الإقامة مع من يشاء.
يقول المحامي العراقي محمد جمعة: "حاليا، هناك محاولات من جهات سياسية وأعضاء بالبرلمان لتعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي بحيث تسلب الأم من حقها في الحضانة بعد 7 سنوات من عمر الطفل لصالح الأب، وهذه مشكلة خطيرة".
ويضيف جمعة لموقع (ارفع صوتك) أن القضاء حال رفعت الأم دعوى قضائية ينصفها في ظل القانون النافذ "لكن السائد خاصة في المجتمعات القبلية والعشائرية هو أن الطفل يذهب للأب حتى وإن كان رضيعا. هنا، لا أحد ينصف الأم وتجبر على التنازل عن أطفالها".
وتابع "إذا حاولت سيدة في مجتمع قبلي أو عشائري رفع دعوى قضائية يمكن أن تقتل من أهلها لأن هذا عيب وغير مقبول".
وتنص المادة 146 من قانون الأحوال الشخصية في سوريا على انتهاء "مدة الحضانة بإكمال الولد ذكراً كان أو أنثى عند الخامسة عشرة من العمر". ويحق لكل من الأبوين رؤية أولاده القاصرين دورياً.
وتصل عقوبة مثل هذه المخالفة أو رفض تسليم الطفل لحاضنه الشرعي إلى السجن من ثلاثة أشهر إلى سنتين أو بالغرامة، وفقا للمادة 482 من قانون العقوبات .
وعقوبة ذلك في القانون اليمني السجن 6 أشهر أو الغرامة. وفي السعودية السجن 3 أشهر.
ومدة الحضانة في اليمن 9 سنوات للذكر و12 سنة للأنثى. وتنقضي مدة حضانة الذكر في الجزائر ببلوغه 10 سنوات، والأنثى ببلوغها سن الزواج.
ويحظر القانون السوري سفر أحد الأبوين بولده خارج سوريا خلال فترة حضانته إلا بإذن الآخر، أو بقرار قضائي. وكذلك هو الحال في الأردن التي تسمح للأم بحضانة طفلها حتى إتمامه15 عاما.
في 2017، تم تسوية 644 قضية متعلقة بالحضانة أبرمت فيها اتفاقيات إصلاح وتوفيق أسري في الأردن، بحسب تقرير دائرة قاضي القضاة.
وفي مارس 2018، أصدرت السلطات القضائية السعودية قرارا قضى بمنح الأم صك حضانة لأطفالها في الحالات غير المتنازع فيها، دون الحاجة إلى إقامة دعوى قضائية لإثبات ذلك، كما كان متبعا سابقا.
قضاء ذكوري
غالبا يكون الأطفال ضحايا انفصال الزوجين، خاصة عندما تكون ظروف الحضانة سيئة.
يشعر اليمني الثلاثيني عبد الله نعمان بحسرة وندم شديدين لعدم حضانته طفله (14 عاما حاليا) عقب انفصاله عن والدتها قبل نحو 10 سنوات.
"حضنته والدته عامين تقريبا. بعدها تزوجت. وأنا أيضا تزوجت، فاحتضنته امرأة من خارج الأسرة. للأسف، أصبح الآن عنيفا ومزعجا، ولا يحترمني بل يرفض الحديث معي"، قال نعمان لموقع (ارفع صوتك).
وتقول فيروز الجرادي، وهي محامية يمنية، إن العادات والتقاليد التي تعزز ثقافة الذكورية في اليمن خاصة والعالم العربي بشكل عام ساهمت في انتزاع الرجل حضانة أطفاله بالقوة.
وأضافت لموقع (ارفع صوتك): "شكليا القوانين جيدة وأعطت أولوية الحضانة للمرأة، لكنها تحرمها من الحضانة إذا تزوجت وهذا مؤسف وتمييزي. وأعطت للقاضي الحق في تقدير أحقية الحضانة، وهذه النقطة يستغلها الكثير من الآباء لصالحهم".
وفوق ذلك، غالبية النساء غير قادرات على الوصول إلى القضاء للترافع في قضايا من هذا النوع.
وتعتقد فيروز الجرادي أن الكارثة الكبرى هي في "تعسف بعض الآباء بحضانة بناتهم، والقيام بتزويجهن في سن مبكرة".
وتوضح: "خلال ثلاثة أعوام تعاملت مع قضيتين من هذا النوع، أغلق ملفهما نهائيا عبر القضاء بعد تزويج الفتاتين في سن مبكرة".
وحسب المحامية اليمنية، فإن "القوانين النافذة غير كافية وقديمة. نحن بحاجة إلى الكثير بدءا من تأهيل القضاة، لأن العقلية القضائية ما زالت جامدة وذكورية".