ساعات قليلة بعد إعلان الرئاسة التونسية وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي (93 عاما)، كتب الشيخ السلفي التونسي الخميس مجري على صفحته في فيسبوك: "اشتهر بين العوام أن النبي قال "اذكروا موتاكم بخير" و"اذكروا محاسن موتاكم وكفُّوا عن مساويهم" حديثان لم يثبتا عن النبي".
فتحت تدوينة مجري، وهو قيادي سابق في حركة النهضة، الباب أمام متابعيه للنيل من الرئيس التونسي الراحل.
كتب أحدهم تعليقاً على تدوينة ثانية للشيخ السلفي: "المهم في الجنازة، اقرؤوا عليه الدستور!".
وعندما انتقد أحد المتابعين تدوينة مجري بأنها "تدعو وتشرع لسب الموتى والتجرؤ على حرمة الأموات؟" رد الشيخ السلفي بعصبية "جاهل مستكبر.. هل تقرأ سورة المسد؟ أليست سورة سب وشتم ودعاء على عم النبي؟".
ويقود مجري حملة شرسة ضد قائد السبسي والحكومة التونسية، خاصة منذ المصادقة على مشروع قانون المساواة في الإرث وقرار الحكومة الأخير بحظر النقاب في الإدارات العمومية ومؤسسات الدولة.
ما حدث من الشماتة بعد وفاة الباجي قائد السبسي سبق أن تكرر مرارا، حتى مع شخصيات تحسب على التيار الإسلامي بدعوى أنها "من أهل البدع".
هنا مع حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي في السودان:
ومع عباسي مدني زعيم جبهة الإنقاذ الجزائرية:
وحتى مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي:
في الواقع، كان خميس المجري الأقل هجوما على الراحل التونسي الراحل. زميله الشيخ السلفي المغربي عمر الحدوشي دعا التونسيين صراحة إلى الفرح بموت قائد السبسي.
وكتب الحدوشي، الذي قضى في السجن قرابة ثماني سنوات قبل أن يفرج عنه عام 2012، في تدوينة ثانية أن السبسي،كان "يحارب الله" ووصفه بـ"الكافر المرتد".
أما الشيخ السلفي المغربي حسن الكتاني، الذي قضى هو الآخر ثماني سنوات في السجن رفقة الحدوشي، فوصف السبسي بأنه "نقض البقية الباقية من الإسلام في تونس". وعلق على وفاته قائلا:
وكان الشيخ المصري وجدي غنيم أكثر وضوحا في تكفيره للرئيس التونسي. وقال "لا يجوز الترحم عليه".
أثارت هذه "التدوينات الشامتة" حفيظة الشيخ السلفي السابق محمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص)، الذي كان رفيق زنزانة الحدوشي والكتاني لثماني سنوات.
وكتب أبو حفص صباح الجمعة: "من يعرف العقلية السلفية لا يستغرب مثل هذا الأمر، لأن الفرح بموت المخالف حتى لو كان مسلما هو ثقافة شائعة في الأدبيات التراثية.. لهذا لا غرابة أن نجد فتاوى اليوم على الأنترنت تؤصل لمثل هذه الشماتة".
الشيخ السلفي السابق، الذي يقود اليوم مركزا لمحاربة التطرف، أورد عددا من الأمثلة والشواهد التاريخية التي تبرر الشماتة من "المبتدع".
تجويز الفرح بموت "المبتدع"
تجد التدوينات الشامتة في وفاة الباجي قائد السبسي تبريرها في تجويز الفقهاء "للفرح بموت أهل البدع".
على موقع الفتاوى الشهير "الإسلام سؤال والجواب" الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد (في السجن حاليا). تقول إحدى الفتاوى "الفرح بمهلك أعداء الإسلام وأهل البدع المغلظة وأهل المجاهرة بالفجور أمر مشروع، وهو من نِعَم الله على عباده وعلى الشجر والدواب، بل إن أهل السنَّة ليفرحون بمرض أولئك وسجنهم وما يحل بهم من مصائب".
يقول أبو حفص إن المبتدع ببساطة "وصف قدحي لكل مخالف في الفكر والرأي".
وتاريخيا، أبدى فقهاء كبار فرحهم بوفاة مخالفيهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بخلافات في العقيدة.
في نونيته، لا يخفي ابن القيم الجوزية فرحه (وفرح "أهل السنة") بقتل خالد القسري والي الأمويين على العراق للجعد بن درهم. وقال: "شكر الضحية كل صاحب سنة*** لله درك من أخي قربان".
وقتل الجعد في قصة مؤلمة، سنة 742، أول يوم من أيام عيد الأضحى. فبعد أن خطب خالد القسري خطبة العيد، قال للمصلين: أيها الناس ضحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم". ثم نزل من المنبر وذبح الجعد بالسكين. وإلى ذلك يشير ابن القيم بقوله "شكر الضحية كل صاحب سنة".
ويحكى أيضا عن ابن شراعة البصري فرحه بإصابة ابن أبي دواد (كان من كبار المعتزلة) بالشلل، حيث أنشد قائلا: فرحت بمصرعك البرية كلها *** من كان منها موقنا بمعاد.
وسئل ابن حنبل "الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دواد عليه في ذلك إثم؟" قال "ومن لا يفرح بهذا؟".
ونقل الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" أن ابن النقيب "جلس للتهنئة لما مات ابن المعلم شيخ الرافضة وقال: ما أبالي أي وقت مت بعد أن شاهدت موت ابن المعلم".
ويحكى أن عبد الرزاق الصنعاني لما جاءه نعي عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي دواد وهو من كبار المرجئة قال "الحمد لله الذي أراح المسلمين منه".
بالنسبة لفتوى موقع "الإسلام سؤال وجواب" فـ"كل ما سبق يدل على جواز الفرح بهلاك أعداء الإسلام، والكائدين له، وهلاك أهل الزندقة والبدع المغلظة، وهلاك أهل الفجور والفساد، بل يفرح أهل السنَّة بالمصائب التي تحل بهم كمرض أحدهم أو سجنه أو نفيه أو إهانته ".
أما بالنسبة لمحمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص) فمثل هذه الأمثلة كثيرة في الأدبيات العقدية والفقهية، "فإذا كان هذا في مسلم يقاسمهم نفس الدين، فقط لاختلاف في القناعات التصورية، فكيف بمن يرونه كافرا مرتدا خارجا عن الدين، بل يرون أنه بدعوته للمدنية يحارب الدين والقرآن. هذا لن يفرحوا فقط لموته، بل سيذبحون الذبائح و يقيمون الولائم".