أحد مراكز احتجاز المهاجرين الأفارقة في ليبيا/ وكالة الصحافة الفرنسية
أحد مراكز احتجاز المهاجرين الأفارقة في ليبيا/ وكالة الصحافة الفرنسية

في 14 تشرين ثانٍ/نوفمبر 2017، أثار تحقيق صحافي مصوّر  في ليبيا ضجة كبيرة حول العالم، حيث أظهر مزاداً علنياً يُباع فيه الرجال.

​​هؤلاء الرجال شقّوا طريقهم من دول أفريقيا، عبر ليبيا، وأيديهم على قلوبهم أملاً في "الجنة" التي تنتظرهم في الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط، حيث الشواطئ الأوروبية. 

وإذ كان الأمر مجرّد شائعات، من دون برهان ماديّ، شهدت مراسلة "سي ان ان" على عملية بيع 12 رجلاً نيجيرياً وكان يطلق عليهم "البضاعة" بينما تم تصوير بيع رجلين بشكل سري يبدوان في العشرينيات من عمرهما، في مزاد علني، كل واحد مقابل نحو 800 دولار.

لـ"الجنة" حُرّاس، وعلى الساحل المقابل (ليبيا) أحلام تتكسّر بعد اعتقال المهاجرين وتعنيفهم وحتى بيعهم. فليبيا محطة رعب بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين كما هو البحر تماما، الذي لا يشبع من ابتلاعهم ثم يلفظهم جثثاً على الشواطئ أو يلقي بهم لمحطة رعب أخرى، هي سجون الدول التي قصدوها.

​​

دفن 46 جثة لمهاجرين غرقوا أثناء عبورهم البحر قبالة السواحل الليبية في وقت سابق هذا العام/ وكالة الصحافة الفرنسية

​​

دفن 46 جثة لمهاجرين غرقوا أثناء عبورهم البحر قبالة السواحل الليبية في وقت سابق هذا العام/ وكالة الصحافة الفرنسية

وفيما يلي أبرز الأحداث بعد الكشف عن الاتجار بالبشر في ليبيا:

1- أطلق الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة رسمياً فرقة العمل المعنية بحالة المهاجرين الذين تقطعت بهم السّبل في ليبيا في كانون أول/ ديسمبر 2017، واتفقت هذه المنظمات على تنسيق مواقفها من أجل تعزيز المبادرات الأفريقية والأوروبية والدولية الرامية إلى خفض الطلب وتعطيل سلاسل الإمداد ومقاضاة مهربي المهاجرين والمتجرين بالبشر.

وحتى آب/ أغسطس 2018 كانت فرقة العمل قد يسرت العودة الإنسانية الطوعية لما عدده 26000 شخص عن طريق المنظمة الدولية للهجرة وقيام مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بإجلاء 1600 شخص بحاجة إلى حماية دولية. (مجلس الأمن)

2-  8/6/2018 اتخذ مجلس الأمن عقوبات بحق 6 أشخاص يترأسون شبكات تمارس الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين في ليبيا. وكانت أول خطوة من نوعها في تاريخ الأمم المتحدة.

وتم تجميد عالمي على أصول المعنيين الستة ومنعهم من السفر، وهم: مصعب أبو قرين ومحمد كشلاف وعبد الرحمن ميلاد وإيرمياس جيرماي وفيتيوي عبد الرزاق وأحمد عمر الدباشي.

جوانب قانونية من دول عربية

​​2- 29/10/2018 نقلت إذاعة بلجيكية عن مصدر مقرب من ملف الأموال الليبية المجمدة قوله إن "الحكومة البلجيكية لعبت دوراً في تمويل الميليشيات الليبية المسؤولة عن الاتجار بالبشر. (اقرأ من المصدر)

3- 25/4/2019 أشار تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى استمرار الظروف المأساوية التي يعيشها المهاجرون الأفارقة المحتجزون في مراكز ليبية، وكان بعض المهاجرين المقيمين فيها أكد سابقاً لـ"سي ان ان" تعرضهم للضرب والتعذيب والبيع.

وقالت "هيومن رايتس" في تقريرها "منذ 2015، أسهم الاتحاد الأوروبي في الانتهاكات بحق المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا من خلال دعمه لحرس السواحل الليبي المتحالف مع حكومة الوفاق الوطني، الذين  يسلمون كل من ينقذونه أو يعترضونه لمراكز الاحتجاز التعسفية في ليبيا".

وأضافت: "يوجد نحو 6 آلاف مهاجر وطالب لجوء في مراكز الاحتجاز، وفق أرقام الأمم المتحدة، منهم أكثر من 3 آلاف شخص معرض للخطر الناتج عن معارك السيطرة على طرابلس. ويُحتجَز المعتقلون لأجل غير مسمّى دون مراجعة قضائية ويتعرضون لخطر الانتهاكات الجسيمة مثل التعذيب، والحرمان من الطعام، والرعاية الطبية، والعمل القسري، والابتزاز، والعنف الجنسي".

كتاب جديد يكشف المزيد

في كتابه "الاتجار بالبشر: بزنس الهجرة والعبودية الحديثة"، ركز يان-فيليب شولتز على ظاهرة الاتجار بالبشر من أفريقيا إلى أوروبا وكيف أصبحت صناعة قائمة بحد ذاتها.

وخلُص شولتز إلى أن تلك الصناعة "تطورت في السنوات الأخيرة"، ولا يعزوها إلى الاستثمار الأوروبي في ضبط الحدود أمنياً والعلاقات التجارية الاستغلالية بين الشركات الأوروبية والنخب الأفريقية الفاسدة فقط، بل إلى التواطؤ الأوروبي مع النظم القمعية في القارة السمراء أيضا. (مهاجر نيوز 2019).

يقول الكاتب وقد قضى سنوات مراسلا لمؤسسة "دويتشة فيله" الألمانية في جنوب الصحراء الكبرى "التقيت مهاجرين كانوا محتجزين في مراكز الاعتقال الليبية وبدت عليهم آثار الحروق والجروح العميقة. كما تعرضت الكثير من النساء للاغتصاب والاستغلال الجنسي. وسمعت قصصاً عن نساء تم عرضهن للبيع بالمزاد العلني في أحد السجون الخاصة تلك في جنوبي ليبيا. وانتهى المطاف بتلك النسوة المبيعات إلى الدعارة، إما في ليبيا أو في أوروبا".

ويضيف شولتز حول الاتجار بالنساء لأغراض جنسية أن مأساتهن "تبدأ في بلدهن الأصلي حيث ينشط المتاجرون بالبشر بشكل مباشر، خصوصا نيجيريا. يلجأ المتاجرون إلى طقوس دينية لخداع النساء وتقديم الوعود بتأمين إيصالهن إلى أوروبا بالمجان. وفي الطريق يخضعن لمراقبة لصيقة أكثر من الرجال الذين يسافرون على مراحل".

وحال الوصول إلى أوروبا "يتم إجبار النساء على ممارسة الدعارة بموجب عقد عبودية، يتوجب على النساء بمقتضاه كسب 40 ألف يورو من عملهن بالدعارة حتى يحصلن على حريتهن". حسبما نشر موقع "مهاجر نيوز" في مقاله المترجم.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المياه الملوثة تقتل ملايين البشر كل عام (جانب من درنة التي ضربتها فيضانات)
المياه الملوثة تقتل ملايين البشر كل عام (جانب من جهودا الإنقاذ في مدينة درنة)

يتعرض الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المتضررة من الفيضانات الهائلة إلى عدد من المخاطر الصحية التي قد تهدد حياتهم، لاسيما الفئات الضعيفة منهم، كالرضع والطاعنين بالسن، أو الذين يعانون بالأساس من أمراض مزمنة.

وقد أدت كارثة  درنة، شرقي ليبيا، (التي تعرضت إلى فيضانات هائلة تسببت في تدمير سدين مهمين فيها وبالتالي إزالة أكثر من ربع المدينة عن الوجود ووفاة آلاف الأشخاص)، إلى تسليط الضوء على المخاطر الصحية الناجمة عن المأساة.

وكان الطبيب بمنظمة الصحة العالمية، أسامة عبد الشافي، قد أوضح لموقع "الحرة" في وقت سابق، أن استخدام واستهلاك المياه الملوثة "قد يؤدي إلى الموت".

ولفت إلى أن ذلك "يفسر سبب وفاة ملايين الأشخاص بسبب الأمراض المنقولة بالمياه كل عام"، بحسب ما ترصده منظمة الصحة العالمية.

وأضاف أنه "يمكن تصنيف المياه الملوثة إلى فئتين، وفقا لسبب التلوث: الميكروبات والمواد الكيميائية"، لافتا إلى أنه "غالبا ما تسبب الميكروبات (البكتيريا والطفيليات) تأثيرات فورية على البشر".

وأوضح أن الوضع في ليبيا بعد الكارثة المأساوية يعتبر "شديد الخطورة" فيما يتعلق بالمياه الملوثة، والتي من المتوقع أن تكون مصادر تلوثها الأساسية هي النفايات البشرية والحيوانية ومياه الصرف، التي اختلطت بالمياه الجوفية ومياه الشرب بعد الإعصار.

ما هي أبرز هذه الأمراض؟

ومن أكثر الأمراض انتشارا بسبب المياه الملوثة، كما تقول أخصائية طب الأسرة، الدكتورة نسرين حماد، لموقع "الحرة"، هو داء السالمونيلا الناجم عن عدوى تسببها بكتيريا السالمونيلا.

وتوضح حماد أن الأعراض الشائعة لهذا المرض تشمل الإسهال (غالباً يكون شديدا وقد يحتوي على دم)، والقيء، وآلام في البطن، لافتة إلى أن المصاب يشعر أيضًا بالحمى والصداع والإنهاك في عضلات الجسد.

وأشارت إلى أن "علاج داء السالمونيلا عادةً يتضمن الراحة وتعويض السوائل التي فقدها المريض جراء الإسهال والقيء، وأنه قد يتم وصف مضادات الإسهال إذا لزم الأمر".

ونبهت إلى أنه في حالات العدوى الشديدة أو الدامية، قد يستدعي الأمر العلاج بالمضادات الحيوية، مشددة على ضرورة  استشارة الطبيب قبل تناول أي دواء لتأكيد التشخيص، ووصف الداواء الناجع مع الجرعات المناسبة.

وكذلك من الأمراض التي قد تنجم عن المياه الملوثة، بحسب الطبيب عبد الشافي، "التهاب الكبد A" وهو مرض شديد العدوى.

وعن الأعراض الشائعة لذلك المرض تشرح، حماد: "تتمثل في الحمى والإرهاق والصداع والألم في البطن وفقدان الشهية، كما يمكن أن يلاحظ المصاب أيضًا تغير لون البول إلى اللون الداكن واصفرار الجلد والعينين (اليرقان)".

وتابعت: "المريض قد يشعر أيضا بأعراض أخرى، مثل الغثيان والقيء والإسهال"

ونبهت إلى أن "معظم حالات التهاب الكبد A تختفي دون علاج خاص، بيد أنه من المهم الراحة وتجنب تناول الكحول والأدوية التي تضر الكبد، كما يُوصى بتناول وجبات صحية وتناول كمية كافية من السوائل لتجنب الجفاف".

وأضافت: "يمكن أن تحتاج بعض الحالات إلى علاج الأعراض فقط، مثل تسكين الألم ووقف الغثيان، كما أنه  توجد أيضًا لقاحات للوقاية من التهاب الكبد A التي يوصى بها في مناطق الانتشار الواسع".

داء "تشفير"

ومن الأمراض الأخرى التي قد تنجم عن المياه الملوثة، داء خفيّات الأبواغ (الكريبتوسبوريديوسيس)، المعروف أيضا باسم "تشفير"، وهو عدوى تستهدف الأمعاء.

ويصاب المرضى بالعدوى عن طريق تناول المياه أو المواد الغذائية الملوَّثة، أوعبر الاحتكاك والتواصل اتصال مع الأشخاص أو الحيوانات المصابة بالعدوى.

وأوضحت حماد، أن أعراض ذلك المرض "قد تبدأ بتشجنات مؤلمة في البطن والإصابة بإسهال مائي، مصحوبًا بالغثيان والتقيّؤ والحمى، بالإضافة إلى الإحساس بالوهن في بعض الأحيان". 

ويتم تشخيص المرض عن طريق فحص أو تحليل عيِّنة من البراز، للتأكد من وجود الطفيليات المسببة له.

وأكدت أخصائية طب الأسرة أن "الأشخاص الذين لديهم بنية صحية جيدة يتعافون على الأغلب من تلقاء نفسهم، بينما يحتاج المرضى الذين لديهم جهاز مناعي ضعيف، للعلاج بالأدوية تحت إشراف الطبيب".

وأشارت أيضا إلى ضرورة "غلي الماء قبل شربه في مناطق الكوارث، لمنع الإصابة بالعديد من الأمراض الناجمة عن تلوث المياه بشكل عام".

وقد ينجم عن انتشار واستخدام المياه غير النظيفة، حمى التيفوئيد، وهي عدوى بكتيرية تهدد الحياة وتتميز بتقرح معوي حاد وعدوى، وفق عبد الشافي.

وتظهر أعراض حمى التيفوئيد عادة خلال 1-3 أسابيع بعد التعرض للعدوى، وتتضمن  ارتفاعا في درجة الحرارة، سواء بشكل مستمر أو متقطع، وصداع قوي، وآلام في العضلات والمفاصل، وفقدان الشهية وفقدان الوزن، وتعب في عضلات الجسم، وطفح جلدي.

ويمكن علاج حمى التيفوئيد، بحسب حماد، عن طريق استخدام المضادات الحيوية المناسبة، التي يقررها الطبيب المعالج بناءً على حالة المريض، بالإضافة ضرورة التزام الراحة والحصول على التغذية الجيدة وشرب السوائل بكميات مناسبة. 

وللوقاية من حمى التيفوئيد، ينصح باتباع نصائح السلامة الصحية العامة، مثل تناول الأطعمة المطهوة جيدًا، وشرب المياه النظيفة، والاهتمام بالنظافة الشخصية ونظافة المطبخ والمنزل بشكل عام.

وداء الكوليرا يعتبر من الأمراض الخطيرة الناجمة عن المياه أو الأطعمة الملوثة،  ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة إذا لم يتم علاجه بشكل صحيح أو في الوقت المناسب.

وأبرز أعراض ذلك المرض، إسهال مائي غزير، يمكن أن يؤدي إلى فقدان حاد للسوائل والأملاح، بالإضافة إلى شنجات في البطن وآلام معوية.

ومن الأعراض كذلك، غثيان وقيء مستمر، والإحساس بعطش شديد، وإجهاد قوي، وفقدان سريع للوزن. 

وعند تشخيص حالة الكوليرا، يتم علاجها بالإسراع بإعطاء محاليل الإمهاء الفموي.

أمّا المرضى الذين يعانون من جفاف شديد فهم معرضون، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، إلى خطر الإصابة بالصدمة، وباالتالي يجب الإسراع في حقنهم بالسوائل عن طريق الوريد.

كما يُعطى هؤلاء المرضى المضادات الحيوية المناسبة لتقليل مدة الإسهال، والحد من كمية المأخوذ من سوائل الإماهة اللازمة، وتقصير مدة إفراز ضمات الكوليرا في البراز وفترة بقائها.  

ولا يُوصى بإعطاء المضادات الحيوية بكميات كبيرة، إذ ليس لها تأثير مُثبت على مكافحة انتشار الكوليرا، وقد تسهم في زيادة مقاومتها لمضادات الميكروبات.

وبالإضافة إلى العلاج، ينبغي اتخاذ إجراءات للوقاية من عدوى الكوليرا، مثل تناول المياه النظيفة والطعام المطبوخ جيدًا، كما أوضحت حماد.

"التلوث الكيمائي"

على صعيد آخر، أوضح عبد الشافي أن "مياه الشرب الملوثة بالمواد الكيميائية، مثل ميثيل ثالثي بوتيل إيثر (MTBE) والمذيبات المكلورة، تزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان، عندما يستهلك الشخص المياه من هذه المصادر".

واستكمل: "المياه الملوثة قد تؤدي إلى التسمم بالرصاص الذي يهدد الحياة، لأنه يمكن أن يدخل الرصاص إلى مياه الشرب من خلال الأنابيب القديمة واللحامات، أو من خلال تصريف المواد الكيميائية السامة في شبكات المياه".

ولفت إلى أنه يمكن للمواد الكيميائية التي تتسرب من المنشآت الصناعية والزراعية، (خاصة المعادن الثقيلة مثل الزرنيخ والرصاص والزئبق) أن تتراكم في أعضائنا الداخلية مع مرور الوقت.

وأشار عبد الشافي إلى أنه "بعد الأعاصير والفيضانات، عادة ما يحدث تلوث المياه عندما تتسرب مسببات الأمراض، مثل النيتروجين والفوسفور، من المناطق الحضرية والسكنية والزراعية إلى المياه السطحية والجوفية والساحلية".

وقال إنه يمكن أيضا أن تتلوث مياه الشرب "من خلال تسرب المواد الكيميائية والمعادن الثقيلة من المصانع".

وحذر الطبيب من خطورة إهمال وضع المياه في ليبيا، مؤكدا: "يجب تضافر الجهود العالمية لمساعدة ليبيا تحديدا في مسألة معالجة المياه، وتوفير بدائل آمنة بأقصى سرعة، حتى لا تنتشر الأمراض والأوبئة التي قد ينتج عنها المزيد من الضحايا والوفيات".