على خلفية اتهامه بـ"الردة المغلظة"، كان مزمل فقيري، وهو داعية سوداني شهير، على بعد خطوة واحدة من عقوبة الإعدام.
واتهم 25 محتسبا ومحاميا الداعية فقيري بالإساءة للصحابة وزوجات الرسول محمد، وهو ما أيدته محكمة سودانية عليا في آب/أغسطس 2018، حيث قضت بإخضاع فقيري لمحاكمة شرعية وعدم قبول اعتذاره عما وصفته بـ "الطعن في الجناب المحمدي"، إلا بالاستتابة أمام الجهات القضائية المختصة.
لكن فقيري خرج لاحقا لينفي صدور أي ادانة ضده في هذا الخصوص، قائلا إنه تمت تبرئته بعد أن شطبت المحكمة العليا البلاغ وألغت التهم الموجهة ضده.
و"استتابة المرتد" مصطلح فقهي يعنى عرض التوبة على شخص ما "للرجوع عما اقترفه أو فرط فيه قبل إقامة حد القتل".
و"الردة" في الاصطلاح الفقهي الإسلامي تعني ترك الإسلام والخروج منه.
ومع استثناءات قليلة، يكاد معظم فقهاء الإسلام يتفقون على أن عقوبة الردة هي الإعدام قتلا بعد الاستتابة لمدة ثلاثة أيام.
وضُمّنت هذه العقوبات في كثير من التشريعات القانونية في الدول العربية والإسلامية، خصوصا في السعودية واليمن وموريتانيا والسودان وإيران.
ومع ذلك، كثيرا ما لا يتم المضي قدما في قضايا من هذا النوع حتى النهاية، إذ يتم العدول عن الأحكام القضائية تحت ضغط الانتقادات الحقوقية المحلية والدولية.
لكن هذا الاصطلاح أخذ بعدا خطيرا مع تصاعد نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة وسيطرتها على مساحات واسعة من الأرض في سوريا والعراق واليمن خلال السنوات الأخيرة.
وحسب مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، فإن "التوبة" أو "الاستتابة" كان أحد ستة مفاهيم رئيسة صارت تسوق لشرعنة الأعمال الإرهابية خلال عامي 2017 و2018.
وخلال سيطرته على مناطق واسعة في العراق وسوريا افتتح تنظيم "داعش" معاهد "استتابة"، تم فيها إخضاع من وصفهم التنظيم الإرهابي بـ"المرتدين" لدورات في العقيدة ومسائل الحاكمية وفقه الجهاد، بعد توقيعهم على استبانة إقرار بـ"الردة والكفر".
ومن أشهر لجان الاستتابة الجماعية تلك التي عقدها تنظيم "داعش" الإرهابي لمعلمي محافظة "دير الزور" السورية في 2015.
وشملت الاستتابة -حسب بيان للتنظيم حينها- كل معلم سوري اشتغل في التدريس ولو يوما واحدا بالمدارس السورية منذ عام 1970، بمن فيهم المحالين للتقاعد أو الذين تركوا التعليم منذ زمن واحترفوا مهنة أخرى.
وأكد البيان أن "من يتأخر عن إعلان توبته يعد مصرا على الكفر، تطبق بحقه الأحكام الشرعية" وهي القتل ردة.
ومازال حاضرا في الأذهان تنفيذ حادثة استتابة المتصوفة في سيناء، وتنفيذ حد الردة على بعضهم من قبل تنظيم داعش، بينهم الشيخ المسن سليمان أبو حراز (98 عاما) في نوفمبر 2016.
الرئاسة المصرية أعلنت حدادا ثلاثة أيام على أواح 235 ضحية سقطوا في محيط مسجد الروضة غرب مدينة العريش.
"منكرات" و"شركيات"!
ويعد "نور الشريعة" أحد التسجيلات المرئية التي بثها داعش في سيناء وحصر فيها قبول التوبة على المسلمين غير العاملين في المؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية والمتعاونين معهم.
وفي الفيديو، ومدته 25 دقيقة، تحدث أبو المقداد المصري، وهو أحد أبرز قيادات داعش في سيناء، عن "منكرات" و"شركيات"، بينها "ترك الصلاة، وتجصيص القبور، وبيع السجائر والمخدرات"، وقال إن جماعته حاربتها وأحالت "المخالفين إلى المحكمة الشرعية، حيث حكم على بعضهم بالقتل، وتم استتابة آخرين".
وفي تسجيل آخر بثه داعش العام الماضي وسع التنظيم الاستتابة بقبولها من ضباط وأفراد في الجيش المصري.
وتكفر الجماعات المتطرفة رجال الشرطة والجيش باعتبارهم "طائفةممتنعة".
ومنتصف شباط/فبراير 2015، نشر اتباع داعش صورا لما قالوا إنها "استتابة 42 مواطنا، من أفراد وزارة الداخلية الليبية في مدينة سرت".
وأظهرت الصور التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عناصر الشرطة يعلنون توبتهم على الملأ في مسجد "الرباط الإمامي" في سرت.
في الشهر ذاته، طالب أحد زعماء داعش، ويدعى أبو محمد الفرجاني، مسلحي مدينة مصراته بـ"إعلان توبتهم ورجوعهم إلى الله والمبادرة بمبايعة أبو بكر البغدادي".
وتوعد الفرجاني من وصفهم بـ"جيش الصحوات وأبناء الصليب بالذبح قصاصا شرعيا".