سودانيون في مظاهرة سنة 2005 يطالبون بتطبيق حد الردة في حق صحفي
سودانيون في مظاهرة سنة 2005 يطالبون بتطبيق حد الردة في حق صحفي

على خلفية اتهامه بـ"الردة المغلظة"، كان مزمل فقيري، وهو داعية سوداني شهير، على بعد خطوة واحدة من عقوبة الإعدام.

واتهم 25 محتسبا ومحاميا الداعية فقيري بالإساءة للصحابة وزوجات الرسول محمد، وهو ما أيدته محكمة سودانية عليا في آب/أغسطس 2018، حيث قضت بإخضاع فقيري لمحاكمة شرعية وعدم قبول اعتذاره عما وصفته بـ "الطعن في الجناب المحمدي"، إلا بالاستتابة أمام الجهات القضائية المختصة.

لكن فقيري خرج لاحقا لينفي صدور أي ادانة ضده في هذا الخصوص، قائلا إنه تمت تبرئته بعد أن شطبت المحكمة العليا البلاغ وألغت التهم الموجهة ضده.

​​و"استتابة المرتد" مصطلح فقهي يعنى عرض التوبة على شخص ما "للرجوع عما اقترفه أو فرط فيه قبل إقامة حد القتل".

و"الردة" في الاصطلاح الفقهي الإسلامي تعني ترك الإسلام والخروج منه.

ومع استثناءات قليلة، يكاد معظم فقهاء الإسلام يتفقون على أن عقوبة الردة هي الإعدام قتلا بعد الاستتابة لمدة ثلاثة أيام.

وضُمّنت هذه العقوبات في كثير من التشريعات القانونية في الدول العربية والإسلامية، خصوصا في السعودية واليمن وموريتانيا والسودان وإيران.

ومع ذلك، كثيرا ما لا يتم المضي قدما في قضايا من هذا النوع حتى النهاية، إذ يتم العدول عن الأحكام القضائية تحت ضغط الانتقادات الحقوقية المحلية والدولية.

لكن هذا الاصطلاح أخذ بعدا خطيرا مع تصاعد نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة وسيطرتها على مساحات واسعة من الأرض في سوريا والعراق واليمن خلال السنوات الأخيرة.

وحسب مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، فإن "التوبة" أو "الاستتابة" كان أحد ستة مفاهيم رئيسة صارت تسوق لشرعنة الأعمال الإرهابية خلال عامي 2017 و2018.

وخلال سيطرته على مناطق واسعة في العراق وسوريا افتتح تنظيم "داعش" معاهد "استتابة"، تم فيها إخضاع من وصفهم التنظيم الإرهابي بـ"المرتدين" لدورات في العقيدة ومسائل الحاكمية وفقه الجهاد، بعد توقيعهم على استبانة إقرار بـ"الردة والكفر".

ومن أشهر لجان الاستتابة الجماعية تلك التي عقدها تنظيم "داعش" الإرهابي لمعلمي محافظة "دير الزور" السورية في 2015.

وشملت الاستتابة -حسب بيان للتنظيم حينها- كل معلم سوري اشتغل في التدريس ولو يوما واحدا بالمدارس السورية منذ عام 1970، بمن فيهم المحالين للتقاعد أو الذين تركوا التعليم منذ زمن واحترفوا مهنة أخرى.

​وأكد البيان أن "من يتأخر عن إعلان توبته يعد مصرا على الكفر، تطبق بحقه الأحكام الشرعية" وهي القتل ردة.

ومازال حاضرا في الأذهان تنفيذ حادثة استتابة المتصوفة في سيناء، وتنفيذ حد الردة على بعضهم من قبل تنظيم داعش، بينهم الشيخ المسن سليمان أبو حراز (98 عاما) في نوفمبر 2016.

"منكرات" و"شركيات"!

ويعد "نور الشريعة" أحد التسجيلات المرئية التي بثها داعش في سيناء وحصر فيها قبول التوبة على المسلمين غير العاملين في المؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية والمتعاونين معهم.

وفي الفيديو، ومدته 25 دقيقة، تحدث أبو المقداد المصري، وهو أحد أبرز قيادات داعش في سيناء، عن "منكرات" و"شركيات"، بينها "ترك الصلاة، وتجصيص القبور، وبيع السجائر والمخدرات"، وقال إن جماعته حاربتها وأحالت "المخالفين إلى المحكمة الشرعية، حيث حكم على بعضهم بالقتل، وتم استتابة آخرين".

وفي تسجيل آخر بثه داعش العام الماضي وسع التنظيم الاستتابة بقبولها من ضباط وأفراد في الجيش المصري.

وتكفر الجماعات المتطرفة رجال الشرطة والجيش باعتبارهم "طائفةممتنعة".

​​​​​ومنتصف شباط/فبراير 2015، نشر اتباع داعش صورا لما قالوا إنها "استتابة 42 مواطنا، من أفراد وزارة الداخلية الليبية في مدينة سرت".

وأظهرت الصور التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عناصر الشرطة يعلنون توبتهم على الملأ في مسجد "الرباط الإمامي" في سرت.

في الشهر ذاته، طالب أحد زعماء داعش، ويدعى أبو محمد الفرجاني، مسلحي مدينة مصراته بـ"إعلان توبتهم ورجوعهم إلى الله والمبادرة بمبايعة أبو بكر البغدادي".

وتوعد الفرجاني من وصفهم بـ"جيش الصحوات وأبناء الصليب بالذبح قصاصا شرعيا".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

"الرغيف" بالفرنسية بترجمة فيفي أبو ديب
"الرغيف" بالفرنسية بترجمة فيفي أبو ديب

يحتفل العالم في 30 سبتمبر من كل عام باليوم الدولي للترجمة، الذي يراد به، بحسب تعريف الأمم المتحدة، "إتاحة الفرصة للإشادة بعمل المتخصصين في اللغة، الذين يلعبون دورًا مهمًا في التقريب بين الدول، وتسهيل الحوار والتفاهم والتعاون، والمساهمة في التنمية وتعزيز السلام والأمن العالميين". في هذه المناسبة التي تحتفي بالمترجمين الذين يمدّون جسوراً بين اللغات والثقافات، حاور "ارفع صوتك" الكاتبة والمترجمة اللبنانية فيفي أبو ديب التي تفخر بترجمتها لرواية "الرغيف" الشهيرة للأديب اللبناني توفيق يوسف عواد من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية.

ما الذي تعنيه الترجمة بالنسبة للمترجمين العرب؟

يزخر التاريخ العربي بالترجمات التي تركت أثرا مهماً وعابرا للغات سواء من العربية وإليها، أو إلى لغات أخرى لإتاحة المحتوى لأكبر شريحة ممكنة من الناس، وهكذا على سبيل المثال ترجم أرسطو في الأزمنة البعيدة، وعرفت الترجمة عصراً ذهبيا في العصر العباسي. ومن منا لا يعرف الجاحظ الذي ذهب إلى ما هو أبعد من الكلمة ليركز على ضرورة النظر في السياق الذي أتى منه النص الأصلي للوصول إلى انسيابية كاملة في النص.

بناء على تاريخ عريق، تجد الترجمة جذورها في السعي لاستقاء المعرفة من مصادر متنوعة والتعرف أكثر إلى الآخر، فاللغة هي مرآة أيضا للتقاليد والتطلعات. وبالنسبة لنا كمترجمات ومترجمين عرب، الترجمة أبعد من أن تختصر بوظيفة، وإنما هي رسالة، لنحمل الإنتاج من العربية أيضا إلى العالم، وهذا ما شعرت به وأنا أحمل رسالة بوزن "الرغيف" (2015) و"طواحين بيروت" (2012) وبإمضاء عواد العريق من جملة كتب ومنشورات أخرى بصيغ مختلفة.

كيف تتم عملية الترجمة وأين هو المترجم في العمل؟

يبدأ الأمر بالتعرف إلى المادة وهذا لا يعني حكماً أن المترجم يختار مواده. أحيانا، يختارها عملاؤنا وبغض النظر عن الرابط الذي ينشأ بين المترجم أو المادة، تبقى القاعدة نقل الرسالة بدقة وبالأسلوب الذي يتواءم معها. العملية تتم على مراحل عدة أهمها اكتشاف النص وقراءته بتمحّص مراراً وتكراراً والبحث بعمق عن السياق الزمني والمكاني الذي نشأ فيه، والتأكد من الأسماء والمفردات التقنية. هذا يعني الغوص في بحث حول الموضوع المتناول، قبل البدء بالعمل مع كل كلمة وسطر ومقطع وصفحة ثم قراءة ثانية وثالثة للتأكد من الإنسيابية في النص ومن الإتساق على مستوى الأفكار.. وقراءة أخيرة للتأكد من أن كل شيء يبدو جيداً.. أحيانا، نتوقف عند تفصيل صغير لأنه يغير شيئا ما بالنبرة.

خلال عملية الترجمة، يتوخى المترجم الإختفاء تماماً خلف هوية الكاتب، لكن ذلك ليس سهلاً على الدوام. ومع ذلك تبقى الأولوية للوفاء للكاتب ولرسالته بغض النظر عن نوع المادة. لا شك بأن المترجم له بصمته وهذا ما يتّضح جلياص من خلال الأعمال المترجمة على يد أكثر من شخص. لا تتشابه أي ترجمة مع الثانية لأن لكل إنسان بالمطلق بصمته وثقافته ومعرفته بالمواد وهي تختلف بدرجات.

ما الأثر الذي تركته ترجمة "الرغيف" للقارىء الأجنبي في نفسك؟

تسلط رواية "الرغيف" الضوء على فترة وضعت لفترة طويلة في الظل من عمر لبنان وهي فترة المجاعة(1915-1918)، بكل البشاعة والفضائح التي تحملها. بلغة سلسة أصفها "بالسهل الممتنع". يعرف قلة من الناس أن عواد كان على بعد ملايين الكيلومترات من البلاد وكان سفيراً في اليابان حين كتب الرواية وهذا يعني أنه استطاع رؤية الصورة بشكل أكثر شمولا وبأن الحنين للوطن لا بد وأنه كان يعتريه. أما عن الأثر في نفسي، فقد كان كبيراً للغاية. أذكر أني عشت فترة آمنت فيها بأن عواد يسكن جسدي وبات أسلوبي شبيهاً بأسلوبه للغاية. حين نترجم وعلى الرغم من كل محاولتنا "تحصين" أنفسنا بعض الشيء من المضمون، قد نصبح أحيانا مهووسين بكتاب أو بكاتب أو بحبكة.

حين ترجمت "الرغيف"، كنت على يقين بأنني أدين لبلدي أيضاً بنقل الحقيقة بلغة متاحة للقارئ الأجنبي. هذا جزء من المسؤولية الإجتماعية خصوصا وأن غض النظر عن الكتابات الإنسانية يعني التعتيم عليها وبالتالي المساهمة بشكل غير مباشر بإطالة الظلم. الترجمة تعني أيضا رفع الصوت ودعوة جمهور أكبر للإنضمام إلى القضية وهذا ما ينطبق على بعض الكتب ذات الأبعاد الفلسفية والإجتماعية.  

هل تنتهي مهمة المترجم مع تسليم العمل وهل يهدد الذكاء الإصطناعي وجوده؟

على العكس تماماً، في عالم الترجمة لا نتوقف عن اكتساب النضج ولذلك قد يعود البعض لترجماتهم فيغيرون فيها الكثير. تتأثر الترجمة بعوامل ذاتية وخارجية متنوعة أهمها الخبرة المكتسبة والتي نتعلم معها أن نصحح لأنفسنا. هذا لا يعني بأن الترجمة تكون خاطئة لكنه يمنح المساحة لبدائل أجمل. أما بالنسبة للذكاء الإصطناعي، فلا شك بأنه يساعد في تسريع وتيرة الأمور لكني لا أعتقد أنه قادر حتى الساعة على استبدال المترجم بكل ذكائه وإحساسه البشري وتقديره لما خفي بين السطور. لذلك، من الضروري للغاية أن يطور المترجم نفسه ويتقن استثمار أدوات الذكاء الإصطناعي الجديدة لتسهيل مهمته وإثرائها، عوضاً عن أن يفوته ركب التكنولوجيا. لغة التكنولوجيا هي لغة العصر ولا بد من أن تدخل في قائمة اللغات التي يتقنها المترجم الحريص على إدامة وجوده.

هل يحدث أن تتفوق الترجمة على النص الأصلي؟

لم لا؟ طالما أن ذلك يصبّ في مصلحة الكاتب ويروج لأفكاره في قالب أجمل. أحيانا قد يقع المترجم في عشق المادة فيزيد من نفسه ومن سعيه لإبرازها بكل تفاصيلها بأفضل طريقة. وأحياناً أيضا قد ننسى أن من يبحث عن الترجمة قد لا يفقه لغة المصدر، وبالتالي يحمل المترجمون ما يراد قوله إلى جمهور يتوق لقراءته وههنا ندين بالشكر للكتاب وللمترجمين وللقراء!