طغت قصة الشابة جوردان أنوكندو (25 عاماً) وزوجها آندرو على بقيّة قصص القتلى في الهجوم المسلّح بمدينة إل باسو في ولاية تكساس الأميركية.
وقضى في الهجوم الذي شنّه أميركي متطرّف في أحد متاجر سلسلة "وولمارت" 20 شخصاً، فيما قتل 9 آخرون في هجوم مماثل بمدينة ديتون في ولاية أوهايو، قبل أقل من 24 ساعة على مرور الأول.
لكن لماذا جوردان؟
كانت وزوجها بعد أيام فقط من احتفالهم بذكرى زواجهم الأولى، يتبضّعان مشتريات مدرسية، برفقة أصغر أبنائهما الثلاثة (عمره شهران)، ثم كان إطلاق النار، فما كان منها إلا أن ضمّته تحميه من الرصاص، وزوجها اندفع نحوهما يحميهما ليلاقي هو الآخر حتفه.
وصفت حالة الطفل بالمستقرّة بالإضافة لكسور في بعض عظامه، وكانت جرّاء وقوع أمه فوقه بعد مقتلها.
“They glued each other together.”Andre and Jordan Anchondo, who recently celebrated their one-year anniversary and described as a “perfect fit,” died protecting their two-month-old son from El Paso gunman.https://t.co/Z5n8PAKau1
— New York Daily News (@NYDailyNews) August 5, 2019
تقول المغردة نقلاً عن خالة جوردان "ما زالت آثار دماء جوردان على طفلها. أنت ترى هذه الأحداث عادة لكن لا تظنها ستحصل لعائلتك. كيف يُعقَل أن الأبوين ذهبا للتسوق ثم ماتا وهما يحميان طفلهما من الرصاص؟".
This quote from Jordan Anchondo’s aunt Liz Terry:"The baby still had her blood on him. You watch these things and see these things and you never think this is going to happen to your family. How do parents go school shopping and then die shielding their baby from bullets?"
— Dianne Gallagher (@DianneG) August 4, 2019
قصة التضحية والفداء ليست جديدة في عالم الأمهات. في أميركا سجلت الأعوام الماضية وقائع مشابهة لأمهات خسرن حياتهن أو استهنّ بها لصالح حماية أبنائهن.
ويظهر الفيديو التالي دفاع سامانثا بيشوب بولاية كاليفورنيا عن طفلها وعمره عامان بتقديم جسدها في مواجهة اعتداء كلبين.
وفي تكساس مرة أخرى، لقيت براندي موسلي (33 عاماً) حتفها حين ذهبت لإنقاذ طفلها من الموت المحقق غرقاً.
Texas mother dies saving 4-year-old son who was swept away by wave while playing on beach https://t.co/I30SpHPZt9 pic.twitter.com/cfa74Zg4Ot
— New York Daily News (@NYDailyNews) June 14, 2017
كما تم تسجيل حالات عدة لأمهات توفين أو نجون مع أبنائهن من الفيضانات أو الأعاصير أو الحرائق، أثناء تضحيتهن بأنفسهن.
ومن أميركا إلى أندونيسيا، نجد قصّة أم ألقت بنفسها في أحد الأنهار لإنقاذ طفلها من تمساح سحبه من قدميه نحو الماء.
وفي حينه قالت الأم بعد إنقاذ طفلها "عندما اقتربت من التمساح، ترك ابني واختفى تحت الماء.. لم أفكر ساعتها، ما إذا كانت هناك تماسيح أخرى سوف تهاجمني أم لا، كان همي وتركيزي منصب على إنقاذ طفلي من الهلاك".
قمة التضحية.. أم تلقي بنفسها للتمساح كي تنقذ ابنها https://t.co/jLeVExW42c
— Akhbar | أخبار الآن (@akhbar) July 15, 2018
من ساحة الحرب..
وإذا اختلف السياق، فإن الأمهات يتشابهن. فهذه الصورة لأم قتلت هي وطفلها رغم محاولتها حمايته من قذائف النظام السوري على داريّا في ريف دمشق، وتسبب الفيديو الذي أظهر هذا المشهد وغيره من ضحايا المجزرة بدم بارد، بفضيحة للمذيعة التابعة لقناة "الدنيا" الموالية للنظام.
وبدأت المجزرة في 20 آب/أغسطس 2012، لتستمر 8 أيام، أسفرت عن مقتل وراح أكثر من 700 من سكان المدينة غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، و512 فقط منهم أمكن التعرف على هوياتهم.
ومشهد هذه الأم المنكفئة على طفلها تحميه، هو نفسه في هذه الصورة المتداولة في مواقع إعلامية عدة منسوبة لمذبحة الكيماوي في حلبجة الكردية، التي وقعت على يد نظام صدام حسين عام 1988.
ومؤخراً عثر على مقابر جماعية في العراق، ضحاياها أكراد قضوا على يد النظام البعثي السابق، ظهرت فيها هياكل عظمية لأمهات تحمي أطفالها من الموت.
أمهات يحتضنّ أطفالهنّ ليحموهم من الرصاص، هذا ما وجده فريق تنقيب المقبرة الجماعية للكرد في "قرية الشيخية" بالسماوةشاهد الفيديو وشاركنا رأيك pic.twitter.com/cHIUgikW2J
— IrfaaSawtak ارفع صوتك (@IrfaaSawtak) July 26, 2019
وتقول هاجر يحيى، من اليمن "سأجوع من أجل أطفالي. أفضّل ألا آكل كي يأكلوا هم" وهي أم لثمانية أطفال.
وجاء حديثها ضمن تقرير عن المجاعة في اليمن نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية.
وفي صورة شهيرة تدير أم أوكرانية ظهرها لبندقية الجندي الألماني لتموت بدلاً من ابنها.
وتم توثيق هذه الصورة في موقع مجازر "بابي يار" في العاصمة الأوكرانية نفذتها القوات الألمانية والمتعاونون الأوكرانيون المحليون خلال حملتهم ضد الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية عام 1941.
31) “One shot at a time, or, as one of my lead defendants, who killed 90,000, instructed his troops: ‘If the mother is holding an infant to her breast, don’t shoot the mother, shoot the infant because the bullet will go through both of them, and you’ll save ammunition.’” pic.twitter.com/LqoC6ppvF4
— McKay Smith (@McKayMSmith) July 17, 2019
وإلى تاريخ أبعد من ذلك، قبل 1900 عام، وجدت جثث متحجّرة كان أصحابها لقوا مصرعهم بعد انفجار بركاني في مدينة بومبي الأثرية.
ومن بين هذه الجثث، كانت امرأة تحمل طفلها.
A mother and child caught in the eruption of Mt. Vesuvius in Pompeii, Italy in 79 A.D. #storeycphotography #history #haunting #pompeii #kc pic.twitter.com/66jJiSVBf0
— Claire Storey (@ClaireStorey03) December 27, 2016
لماذا تفعل الأمهات ذلك؟
أول عبارة تطلق في مواقف مشابهة "إنها الأم" أو "هذا طبيعي لأنها أم" أو "غريزة الأمومة". وكلّها ذات تأويلات صحيحة؛ إذا ما عرفنا نتائج دراسة نُشرت عام 2017 عن "هرمون الحب".
وتوصلت الدراسة المنشورة في مجلة "eLife" إلى أن "هرمون الحب" هو ما يدفع الأمهات لحماية أطفالهن في المواقف الخطرة، كما يعلّم الأطفال كيفية الرد على تهديد خارجي في المستقبل.
كما أوردت أن "الحيوانات لديها العديد من الآليات لتجنب أو الدفاع عن نفسها ضد المواجهات المميتة مع الحيوانات المفترسة، ومع ذلك تُعرّض الحيوانات البالغة نفسها في كثير من الأحيان للخطر لحماية ذريتها الأكثر ضعفا من الهجمات".
التجارب المخبرية كانت مع فئران إناث وصغارهن. إلا أن هرمون الحب أو ما يُعرف علمياً بـ"الأوكسيستوسين" موجود في البشر أيضاً، ومعروف بأدواره المتعددة، وفيما يتعلق بالأم، يقوم بتحفيز الولادة وتسهيلها عبر تحفيز انقباض عضلات الرحم وتحفيز إنتاج هرمونات أخرى مساعدة، بالإضافة إلى إسهامه في تقليص الرحم بعد الولادة وعودته إلى حجمه الطبيعي.
وبعد الولادة "يحفّز هرمون الحب إنتاج الحليب خاصة عند ملامسة شفتي الطفل لحلمة أمّه، كما يقوّي الرابط بين الأم وطفلها". (ويب طب)
أما بشأن غريزة الأمومة، فهي قرار أكثر منها طبيعة مرتبطة بالمرأة. تقول الدكتورة جيليان راجيسديل، إن "الأمومة ليست غريزة فطرية أو سلوكاً مكتسباً، بل هي قرار تتخذه المرأة تبعًا لدافعٍ ما، والذي قد يكون ذاتياً ناشئاً عن رغبتها الخالصة في أنْ تكون أماً أو عن فضولها في معرفة ماذا يعني أنْ تكون أماً". (سايكولوجي توديه)
وتضيف أنّ "السلوك الأكثر أهمية للأمهات يأتي بعد ولادة الطفل. إذ تبدأ المرأة بتطوير حسّ الأمومة وحبّ طفلها والعناية به، سواء كان مخطّطا له أم لا".
وعطفاً على ما سبق، نستطيع رؤية هؤلاء النساء قررن في لحظة ما التخلّي عن حياتهن، ويستحققن عليه ألقاب البطولة، فحتى لو كنّ أمهات والتوقع أو الافتراض الاجتماعي يوجب بشكل ما ذلك، هو قرار ليس واجباً، ولا يمكن تجريد أم من لقبها إن لم تفعله.