التقيت شابّة من جيلي، باعتباري شابّة أيضاً، قبل ثلاثة أعوام، وأثناء دردشة بسيطة، أخبرتني أنها تواظب على تناول الفيتامينات يومياً، وتغتنم فرصة وجودها في أميركا لشراء كميات كبيرة، إذ أن أسعارها أغلى في بلدها.
قلت لها ببساطة "لم يسبق لي أن تناولت الفيتامينات، هل هي مهمة؟". أجابتني بدهشة وثقة كبيرة "كلّنا بعد الثلاثين بحاجة للفيتامينات، حبيبتي كيف ما بتوخدي فيتامينات؟ للشعر والأظافر والعظام".
كنت أتذكر حديثها كلما تساقط شعري، أو زاد لهاثي أثناء صعود الجبال خلال أي مسار طبيعي أقوم به، أو حين أقوم من فراشي مجبرة، مع شعور أن عظامي متكسّرة وظهري مستسلم كالمغناطيس للسرير. يبدو أنني لم أعد شابة كما أظن؟ لكن من يُحدد ذلك؟ هل الأمر نفسي فقط أم فيزيائي يتعلق بمعايير ثابتة يقاس فيها عُمر الشباب؟
أفكر بهذا كلّه اليوم، بما أنه #اليوم_العالمي_للشباب، ولسنا منهم، نحن الذين تخطينا الثلاثين، نحن خارج التصنيف الدولي والعربي.
ومن خلال نظرة سريعة على الفئة العمرية للشباب في بعض الدول العربية، نجد الشباب في لبنان وفلسطين هم المتراوحة أعمارهم بين (15-29) عاماً، وفي سوريا (15-24) عاماُ، والأردن (15- 30) عاماً، واليمن (14-25)، ومصر (18-29) عاماً، والعراق (15- 24) عاماً.
إذا لم تجد نفسك شاباً في أيّ من هذه الدول، لا تنس الإمارات والمغرب، فالشباب هناك تتراوح أعمارهم بين (15- 35) عاماً، هذا أضعف الإيمان، بعد ذلك عزيزي القارئ، اعلم أنك دخلت مرحلة الكهولة!
مهلاً مهلاً، لا تيأس، أدعوك للبحث عن شبابك في السّودان، فهناك تظل شاباً حتى سن الرابعة والستّين.. أراك تتنفس الصعداء، أليس كذلك؟
والفئة العمرية المتفق عليها دولياً كما بدا سابقاً، تتفق على أن "الشبوبية" هي المرحلة التي يترك فيها الشخص التعليم الإلزامي ويسعى إلى إيجاد وظيفته الأولى". (الأمم المتحدة)
ماذا لو تغاضينا عن السّن؟
حدث أن تنقلت في حافلة صغيرة تنقل في العادة زوّار أليكساندريا (فرجينيا) مجاناً بين محطة القطار وضفة النهر ولها عدة مواقف في الطريق، ما يجعل وقت الذهاب عبرها بين (15-30) دقيقة.
توقفت الحافلة عند إحدى المحطات، وكانت ممتلئة. صعدت امرأة بقوام رياضي لكن بتجاعيد وجه ويدين يشيان أن عمرها تجاوز الستّين، فعرض عليها أحد الجالسين مكانه، وردّت ضاحكة "لم أزل شابة، لم يصبح عمري مئة!".
فعلياً كنت أتردد في عرض مكاني لامرأة أو رجل أعتقد أنه كبير في السن سواء في حافلة أو قطار، بعد ملاحظتي أن البعض يعتبرها إهانة، لا مساعدة. في هذه الحالة أنت تحدد إذا ما كنت كبيراً أو شاباً، نظرتك لنفسك.
أضف إلى ذلك، المكان الذي تكون فيه، والنشاط الذي تمارسه، والثياب التي ترتديها، ومجموعة الناس المتواجد بينها.
في حصّة "الزومبا" (مجموعة من الحركات الرياضية والراقصة تُمارس بصحبة الموسيقى أغلبها موسيقى لاتينية) مثلاً، أجد نفسي الأصغر بين نسوة، أصغرهن في الأربعين من عمرها وأكبرهن في الثمانين، حتى أن امرأة قدمت إلي ذات مرة، وسألتني عن مواعيد حضوري للحصص حتى تشجّع حفيدتها بأن "الزومبا ليست للكبار فقط بل توجد شابات أيضاً"، كما أخبرتني.
وفعلياً كان التوقيت هو اللاعب الأساسي في تحديد "شابة وكبيرة" حيث فترة الصباح تأتيها عادة النساء اللواتي يعملن ربّات بيوت أو جزئياً، بينما في المساء، تكون الأغلبية من الشابّات اللواتي يأتين بعد انتهاء ساعات العمل.
ومن المزعج بالنسبة لامرأة تحب الألوان والرسومات والتفاصيل في الثياب، أن تجد كل ما يجمع ذلك عادة في أقسام "الفتيات Girls" داخل متاجر الملابس الكبيرة، بينما هي في أواخر العشرينات أو الثلاثينات أو الأربعينات، لا تجد في الأقسام الأخرى سوى ملابس بلون واحد (سادة) وكلاسيكية، وأخرى للعمل.
قرأت ذات مرّة مقالاً يدعو النساء الثلاثينيات لعدم ارتداء ملابس من نوع "التنانير القصيرة (الميني) أو ارتياد محال مثل بينك Pink وأميريكان إيغل American eagle أو Forever21 باعتبارها موجهة للفتيات في سنيّ المراهقة والشابات أوائل العشرينات".
قد يقول أحدهم "الشباب شباب الرّوح" ولأي شخص الحق في أن يفعل ما يشاء ويرتدي ما يشاء إذا كان يشعر بشغف وحماس تجاهه، وإذا كان يجعله سعيداً.
لكن، متى نقول "هرمنا"؟
يردد العديد من أصدقائك أو أقاربك وحتى المعارف في مواقع التواصل كلمة "هرمنا"، غالباً للسخرية تعبيراً عن عدم قدرتهم على بذل مجهود ما، أو تعليقاً على الشيب في رؤوسهم أو إصابتهم ببعض الأمراض التي ارتبطت لزمن طويل بأعراض الشيخوخة مثل النسيان.
ولو جمعنا الظروف التي نشعر فيها أننا كبرنا ونبتسم ساخرين أو بحزن خفيف على ذلك، خصوصاً إذا كان شبابنا مرّ كالبرق وضمن أحوال معيشية وسياسية صعبة مقارنة بحال شباب اليوم، سنجد الآتية، بناء على ملاحظات شخصية أو ملاحظات أصدقاء وصديقات.
- حين يتزوج ابن أو بنت الجيران، أولئك الذي شهدت مولدهم وطفولتهم وأحياناً تكون شاركت في زفاف ذويهم، تقول هرمنا!
- حين يتعطّل المصعد في المبنى الذي تسكنه، وتضطر لصعود الدرج، فتجد نفسك لاهثاً متعرقاً بعد طابقين أو ثلاثة، تقول هرمنا!
- حين تجد أنك أكبر الموجودين، في جلسة يمسك فيها الكل هواتفهم النقالة يتابعون حساباتهم الشخصية في إنستاغرام وسناب تشات، بينما أنت متشوّق لحوار معهم أو مع أحدهم، تقول هرمنا!
- حين تفتح اليوتيوب وتكتب "أجمل أغاني التسعينيات أو "أغاني الثمانينات" وتجد نفسك حافظاً لجميع ما تسمعه رغم مرور نحو عقدين أو ثلاثة على شُهرتها وغيابها عن سمعك مدة طويلة، تقول هرمنا!
- حين تتساءل أثناء ساعات الدوام الكامل"لماذا أنا هنا؟ لماذا لا أملك بزنساً خاصاً لغاية الآن؟" تقول هرمنا!
- حين تنزعج من ضجيج أحاديث الناس والموسيقى الصاخبة حولك، وتعتقد أن سعادتك تكمن في مكان هادئ Peaceful تقول هرمنا!
- حين تشعر أن أسعد أوقاتك هي الحديث "عن أيام زمان وأفلام كرتون زمان وتذكّر أغاني أفلام الكرتون اليابانية القديمة" تقول هرمنا!
- حين ترى نفسك كبيراً على اللعب مع أبنائك ومجاراتهم في الركض والقفز، ثم تفكر بأهمية ممارسة الرياضة والنظام الغذائي الصحي لتمرح معهم أكثر، قد تقول هرمنا!
- حين تقول "أيام زمان أحلا" وحين يقول لك شخص "عمو، خالو، خالتو.." تكون كبرت!
وربما حين تقرأ هذا المقال وتسخر منه وتتذكر أنك نسيت أسماء أشخاص تعرفت عليهم للتو، أو تنسى أين خبأت أغراضك كي لا تضيع، وتجد نفسك تتصرّف وتقول كلاما مشابهاً تماماً لما فعله أو قاله والداك، تقول هرمنا! وربما لا تقولها!