هل جربت أن تشاهد مسلسلات وأفلام الكرتون (الأنمي اليابانية) التي سحرت قلبك وعقلك في طفولتك، الآن، بعد أن صرت في الثلاثين أو الأربعين من عُمرك؟
المشاهدات في يوتيوب لهذه المسلسلات تدل على أن مئات الآلاف قاموا بذلك. وحين جربت الأمر، وجدت الفرق لرؤيتي لها الآن وفي السابق، فالأحداث والتجارب والآراء والأفكار المتراكمة خلال السنوات الفائتة، تمنحنا منظاراً مختلفاً.
وكان يُدهشني عظم الأفكار التي قُدمت لنا من خلال تلك المسلسلات (مثل عدنان ولينا، الحوت الأبيض، صراع الجبابرة، النسر الذهبي) وبأن أكثر ما شاهدناه أطفالاً، لا تنتهي صلاحيّته بالتقادم، لا سيما المقتبس من روايات عالمية.
ولاحظت التنوع في سياق الإنتاجات اليابانية مكانياً رغم أنها وجهت بالأساس لليابانيين ثم ترجمت ودبلجت للغات عدة، ما أكسبها شهرة عالمية. كما ينقسم الأنمي لعدة أنواع استناداً إلى الفئة العُمرية المستهدَفة وطبيعة القصص أو عدد الحلقات، واليابان هي الأكثر شهرة وإنتاجاً وتحقيقاً للأرباح في هذا المجال على مستوى العالم.
وفي النسخ العربية، نكتشف مدى أسلمة الكثير من القصص، بشكل ينزع منها سمة الانفتاح على الثقافات الأخرى التي يمكنها الوصول للأطفال بسلاسة عبرها بل وتخلق مساحات من الحوار بينهم وعائلاته، كما يخلق تناقضاً بين بيئتها والواقع الذي يعيشه الطفل العربي.
ومن الممتع جداً الاستماع إلى لغة عربية رصينة بلا أخطاء نحوية، قد يتعلّم منها الأطفال الذين يشاهدونها، بمجرد الاستماع والتركيز.
نختار من هذه المسلسلات، خمس حكايات، عابرة للزمن، وصالحة لتشاهدها/يها مع أطفالك، أو أصدقائك من الأطفال، خصوصاً الفتيات.
وحين شاهدت هذه المسلسلات مؤخراً، شعرت أن ما قدمته لنا كأطفال وربما كنساء صغيرات تحديداً، أكبر مما وصل إلينا بالمفهوم السطحي، لكن يبدو أنه أسهم في تشكيل وعينا دون أن ندرك ذلك.
هل كنا نقلدهن من دون وعي؟ هل نحن نتاج هذه الواقعية المفرطة التي تجعل من شما التي تستبدل بغضها لشعرها بحب الطبيعة والخيال الخصب والقراءة النهمة؟ وتخلق من جودي الفتاة اليتيمة الشقية تلك الكاتبة الحكيمة والمرأة عزيزة النفس حتى في أبأس أوقاتها؟
فالفتيات في هذه القصص لسن مجرد رسومات جميلة وشقاوة ولعب مع أولاد الجيران أو قصص حب لكنها تحمل في طيّاتها أحلاماً نسويّة في الحرية والاستقلالية والسعي لتحقيق الذات والنضال من أجل الوصول إلى الأهداف، بالإضافة إلى الرغبة في صناعة القرار والتمرد على الجمود والنمطي في الحياة اليومية.
وربما الصفات الأبرز في هذه النماذج أنها كانت حقيقية، تقدّم نفسها كما هي، دون ادّعاد أو زيف أو تكلّف، بل بمنتهى الشفافية، كما تبدو متصالحة مع نفسها في عالم ينحو باتجاه رفض الذات وجلدها.
وربما الطريف الذي يقدم لنا حكمة في نفس الوقت، أن فكرة الشخص الشرير التي كانت في أذهاننا ليست نفسها الآن، والمسلسلات التالية منح لكل الأشرار والشريرات (في ذاكرتنا الطفلة) فرصة ثانية للتغيير وبأن الإنسان أكثر تعقيداً من فكرة "أبيض-أسود" فقط.
اسم المسلسل بالإنجليزية "Anne of Green Gables" وهو نفس اسم الرواية التي اقتُبس منه "آن في المرتفعات الخضراء"، للكاتبة الكندية لوسي مود مونتغمري وصدرت عام 1908، فيما أنتجت شركة يابانية المسلسل الكرتوني عام 1979.
ومكان الرواية هو كندا، فيما زمنها القرن التاسع عشر.
تظهر فيه شمّا الفتاة التي تتعرّف على نفسها، ما تحب وما تكره، ولا تخجل من التعبير عن هذه الذات، كما لا تخشى السؤال. نشأت في دار أيتام لا متسّع لخيالها في نهارات الدار، بسبب ضوضاء القاطنين فيها، لذا أحبّت الليل، ما قبل النوم والأحلام، لأنها تجد فيها نفسها التي تتمناها.
كانت تبغض شعرها الأحمر، والنمش الذي يغطّي وجهها، ونحافتها، وتعتقد أنها غير جميلة، وكان لديها أمل بأن يتغيّر لون شعرها حين تكبر، لكن ذلك تغيّر مع مرور الزمن، حين انتقلت للعيش مع عائلة مكونة من أخ وأختين أعزبين، وكان طلبهما الأساسي فتىً ليساعدهما في أعمال البيت والمزرعة، إذ كبرا في السن.
تدخل شمّا حياة الأخوين، تخرجهما من الجمود والسكون، وتجدد حياتهما بحديثها وأفكارها وحيويتها وامتنانها المتواصل للحياة التي تعيشها معهما، خصوصاً أنها في واحة غنّاء، قريبة من بحيرة وجدول ماء وغابة.
في بداية المسلسل تقول شمّا باكية لاعتقادها بأنها ستعود لملجأ الأيتام بسبب تفضيل منيرة (الأخت) الأولاد على البنات "الناس في القرى يطلبون أولاداً لاعتقادهم أنهم أكثر فائدة وينسون أن الفتيات يستطعن العمل كالأولاد".
في آخر حلقة تأتي كلمات شمّا تلخيصاً لحياتها ولواقعيتها "أرى أشياء كثيرة رائعة بانتظاري، عملاً يعطيني السعادة. أردت أن أصبح معلّمة والآن أصبحتُ معلمة (...) في كلّ طريق ستسلكين ستجدين شيئاً غير عاديّ في نُقطةٍ ما، لا يوجد طريق مستقيم، هناك التواءات في كل مكان، ولا تعرفين ما يوجد خلفها (...) الناس الذين لا يحلمون فقط آفاقهم ضيقة. من يستطيع أن يحلم ويبقي عينيه مفتوحتين للأشياء الجميلة التي يراها لا يمكنه أن يُصبح غير قَنوع".
اسمه بالإنجليزية "Mischievous Twins: The Tales of St. Clare's"، أنتج عام 1991، وهو مقتبس عن سلسلة كتب قوامها 9 أجزاء تحت عنوان "St. Clare's" للكاتبتين البريطانيتين باميلا كوكس وإينيد بلايتون، ونشرت خلال الحرب العالمية الثانية، بين عامي 1941 و1945.
ويسلّط المسلسل الضوء على حياة الفتيات في المدارس الثانوية الداخلية، ليس من خلال التوأمين فقط وهما باتريشيا وإيزابيل، بل من خلال صديقاتهما وطبيعة التدريس.
وقوام القصّة هو رفض التوأمين (14 عاماً) المتكرر وعدم تقبّل البقاء في مدرسة "فتيات الغد" التي انتقلا إليها بعد تفوقهما في مدرسة "رود رووف". واعتبرا المدرسة الجديدة لا تليق بفتاتين غنيتين ومتفوقتين مثلهما، إلا أن الأحداث والقصص والمغامرات التي يعشنها في الأخيرة تصقل من شخصيتهما وتجعلهما أكثر انفتاحاً على الواقع.
وفي نهاية المسلسل، يتم ترشيحهما لقراءة خطاب الخرّيجين من المدرسة، ويبدآنه بجملة رائعة وواقعية مفادها أنهما لا يعرفان ما هو حلمهما لكنهما سيعرفانه يوماً.
اسمه في الإنجليزية "Hello! Sandybell"، أنتج عام 1981.
نرى ساندي بل الطفلة والمراهقة والشابة الطموحة، في 47 حلقة تبدأ من قرية صغيرة في سكوتلندا ثم لندن في بريطانيا، وبعدها تذهب في مهمات إلى فرنسا واليونان وإيطاليا، حين تصبح مراسلة صحافية.
وطيلة مرحلة الطفولة تظن ساندي أن أمها متوفاة، وأنها تعيش مع أبيها، لتكتشف لاحقاً أن الرجل الذي ربّاها ليس أبوها إنما تبناها بعد حادثة غرق والديها، لكن وفاة والدتها لم تكن مؤكدة، لتقرر البحث عنها وأمل كبير يدفعها نحوها، وبالفعل تجدها.
المسلسل يروي الصداقة بين ساندي بل وأبناء القرية وبينها والكلب أوليفر، بالإضافة إلى قصة حب مع مارك الرسام، وحب أهل القرية لها، وإصرارها على تحقيق ما تريد، يتخلل كل ذلك مواقف طريفة أو خطرة، لكن ذلك لا يثنيها عن أهدافها.
أحداث هذا المسلسل في نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، تروي حياة طفلة يتيمة تعيش في ملجأ للأيتام اسمها "جودي أبوت"، لكنها تحصل على منحة لإتمام دراستها الثانوية من قبل رجل ثري لا تعرفه، لكنه اشترط مقابل ذلك أن تكتب له رسالة كل شهر حتى لو لم يرد عليها.
ولا تتعرف إلى ذلك الرجل شخصياً إلا في أواخر الحلقات من المسلسل، ولأنها لم تر سوى ظلّه الطويل، نعتته بـ"صاحب الظل الطويل".
ورسائل جودي أبوت كانت تنقلنا من عالم شقاوتها وصوت ضحكاتها وتقافزها إلى عالم امرأة أخرى، تعبّر عن نفسها بقوة، وثقة عارمة، ولغة رائعة، وتصبح كاتبة مميزة، وأولى قصصها التي تحظى بالتقدير كانت عن فتاة تسعى للحرية وتحقيق استقلاليتها.
وتميزت جودي أبوت بثقتها العالية بنفسها رغم أن العديد من الفتيات كن ينتقدن تلقائيتها أو طريقتها في ارتداء الملابس.
والمسلسل مقتبس عن رواية للكاتبة الأميركية جين ويبستر صدرت عام 1912 بعنوان "Daddy Long-legs"، وتم إنتاج المسلسل عام 1990.
يروي المسلسل رحلة فتاة صغيرة اسمها بيرين وأمها من الهند إلى فرنسا، بواسطة عرَبة. إنتاج عام 1978، وهو مقتبس عن رواية فرنسية اسمها "En Famille" للكاتب هيكتور مالوت صدرت عام 1893، وحين ترجمت للإنجليزية أخذت اسم ""The story of Perrine".
لماذا هذه الرحلة؟ تسعى بيرين وأمها للوصول إلى بيت جدها الفرنسي، إذ ولدت لأم هندية وأب فرنسي، لكن والدها يموت ويوصيهما بالذهاب لبيت عائلته في مسقط رأسه.
القصة تتخللها لحظات جميلة وأخرى صعبة جداً، خصوصاً أن العائلة فقيرة، كما تمرض الأم وحالتها الصعبة تتطلب دواءً ليس بالمقدور توفيره، لتقوم بيرين ببيع بعض الأغراض من أجل ذلك.
تموت والدتها في الطريق، ويتعيّن عليها السير حتى قرية والدها مسافة 150 كيلومتراً وحدها، وبالكاد تصل وتنجو من الجوع.
ما زلت أتذكر مشهد تمزق حذاء بيرين الوحيد، والطريقة التي صنعت فيها حذاء جديداً بنفسها. كما أتذكر طريقتها في تقسيم رغيف الخبز وكان كل ما لديها لتتقي الموت جوعاً.