الحرب بين القاعدة وداعش ليست فقط على الأرض في إحدى ساحات القتال في العراق أو سوريا و أفغانستان أو الصومال، بل في "الأناشيد الجهادية" أيضا.
مؤسسة "البشائر" التابعة لتنظيم القاعدة في اليمن أصدرت قبل أيام قليلة، "نشيدا" ساخرا من داعش بعنوان "يا دولة السفهاء"، في إشارة إلى "الخلافة" التي يعلنها تنظيم أبي بكر البغدادي منذ منتصف سنة 2014.
وصف النشيد (من دون موسيقى) تنظيم داعش بـ"عصابة الإجرام والإفساد" و"شرار الخلق" و"شراذم عصبة البغدادي".
ويُطلق تنظيم القاعدة على عدوه داعش وصف "الخوارج"، فيما يعتبر داعش مقاتلي القاعدة وقادتها "كفارا".
شريط مؤسسة "البشائر" الصوتي عاد إلى أهم النقاط الخلافية بين التنظيمين خلال السنوات الأخيرة. ووصف عناصر داعش بـ"الناكثين لكل عهد" في إشارة إلى انفصال تنظيمهم عن القاعدة عقب رفضها قرار البغدادي مد سلطته إلى سوريا وإعلان قيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام" نهاية سنة 2013.
ووقف تنظيم القاعدة حينها في صف زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني.
وفي اليمن، حيث مؤسسة البشائر مصدرة الشريط، تتواصل الحرب بين القاعدة وداعش منذ عام تقريبا. في الواقع، صاحب نشيد "يا دولة السفهاء" قد يكون أحد قتلى هذه الحرب.
فمع بداية نيسان/ أبريل الماضي، تناقلت حسابات مؤيدي القاعدة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع يمنية محلية، أخباراً غير مؤكدة عن مقتل أبو يوسف الوقاري خلال مواجهات بين التنظيمين في محافظة البيضاء وسط اليمن.
والوقاري، إذا صح خبر مقتله، هو ثالث "منشد" للقاعدة يقتل، بعد شوقي البعداني المعروف بـ"خولان الصنعاني"، الذي قتل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 إثر عملية قصف نفذتها طائرة من دون طيار أميركية.
وفي تموز/ يوليو 2015، فقدت القاعدة "منشدها" الثاني "أبو هاجر الحضرمي"، واسمه الحقيقي غالب باقعيطي (من مواليد 1986). وقتل هو الآخر في غارة جوية نفذتها طائرة أميركية من دون طيار استهدفت سيارة كان يستقلها في مدينة المكلا.
سلاح "الخوارج"
استعاد نشيد "يا دولة السفهاء" أدبيات تنظيم القاعدة في توصيف خصمه داعش. ووصف مقاتليه بعبارة "الخارجون المارقون عن الهدى... كالسهم عن قوس الرمية"، وهي عبارة مقتبسة بعناية من حديث منسوب للنبي محمد عن "الخوارج" يقول فيه: "يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية".
وخاطب النشيد عناصر داعش بالقول "هذا الخويصرة التميمي جدكم.. ما أشبه الأحفاد بالأجداد".
ويوصف ذو الخويصرة في الأدبيات الشيعية والسنية معا بأنه "رأس الخوارج"، وقد اعترض على قسمة النبي محمد لغنائم معركة حنين.

ومثلما توعد النبي محمد "الخوارج" بالقتل "قتل عاد"، كما يؤمن الشيعة والسنة، توعد نشيد القاعدة مقاتلي داعش بإبادة شبيهة بـ"إبادة عاد".
وقبل أشهر، وصف نشيد آخر عناصر "داعش" بأنهم "أحفاد حرقوص".
وحرقوص هذا هو حرقوص بن زهير البجلي. اصطف مع الخليفة الرابع علي بن أبي طالب في معركتي الجمل (ضد جيش عائشة) وصفين (ضد جيش معاوية) قبل أن ينفصل عنه إثر واقعة التحكيم الشهيرة. وقد قتل في معركة النهروان بين جيش علي و"الخوارج" الذين كان أحد قوادهم.
وتشير بعض الكتابات إلى أنه هو نفسه ذو الخويصرة التميمي الذي رفض قسمة النبي محمد عقب معركة حنين.
وفي هذا النشيد أيضا، توعدت القاعدة مقاتلي داعش بالقتل "ويلكم يا أحفاد حرقوص.. استئصالكم فرض لازم.. ما لكم منا غير قتل عاد".
حرب التكفير
سخر نشيد "يا دولة السفهاء" من منهج داعش في التكفير، مشبها إياه بالتكفير الذي تبناه "الخوارج" في العصر الأول من الإسلام: "اليوم منهجكم كنهج جدودكم... تكفير جمع الناس والأفراد"
ويتعرض تنظيم القاعدة للتكفير من قبل داعش، لكنه هو نفسه يُكفر حكومات الدول الإسلامية. وهو ما جعل علماء دين مسلمين، وحتى شخصيات جهادية أقل تشددا، تطلق عليه وصف "الخوارج" (نفس التوصيف الذي استخدمه ضد داعش).
يقول نشيد القاعدة "إن كان كل الناس كفارا.. فمن يبقى ليتولاهم البغدادي".
وفي بداية 2018، وصف كتاب بعنوان "الرد القاصف على شيوخ القاعدة الخوالف"، كتبه أحد مؤيدي داعش، زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بـ"المرتد". أما الأخير، فيصف عناصر داعش بـ"الخوارج" وبـ"جماعة إبراهيم البدري" (أبو بكر البغدادي).
وتصف مجلة "النبأ" مرارا مقاتلي القاعدة بالمرتدين.

وتكفر داعش أيضا مختلف الفصائل المرتبطة بالقاعدة أو المتحالفة معها، مثل حركة الشباب الصومالية وحركة طالبان.
وينسحب هذا الموقف على كل الفصائل المسلحة على الأراضي السورية، بما فيها الجهادية مثل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا).
ففي بداية سنة 2015، قال بيان بعنوان "حكم الفصائل التي تقاتل الدولة"، صادر عن "اللجنة المفوضة" في داعش (أعلى هيئة بعد "ديوان الخليفة"): "نبين للجميع أن موقف الدولة الإسلامية واضح في الحكم على هذه الفصائل، وهي أنها طوائف ارتدت". وأضاف البيان "هذا حكم صريح لا نرتاب فيه".
وفي منتصف سنة 2016، حذر بيان صار عن "المكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية" في داعش مقاتلي التنظيم من رفض تكفير الفصائل السورية. وهدد بإحالة كل رافض إلى "القضاء لاستتابته".