التزمت معظم الطرق الصوفیة الصمت حیال ثورة 25 ینایر، قبل أن ينزل مريدوها إلى الميادين في الأيام الأخيرة لنظام مبارك/ وكالة الصحافة الفرنسية
التزمت معظم الطرق الصوفیة الصمت حیال ثورة 25 ینایر، قبل أن ينزل مريدوها إلى الميادين في الأيام الأخيرة لنظام مبارك/ وكالة الصحافة الفرنسية

مع تصاعد موجة التطرف والإرهاب في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، اتجهت دول عربية وإسلامية عدة إلى دعم فكر التصوف في مواجهة التشدد الديني.

والتصوف هي حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد والروحانية، قبل أن تتطور إلى طرق متعددة معروفة باسم الطرق الصوفية.

لكن المد الصوفي أخذ بالتراجع على نحو كبير خلال القرون الأخيرة عقب اصطدامه برجال، سلفيين أساسا، قادوا هجوما عنيفا على هذا الفكر الديني. بلغ هذا الهجوم ذروته في القرن الثامن عشر مع ظهور الحركة الوهابية بلاد نجد والححاز التي اعتبرت الصوفية "جماعة قبورية شركية".

لكن الآونة الأخيرة شهدت سعي العديد من الدول الإسلامية مثل مصر والجزائر والإمارات والسودان وتونس والمغرب والسنغال إلى تشجيع حركات التصوف، ضمن استراتيجية واسعة للتصدي للتطرف واحتواء الإرهاب.

شباب نحو الصوفية

في الخامس من فبراير 2019، قال السفير عبد الله النعيمي، وهو المندوب الدائم لدولة الإمارات في منظمة اليونسكو، إن كثيرا من الشباب (في دول الخليج والمنطقة) "يتجهون نحو الصوفية"، كرد فعل على المادية والعنف في العلاقات الدينية.

وفي سياق حديثه عن تجربة التسامح الديني في منطقة الخليج في ضوء الزيارة البابا فرانسيس إلى أبو ظبي، قال النعيمي إن المذهب الصوفي كان هو السائد في المنطقة قبل ظهور الحركة الوهابية، التي قال إنها "قضت على بعض مظاهر التصوف"، ولم يخف أيضا الإشارة إلى أنها (الوهابية) سبب في التطرف الذي شهدته المنطقة.

وقبل سنوات، دعا "مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية" التابع لدار الإفتاء المصرية إلى نشر التصوف، قائلا إن لديه "إمكانات كبيرة" في المعركة ضد الإرهاب والتطرف والدفاع "عن صحيح الدين وصورته".

قانون الذكر

يقول عارف الدوش، وهو صحافي يمني متخصص في التصوف لموقع (ارفع صوتك)، إن "الصوفية أهل صفاء ومحبة، فهم لا يفرقون بين خلق الله، وقانونهم الجامع لكل خلق الله هو الحب".

ويضيف: "يركز منهج الصوفية على قانون الذكر سواء في العبادات أو الأذكار التي يهندسها شيوخ الطرق الصوفية.. وبالذكر، تتم تزكية النفوس وتنقيتها من الشوائب.. فالخلق والأخلاق والتسامي والتسامح وقبول الآخر من أساسيات منهجهم في التربية".

ويعتقد عارف الدوش أن انتشار التصوف وتشجيعه في دول كالمغرب والجزائر وتونس ودول أخرى في أفريقيا وآسيا مثلا جعلها آمنة من التطرف والإرهاب والعنف باعتبار أن التصوف يمثل تيارا معتدلا في الاسلام.

لكن التصوف أيضا يتهم بالوقوف إلى جانب الأنظمة في دول المنطقة وحتى تبرير استبدادها أحيانا.

يقول أحمد الكميتي، وهو محلل وباحث يمني، إن العلاقة بين الصوفية والأنظمة العربية تقوم على أساس منفعي بحت.

"تعمل الأنظمة على دعم المؤسسة الصوفية بحكم تواجدها الاجتماعي الواسع وما لها من تأثير على المجتمع وتسكينه، وتلجأ إليها في ازماتها لتحشيد الشارع وإسناد النظام السياسي، وتحصين رئاسة النظام وحمايته من الجماعات المتطرفة"، يقول الباحث اليمني.

ويؤكد الكميتي لموقع (ارفع صوتك) "الأمثلة بارزة في مصر وليبيا والسودان وسوريا والجزائر والمغرب على استخدام الصوفية كداعم للسلطات في مواجهة الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة والحيلولة دون وصولها للسلطة السياسية".

وفي نهاية العام الماضي، فاز رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية بمصر عبد الهادي القصبي برئاسة ائتلاف "دعم مصر" داخل مجلس النواب وهو ائتلاف الأغلبية المقرب من الرئيس عبد الفتاح السيسي. وجاء فوز القصبي بالتزكية.

واعتبرت الطرق الصوفية نفسها، بهذا الفوز، مؤهلة لتمثيل التيار الإسلامي في الميدان السياسي، بما في ذلك مؤسسات الدولة.

وفي وقت سابق قال عبد الهادي القصبى إن الطرق الصوفية تقف حجر عثرة أمام قوى التطرف والإرهاب في المنطقة العربية والإسلامية.

لكن عمرو عبد المنعم، وهو باحث مصري في شؤون الحركات الإسلامية، يرى أن الاعتماد على التصوف وحده "لن يحسم التطرف والإرهاب والعنف بشكل نهائي".

وحسب عبد المنعم، يكمن الح في إيجاد مشروع فكري ديني ثقافي اقتصادي مستنير ومتكامل تتبناه الدول بمختلف مؤسساتها.

الفيلسوف التونسي المتخصص في الفلسفات الدينية أبو يعرب المرزوقي، يرى هو الآخر أن نجاح دول مثل المغرب في التصدي للتطرف لا يرجع بالضرورة إلى تشجيع فكر التصوف، بل إلى أن المغرب أعطى "الحقوق والحريات لشعبه للمشاركة في الحياة السياسية".

عداء متوراث

تمثل الطرق الصوفية من وجهة نظر التيارات السلفية والأصولية جماعات منحرفة تقول بـ"الحلول ووحدة الوجود".

لذلك، دائما ما تتعرض الأضرحة والقباب والمزارات الدينية لكبار مشايخ الصوفية في مختلف الدول العربية للتدمير من قبل عناصر متشددة.

ويعتبر تنظيما داعش والقاعدة من أكثر الفصائل المتشددة التي تعادي وتحارب الفكر الصوفي، وصولا إلى استهدفها بهجمات إرهابية خلفت مئات قتلى والجرحى في مصر والصومال وباكستان واليمن.

وتستند هذه الجماعات في عدائها للصوفية إلى تنظيرات وفتاوى رجال دين ومفكرين قدماء ومعاصرين، مثل أبرزهم ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب.

يقول محمد العريفي، وهو رجل دين سعودي بارز، في كتاب من أكثر 1600 صفحة بعنوان "موقف ابن تيمية من الصوفية" إن "الصوفية ابتغوا الهداية في غير الكتاب والسنة لذا ضلوا وأن تقديسهم للأشخاص كان السبب الرئيس في الوقوع في كثير من الضلالات والشركيات والبدع"

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المياه الملوثة تقتل ملايين البشر كل عام (جانب من درنة التي ضربتها فيضانات)
المياه الملوثة تقتل ملايين البشر كل عام (جانب من جهودا الإنقاذ في مدينة درنة)

يتعرض الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المتضررة من الفيضانات الهائلة إلى عدد من المخاطر الصحية التي قد تهدد حياتهم، لاسيما الفئات الضعيفة منهم، كالرضع والطاعنين بالسن، أو الذين يعانون بالأساس من أمراض مزمنة.

وقد أدت كارثة  درنة، شرقي ليبيا، (التي تعرضت إلى فيضانات هائلة تسببت في تدمير سدين مهمين فيها وبالتالي إزالة أكثر من ربع المدينة عن الوجود ووفاة آلاف الأشخاص)، إلى تسليط الضوء على المخاطر الصحية الناجمة عن المأساة.

وكان الطبيب بمنظمة الصحة العالمية، أسامة عبد الشافي، قد أوضح لموقع "الحرة" في وقت سابق، أن استخدام واستهلاك المياه الملوثة "قد يؤدي إلى الموت".

ولفت إلى أن ذلك "يفسر سبب وفاة ملايين الأشخاص بسبب الأمراض المنقولة بالمياه كل عام"، بحسب ما ترصده منظمة الصحة العالمية.

وأضاف أنه "يمكن تصنيف المياه الملوثة إلى فئتين، وفقا لسبب التلوث: الميكروبات والمواد الكيميائية"، لافتا إلى أنه "غالبا ما تسبب الميكروبات (البكتيريا والطفيليات) تأثيرات فورية على البشر".

وأوضح أن الوضع في ليبيا بعد الكارثة المأساوية يعتبر "شديد الخطورة" فيما يتعلق بالمياه الملوثة، والتي من المتوقع أن تكون مصادر تلوثها الأساسية هي النفايات البشرية والحيوانية ومياه الصرف، التي اختلطت بالمياه الجوفية ومياه الشرب بعد الإعصار.

ما هي أبرز هذه الأمراض؟

ومن أكثر الأمراض انتشارا بسبب المياه الملوثة، كما تقول أخصائية طب الأسرة، الدكتورة نسرين حماد، لموقع "الحرة"، هو داء السالمونيلا الناجم عن عدوى تسببها بكتيريا السالمونيلا.

وتوضح حماد أن الأعراض الشائعة لهذا المرض تشمل الإسهال (غالباً يكون شديدا وقد يحتوي على دم)، والقيء، وآلام في البطن، لافتة إلى أن المصاب يشعر أيضًا بالحمى والصداع والإنهاك في عضلات الجسد.

وأشارت إلى أن "علاج داء السالمونيلا عادةً يتضمن الراحة وتعويض السوائل التي فقدها المريض جراء الإسهال والقيء، وأنه قد يتم وصف مضادات الإسهال إذا لزم الأمر".

ونبهت إلى أنه في حالات العدوى الشديدة أو الدامية، قد يستدعي الأمر العلاج بالمضادات الحيوية، مشددة على ضرورة  استشارة الطبيب قبل تناول أي دواء لتأكيد التشخيص، ووصف الداواء الناجع مع الجرعات المناسبة.

وكذلك من الأمراض التي قد تنجم عن المياه الملوثة، بحسب الطبيب عبد الشافي، "التهاب الكبد A" وهو مرض شديد العدوى.

وعن الأعراض الشائعة لذلك المرض تشرح، حماد: "تتمثل في الحمى والإرهاق والصداع والألم في البطن وفقدان الشهية، كما يمكن أن يلاحظ المصاب أيضًا تغير لون البول إلى اللون الداكن واصفرار الجلد والعينين (اليرقان)".

وتابعت: "المريض قد يشعر أيضا بأعراض أخرى، مثل الغثيان والقيء والإسهال"

ونبهت إلى أن "معظم حالات التهاب الكبد A تختفي دون علاج خاص، بيد أنه من المهم الراحة وتجنب تناول الكحول والأدوية التي تضر الكبد، كما يُوصى بتناول وجبات صحية وتناول كمية كافية من السوائل لتجنب الجفاف".

وأضافت: "يمكن أن تحتاج بعض الحالات إلى علاج الأعراض فقط، مثل تسكين الألم ووقف الغثيان، كما أنه  توجد أيضًا لقاحات للوقاية من التهاب الكبد A التي يوصى بها في مناطق الانتشار الواسع".

داء "تشفير"

ومن الأمراض الأخرى التي قد تنجم عن المياه الملوثة، داء خفيّات الأبواغ (الكريبتوسبوريديوسيس)، المعروف أيضا باسم "تشفير"، وهو عدوى تستهدف الأمعاء.

ويصاب المرضى بالعدوى عن طريق تناول المياه أو المواد الغذائية الملوَّثة، أوعبر الاحتكاك والتواصل اتصال مع الأشخاص أو الحيوانات المصابة بالعدوى.

وأوضحت حماد، أن أعراض ذلك المرض "قد تبدأ بتشجنات مؤلمة في البطن والإصابة بإسهال مائي، مصحوبًا بالغثيان والتقيّؤ والحمى، بالإضافة إلى الإحساس بالوهن في بعض الأحيان". 

ويتم تشخيص المرض عن طريق فحص أو تحليل عيِّنة من البراز، للتأكد من وجود الطفيليات المسببة له.

وأكدت أخصائية طب الأسرة أن "الأشخاص الذين لديهم بنية صحية جيدة يتعافون على الأغلب من تلقاء نفسهم، بينما يحتاج المرضى الذين لديهم جهاز مناعي ضعيف، للعلاج بالأدوية تحت إشراف الطبيب".

وأشارت أيضا إلى ضرورة "غلي الماء قبل شربه في مناطق الكوارث، لمنع الإصابة بالعديد من الأمراض الناجمة عن تلوث المياه بشكل عام".

وقد ينجم عن انتشار واستخدام المياه غير النظيفة، حمى التيفوئيد، وهي عدوى بكتيرية تهدد الحياة وتتميز بتقرح معوي حاد وعدوى، وفق عبد الشافي.

وتظهر أعراض حمى التيفوئيد عادة خلال 1-3 أسابيع بعد التعرض للعدوى، وتتضمن  ارتفاعا في درجة الحرارة، سواء بشكل مستمر أو متقطع، وصداع قوي، وآلام في العضلات والمفاصل، وفقدان الشهية وفقدان الوزن، وتعب في عضلات الجسم، وطفح جلدي.

ويمكن علاج حمى التيفوئيد، بحسب حماد، عن طريق استخدام المضادات الحيوية المناسبة، التي يقررها الطبيب المعالج بناءً على حالة المريض، بالإضافة ضرورة التزام الراحة والحصول على التغذية الجيدة وشرب السوائل بكميات مناسبة. 

وللوقاية من حمى التيفوئيد، ينصح باتباع نصائح السلامة الصحية العامة، مثل تناول الأطعمة المطهوة جيدًا، وشرب المياه النظيفة، والاهتمام بالنظافة الشخصية ونظافة المطبخ والمنزل بشكل عام.

وداء الكوليرا يعتبر من الأمراض الخطيرة الناجمة عن المياه أو الأطعمة الملوثة،  ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة إذا لم يتم علاجه بشكل صحيح أو في الوقت المناسب.

وأبرز أعراض ذلك المرض، إسهال مائي غزير، يمكن أن يؤدي إلى فقدان حاد للسوائل والأملاح، بالإضافة إلى شنجات في البطن وآلام معوية.

ومن الأعراض كذلك، غثيان وقيء مستمر، والإحساس بعطش شديد، وإجهاد قوي، وفقدان سريع للوزن. 

وعند تشخيص حالة الكوليرا، يتم علاجها بالإسراع بإعطاء محاليل الإمهاء الفموي.

أمّا المرضى الذين يعانون من جفاف شديد فهم معرضون، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، إلى خطر الإصابة بالصدمة، وباالتالي يجب الإسراع في حقنهم بالسوائل عن طريق الوريد.

كما يُعطى هؤلاء المرضى المضادات الحيوية المناسبة لتقليل مدة الإسهال، والحد من كمية المأخوذ من سوائل الإماهة اللازمة، وتقصير مدة إفراز ضمات الكوليرا في البراز وفترة بقائها.  

ولا يُوصى بإعطاء المضادات الحيوية بكميات كبيرة، إذ ليس لها تأثير مُثبت على مكافحة انتشار الكوليرا، وقد تسهم في زيادة مقاومتها لمضادات الميكروبات.

وبالإضافة إلى العلاج، ينبغي اتخاذ إجراءات للوقاية من عدوى الكوليرا، مثل تناول المياه النظيفة والطعام المطبوخ جيدًا، كما أوضحت حماد.

"التلوث الكيمائي"

على صعيد آخر، أوضح عبد الشافي أن "مياه الشرب الملوثة بالمواد الكيميائية، مثل ميثيل ثالثي بوتيل إيثر (MTBE) والمذيبات المكلورة، تزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان، عندما يستهلك الشخص المياه من هذه المصادر".

واستكمل: "المياه الملوثة قد تؤدي إلى التسمم بالرصاص الذي يهدد الحياة، لأنه يمكن أن يدخل الرصاص إلى مياه الشرب من خلال الأنابيب القديمة واللحامات، أو من خلال تصريف المواد الكيميائية السامة في شبكات المياه".

ولفت إلى أنه يمكن للمواد الكيميائية التي تتسرب من المنشآت الصناعية والزراعية، (خاصة المعادن الثقيلة مثل الزرنيخ والرصاص والزئبق) أن تتراكم في أعضائنا الداخلية مع مرور الوقت.

وأشار عبد الشافي إلى أنه "بعد الأعاصير والفيضانات، عادة ما يحدث تلوث المياه عندما تتسرب مسببات الأمراض، مثل النيتروجين والفوسفور، من المناطق الحضرية والسكنية والزراعية إلى المياه السطحية والجوفية والساحلية".

وقال إنه يمكن أيضا أن تتلوث مياه الشرب "من خلال تسرب المواد الكيميائية والمعادن الثقيلة من المصانع".

وحذر الطبيب من خطورة إهمال وضع المياه في ليبيا، مؤكدا: "يجب تضافر الجهود العالمية لمساعدة ليبيا تحديدا في مسألة معالجة المياه، وتوفير بدائل آمنة بأقصى سرعة، حتى لا تنتشر الأمراض والأوبئة التي قد ينتج عنها المزيد من الضحايا والوفيات".