ينذر تصاعد حدة الخلافات بين الحكومة اليمنية وحلفائها المحليين والإقليميين في الحرب ضد المتمردين الحوثيين بعودة نشاط الجماعات الإرهابية مجددا جنوبي البلاد بعدما شهد تراجعا ملحوظا خلال العامين الماضيين.
وفي يوم الجمعة الماضي، قتل ستة مسلحين من قوات الحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي المطالب بانفصال جنوبي اليمن وأصيب آخرون بهجوم إرهابي في مدينة عدن، تبناه تنظيم داعش حسبما ذكرت وكالة رويترز.
وفي عملية منفصلة، نجا قائد قوات الحزام الأمني في عدن وضاح عمر من انفجار عبوة ناسفة استهدفت موكبه وسط المدينة الساحلية على بحر العرب. وأدى الهجوم إلى إصابة خمسة من مرافقيه.
وشهدت مدينة عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة خلال الفترة الأخيرة زيادة في وتيرة العنف، وسط انقسامات عميقة داخل معسكر التحالف الذي تقوده السعودية لدعم حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في مواجهة المتمردين الحوثيين الموالين لإيران.
وبلغت الانقسامات ذروتها خلال الأسبوعين الماضيين باندلاع معارك شرسة بين قوات الحكومة اليمنية وتشكيلات مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا.
وقادت المعارك في العاشر من أغسطس إلى سيطرة الانفصاليين الجنوبيين على مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية عاصمة مؤقتة للبلاد منذ سيطرة المتمردين الحوثيين على العاصمة صنعاء قبل أربع سنوات.
تبادل التهم
ويخشى مراقبون محليون ودوليون من استغلال تنظيمي داعش والقاعدة هذا الصراع لتصدر المشهد من جديد في جنوبي اليمن، بعد تراجع نشاطهما بشكل لافت خلال السنوات الماضية تحت ضربات حملة عسكرية ضخمة قادتها قوات يمنية وسعودية وإماراتية.
يرى عبد الباري طاهر، وهو محلل سياسي يمني، أن "الحرب القائمة هي أم الكوارث كلها. الحرب هي ذروة الإرهاب، هي نفسها الارهاب، دمرت اليمن".
ويضيف في حديث مع موقع (ارفع صوتك): "تنظيم القاعدة أو أنصار الشريعة أو داعش كلها مفردة من مفردات الاقتتال. وكلها تزدهر وتنتعش في مستنقع الحرب".
ومطلع أغسطس قتل 19 جنديا يمنيا، في هجوم شنه مسلحون من تنظيم القاعدة على معسكر شمالي محافظة أبين الجنوبية.
وسيطر التنظيم الإرهابي على معسكر المحفد لساعات قليلة قبل أن تتمكن قوات تابعة للحزام الأمني من استعادته بعد مواجهات ضارية.
ويتبادل المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحكومة الشرعية في اليمن الاتهامات باستخدام تنظيمي القاعدة وداعش في الصراع بين الطرفين، في وقت ذكّرت وزارة الدفاع الأميركية حلفاءها بالتزامهم محاربة الجماعات المتشددة.
القاعدة تدخل على الخط
أصدر تنظيم القاعدة بيانا حادا انتقد فيه دعوات الانفصال في الجنوب.
وهاجمت القاعدة جميع أطراف الصراع، بما فيها الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس هادي والسعودية، لكن هجومها الأشد كان على الإمارات والمجلس الانتقالي، واصفة الأحداث الأخيرة في اليمن بـ"المؤامرة".
ومنذ بدء الصراع، قبل أسبوعين، اتهمت الحكومة اليمنية الإمارات العربية المتحدة بدعم الانفصاليين الجنوبيين الذين بدورهم يتهمون الحكومة بأن لها صلات مع إسلاميين متطرفين وهو ما تنفيه الأخيرة.
ويومي الأربعاء والخميس الماضيين قتل وأصيب العشرات من أفراد وضباط قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بغارات جوية تبنتها الإمارات في محافظتي عدن وأبين جنوبي اليمن.
والخميس الماضي طالب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي السعودية بالتدخل لوقف الدعم الإماراتي للانفصاليين الجنوبيين على خلفية هذه الغارات، كما طلب من حكومته اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمواجهة ما وصفه "بالاستهداف الإماراتي السافر"، ضد بلاده.
وأقرت الحكومة الإماراتية، وهي شريك رئيس للسعودية في الحرب ضد الحوثيين في اليمن، بالغارات المنسوبة لمقاتلاتها الحربية.
وقالت إنها نفذت ضربات "دقيقة ومباشرة" يوم الخميس على ما وصفتها "بالمليشيات الإرهابية" التي قالت إنها هاجمت قوات التحالف التي تقاتل عند مطار عدن.
ضربات موجعة
تلقى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ومقره في اليمن، خلال الأعوام الأخيرة ضربات موجعة، في أعقاب سلسلة حملات عسكرية قادتها قوات يمنية بدعم إقليمي ودولي من السعودية والإمارات والولايات المتحدة، لطرد عناصر التنظيم الإرهابي من مدن ومحافظات جنوبي وشرقي البلاد.
وكان نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن، الذي ظل يوصف بأنه الفرع الدولي الأخطر للقاعدة، تصاعد على نحو لافت في العام 2015، من خلال سيطرته على مساحات واسعة جنوبي اليمن، مستغلا الفراغ الأمني والسياسي، وانشغال الحكومة وحلفائها الإقليميين بالحرب مع الحوثيين شمالي البلاد.
لكن مقتل زعيم التنظيم في اليمن، ناصر الوحيشي، بغارة جوية نفذتها طائرة أميركية دون طيار في حضرموت منتصف يونيو 2015، كانت أقوى ضربة يتلقاها التنظيم الذي أخذ نفوذه بالانحسار نسبيا لصالح تنظيم "داعش".
وبدأ ظهور "داعش" يبرز في اليمن عام 2014، حين أعلن زعيمه أبو بكر البغدادي بأن مقاتلين في اليمن بايعوه على "السمع والطاعة" قبل أن تنظم إليه لاحقا كثير من العناصر الإرهابية المنشقة عن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
ومنذ أواخر العام 2015، تبنى "داعش" معظم الهجمات الإرهابية التي طالت مقرات حكومية وقيادات مدنية وعسكرية وأمنية رفيعة في مدينة عدن ومحافظات جنوبي اليمن.
وتحت ضغط الحملات العسكرية الواسعة التي قادتها الحكومة اليمنية، والضربات الجوية التي شنتها قوات التحالف خلال الأعوام الأخيرة، أجبرت عناصر تنظيمي القاعدة وداعش على الانسحاب من عدة بلدات ومدن رئيسة جنوبي وشرقي البلاد والتواري في مناطق جبلية وريفية نائية في محافظات أبين وشبوة والبيضاء وحضرموت ومأرب.
وتتواجد خلايا للتنظيمات الإرهابية بدرجات أقل في محافظات لحج وعدن وتعز جنوبي غرب البلاد.