خلافا لما هو متعارف عليه عالميا مع حلول كل عام دراسي جديد بالتحاق مزيد من الأطفال الذين بلغوا سن الدراسة بالمدارس، يتزايد عدد الأطفال الذين يتسربون منها وخاصة الفتيات في البلدان العربية المضطربة.
وفقا لتقرير صدر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في 29 آب/ أغسطس الماضي وصل عدد هؤلاء الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 9.3 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما، وتمثل الفتيات أكثر من نصف العدد.
تقرير سابق لذات المنظمة صدر في 2015 أوضح أن معدل استبعاد الفتيات من المدارس هو ضعف الفتيان بنسبة 35% مقارنة بـ 16.4% للفتيان.
ومطلع يوليو الماضي ذكرت اليونسكو أن هناك 132 مليون فتاة حول العالم غير ملتحقات بالمدارس، مشيرة إلى أن 1% من الفتيات اللواتي ينتمين إلى المجتمعات الأكثر فقرا يتممن تعليمهن الثانوي.
وتتزايد أعدادهن في البلدان التي تعصف بها الحروب والنزاعات الداخلية.

العراق
"أود أن أتعلم.. أريد أن أستمر في الدراسة وأن أصبح معلمة، ولكن لا أعرف إن كانوا سيسمحون لي بذلك"، تقول فتاة عراقية (13 عاما) لمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية.
وتشير إلى أن سلطات التربية والتعليم العراقية أجبرتها على التوقف عن الدراسة بينما كانت في الصف السادس الأساسي لعدم امتلاكها وثائق ثبوتية.
ووفقا لوالدة الفتاة التي تحدثت للمنظمة ذاتها فإنها لا تملك شهادة وفاة لوالدها الذي توفي بعد انضمامه لداعش، وبالتالي لا يمكنها الحصول على وثائق ثبوت صالحة لابنتها.
بحاجة للوثائق
منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، أثرت الحروب والعقوبات والنزاع الطائفي سلبا على النظام التعليمي في العراق، الذي كان رائدا في تكافؤ الفرص التعليمية والمساواة بين الجنسين في الحصول على التعليم.
ازداد الأمر سوءاً حالياً، فالأطفال الذين يعيشون في المناطق التي خضعت لسيطرة داعش في الفترة 2014-2017 يفتقرون للوثائق المدنية التي تطلبها الحكومة للتسجيل في المدارس، ويصعب حصولهم عليها.
وفي 28 آب/ اغسطس الماضي، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن الحكومة العراقية تحرم آلاف الأطفال الذين يُشتبه بانتماء أهاليهم إلى تنظيم داعش من حقهم في الحصول على التعليم.

وفي إحصائية لليونيسيف فإن نحو 1.185 مليون طفل عراقي خارج المدارس، أي بنسبة 20% من إجمالي عدد الاطفال بسن الدراسة، ومعظم هؤلاء من الفتيات اللواتي تتناقص أعدادهن بشكل ملحوظ خاصة في المرحلة الثانوية.
وأشارت دراسة صدرت قبل سبع سنوات إلى أن 75% من الفتيات اللواتي يشكلن 44.7% من تلاميذ المرحلة الابتدائية في العراق ينسحبن قبل الذهاب للتعليم الثانوي.
أما الآن وقد شهدت أجزاء من البلاد سيطرة داعش وتحريرها منه قبل عامين، فيتوقع ارتفاع النسبة.
اليمن
لا يبدو الأمر مختلفا كثيراً في اليمن، إذ تسببت الحروب والنزاعات في حرمان عدد كبير من الأطفال، ومعظمهم من الفتيات أيضا، من التعليم.
تشير اليونيسيف إلى أن نحو 31% من فتيات اليمن خارج المدارس، وأن استمرار النزاعات ستجعلهن أكثر عرضة لفقدان التعليم.
أم أمجد عبد الله، سيدة يمنية في العقد الخامس، تؤكد أن تسربها من التعليم في سن مبكرة، ساهم بشكل غير مباشر في التحاق نجلها أمجد (22 عاماً) بجماعة أنصار الشريعة الذراع المحلي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وقتل أمجد بهجوم نفذته مقاتلات التحالف العربي على تجمع لعناصر القاعدة في محافظة أبين جنوبي البلاد في آذار/مارس 2016، بعد نحو عام من التحاقه بالتنظيم الإرهابي.
تقول والدته بنبرة متحسرة لموقع (ارفع صوتك) "لو استكملت تعليمي وتوظفت كنت سأمنع ابني من الالتحاق بالقاعدة.. كان هدفنا توفير لقمة العيش".
سوريا.. مستقبل مسلوب
تشير تقارير اليونيسيف إلى أن أكثر من 2 مليون طفل سوري خارج المدارس، كما ويوجد 1.3 مليون طفل معرضون لخطر التسرب معظمهم من الفتيات أيضاً.
وبحسب تقرير أممي بعنوان "مستقبل مسلوب: يافعون لكنهم خارج المدرسة" في 2018 احتلت سوريا المرتبة 12 بين 37 دولة مضطربة في نسبة طلاب المرحلة الثانوية الذين هم خارج المدارس بنسبة 55%، وجاءت اليمن في المرتبة 21 بنسبة 42%، فيما جاءت العراق في المرتبة 28 بنسبة 38%.
واحتلت النيجر المركز الأول بنسبة 76%، تلتها جمهورية جنوب أفريقيا بنسبة 67%، ثم جنوب السودان، الدولة الأحدث استقلالا في العالم، بنسبة 65%.
ووفقا لمنظمة اليونيسيف؛ فإن النزاعات في سوريا واليمن والعراق حالت دون التحاق قرابة 3 ملايين طفل بالتعليم.
مسألة كرامة إنسانية
وقللت المديرة التنفيذية لليونيسف هنريتا فور من جدوى عودة هؤلاء الأطفال إلى المدارس مع تعاقب السنين.
وقالت "على المدى الطويل يظلون وتظل البلدان التي يعيشون فيها يواجهون حلقات إدامة الفقر".
وأوضحت أن البديل لعدم تمكين الأطفال وخاصة الفتيات من التعليم "شديد القتامة، وليس بوسعنا تحمل نتيجة الفشل".

أما المدير العام لليونسكو أودري أزولاي، فقد صرح في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، إن "تعليم الفتيات هو المحرك الأقوى للتحول العالمي، وإنه حق أساسي ومسألة كرامة إنسانية".
وتشدد الأمم المتحدة على الترابط بين التعليم للفتيات والصحة "والدور الذي يمكن أن يلعبه التعليم في مكافحة العنف الجنسي، والزواج القسري للأطفال، والحمل غير المرغوب فيه، والأعراف والتوقعات الاجتماعية التقليدية".
وتسعى المنظمة الدولية لتحقيق الالتزام بتوفير 12 سنة من التعليم الجيد المجاني لجميع الفتيات والفتيان عام 2030.
لا يمكننا الاستمرار
في تقريره "الفرص الضائعة: التكلفة العالية لحرمان الفتيات من التعليم"، أكد البنك الدولي، بأن محدودية فرص التعليم للفتيات وحرمانهن من إنهاء المراحل التعليمية كاملة تكلف العالم نحو 30 تريليون دولار سنوياً على مستوى الإنتاج والدخل على مدى الحياة.
وذكر أن حصول كل فتاة في العالم على 12 عاما من التعليم الجيد، يزيد مكاسب النساء من 15 تريليون دولار إلى 30 تريليون دولار سنوياً.
واستثمر البنك الدولي منذ عام 2016 ما يزيد على 3.2 مليار دولار في مشاريع التعليم لصالح المراهقات.
وقالت رئيسة البنك الدولي كريستينا غورغييفا إن "عدم المساواة بين الجنسين يمنع التقدم العالمي، لا يمكننا الاستمرار في ذلك".