تحتل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مستويات متدنية في مؤشر الديمقراطية على مستوى العالم الذي تصدره وحدة "إيكونوميست إنتيليجنس" التابعة لمجلة "إيكونوميست" البريطانية.
في مؤشر عامي 2018 و2017 حصلت المنطقة على الرقم 3.54 وهو أضعف أرقام الأقاليم الجغرافية الواردة في التقرير، وجاءت على رأسه منطقة أمريكا الشمالية بمعدل 8.56.
يظهر الرسم البياني في هذه التغريدة، المنطقة العربية في ذيل القائمة حسب الأقاليم:
3) By region, @TheEIU%27s democracy index shows gains for sub-Saharan Africa and Asia, while Europe and the Americas have registered reversals.More here https://t.co/aLWc5hqGiJ pic.twitter.com/hyatxWkFV1
— Dan O%27Brien (@danobrien20) September 12, 2019
ويغلب على دول المنطقة طابع الشمولية والسلطوية، بواقع 14 من أصل 20 دولة.
ومن بين 30 دولة حول العالم في قائمة الديمقراطيات الكاملة لم تأت أي دولة عربية، بينما حلت تونس في المركز 63 عالميا والأول عربياً، في قائمة الديمقراطيات غير الكاملة، ثاني قوائم التصنيف، وهي الوحيدة عربياً التي حلّت في المراتب الـ99 الأولى.
واحتلت سوريا المركز قبل الأخير عالمياً بين 165 دولة، وقبلها عربياً جاءت السعودية (159 عالمياً)، واليمن (158 عالمياً)، وأتت الكويت على رأس الدول الخليجية في المركز 116، بينما حلت مصر في المركز 127.
ويعرف الرئيس الأميركي الأسبق إبراهام لينكولن الديمقراطية بأنها "حكم الشعب، يديرها الشعب، وتخدم الشعب".
وتعتمد الأمم المتحدة 15 أيلول/ سبتمبر يوماً دولياً للديمقراطية بهدف استعراض حالة الديمقراطية في العالم.
وتقول الأمم المتحدة إن القيم المتعلقة بالحرية واحترام حقوق الإنسان ومبدأ تنظيم انتخابات دورية نزيهة بالاقتراع العام تشكل عناصر ضرورية للديمقراطية. والديمقراطية توفر بدورها تلك البيئة الطبيعية اللازمة لحماية حقوق الإنسان وإعمالها على نحو يتسم بالكفاءة.
وتنص المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن "إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجرى على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع، أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت".
تسألني عن الديمقراطية؟
يقر الباحث السوري محمد زرزور، بنتائج المؤشر العالمي، قائلاً "لا توجد ديمقراطية في سوريا وإن وجدت فهي صورية، ووسيلة للوصول إلى السلطة، فالنظام السوري والنخب السورية لا يؤمنون بالديمقراطية أبداً".
إذن كيف ترى هذا الأمر؟ يقول زرزور لـ "ارفع صوتك": "رأيي غير مهم، فما يحدث أكبر من الديمقراطية ذاتها".
وأضاف مستهجناً "تسألني عن الديمقراطية ونحن نُقصَف ونُقتَل بموافقة كل من يدّعي الديمقراطية؟".
في ذات السياق، قال الباحث السياسي المصري رامي شفيق إن "الواقع لا يمكن إنكاره، فثمة توافق بين النخب المصرية والسلطات المتعاقبة بانتفاء الإيمان بالممارسة الحقيقية للديمقراطية في مصر".
وأضاف شفيق لـ"ارفع صوتك" أنه "من الصعب العثور على مفهوم جامع للديمقراطية كما عرفتها التجارب الغربية، في أدبيات الأحزاب المصرية أو ممارسات السلطة في مصر، بالإضافة إلى تحدي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ما يجعل التطبيق أصعب".
وقال "كما أن ثمة خصومة بين تنظيمات الإسلام السياسي ومفهوم الديمقراطية في كل السرديّات الخاصة بهم وتجاربهم في الحكم إبان ثورة يناير في مصر".
دولة "مريضة بالفساد"
ومن العراق يقول المحلل الاجتماعي والأستاذ في جامعة الموصل د. قصي رياض: "على مستوى الدولة يوجد سلطات وانتخابات لكن على مستوى الأفراد فربما يوجد تقييد أو بعضه في طرح الآراء والأفكار".
وهناك "إيمان مرحلي بالديمقراطية يشوبه بعض الخوف" وفق تعبيره.
وقال د. رياض: "نحن شعب نعيش فوضى عارمة على مستوى التنمية والتعليم وما زال الفساد ينخر في جسد الدولة... نظرياً نحن دولة لها سيادة وعملياً نحن دولة مريضة بالفساد".
من جهته، يقول المحلل السياسي ونقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق عبدالباري طاهر، إن المنطقة العربية "تشهد قمعاً شاملاً للحياة بما في ذلك مصادرة الديمقراطية".
وذكر طاهر أسباباً عدة لانعدام الديمقراطية في المنطقة، وهي: انتصار الاستبداد والطغيان والانقلابات العسكرية والخضوع للقوة العسكرية الطاغية فضلا عن الاستعمار الحديث والقديم.
وأضاف لـ"ارفع صوتك": "هناك تناقض حاد بين التغيرات الواقعة بين الشباب العربي في معرفة حقوقه ومطالبه، خاصة مطلب الحياة الكريمة، وبين بنية النظام العربي، الذي يعاني من الهشاشة بشكل يجعله عاجزا عن التفاعل الإيجابي مع هذا الجيل".
وقال طاهر إن الغلبة العسكرية "غيبت الحريات العامة تماماً وقمعت حرية الرأي والتعبير والديمقراطية وحرية التظاهر واستقلال الإعلام وحقوق المرأة والأقليات والفصل بين السلطات والحرية الحزبية، بالإضافة إلى الثروة النفطية الهائلة في بعض البلدان التي أثرت سلباً على طبيعة الأنظمة فيها".
ووصف ما تمر به المنطقة منذ عام 2011 وحتى الآن بـ"التحشيد لمواجهة الربيع العربي الذي كان يهدف إلى بناء دول مدنية ديمقراطية حديثة".
وقال طاهر إن "الحروب التي تقودها الرجعيات العربية والمال العربي بالتحالف مع الاستعمار دمر البلدان العربية".
ولكنّ المنطقة العربية "في حاجة أكثر من أي وقت مضى لديمقراطية حقيقية، لأن الحكم بإقصاء الآخرين لن يدوم طويلاً، إلا أنه إعاقة لروح الحياة وروح الحرية والتقدم" كما قال طاهر.
"التطرف الإسلامي"
وفق المحلل السياسي عبدالباري طاهر، فإن "التطرف الإسلامي هو سبب رئيس لغياب الديمقراطية في المنطقة".
كما شكلت القوى الإسلامية "عائقا أمام التحول الديمقراطي وكانت معادية للحريات العامة والحداثة والانفتاح على العصر، من خلال توظيف الدين واستخدامه في السياسة والحكم داخل المنطقة العربية، الشيء الذي لعب دوراً خطيراً جداً" حسبما قال طاهر.
وتطلق الجماعات الإسلامية المتطرفة على الديمقراطية وصف "صنم العصر"، مكنةً لها العداء الشديد.
وتستند هذه الجماعات إلى تنظيرات مفكرين معاصرين، مثل المصري سيد قطب، الذي رفض الاعتراف بأية إمكانية للتوافق بين الديمقراطية والإسلام، والسبب في أن "الحكم إلا لله".
في المقابل، انخرطت جماعات إسلامية عديدة في السلطات الحاكمة، باعتبار أن العملية الديمقراطية أحد أساليب "التداول السلمي للسلطة".
ورغم التباينات والخلافات العميقة بين جماعات الإسلام السياسي السنية والشيعية، إلا أن كثيرا منها يجتمع في رفضه للديمقراطية.
في خطاب متلفز نهاية آب/أغسطس 2018، أكد زعيم جماعة الحوثيين في اليمن عبد الملك الحوثي أن "ولاية أمر المسلمين ليست خاضعة للانتخابات".
وقال الحوثي الموالي لطهران "لو تركت المسألة إلى الاختيار البشري لكانت خاطئة جدا".
واستشهد بمجتمع مكة في صدر الإسلام، قائلاً إن "الأغلبية كانت إلى جانب أبي جهل وأبي سفيان ومكذبة بالرسول (محمد). لو قيل للناس انتخبوا، لاتجهوا إلى انتخاب أبي جهل أو أبي سفيان وكفروا برسول الله!".