رغم اعتذاره عن فعل قام به قبل 18 عاماً، وتوسّله المغفرة من شعبه، مبدياً الندم عليه، إلا أن خصوم رئيس الحكومة الكندية جاستين ترودو، استغلّوا الصور المتتالية له بـ"الوجه الأسود"، ليقع في ورطة سياسية.
ترودو ليس الأول فعلياً، لقد سبقه مشاهير بالعشرات، بكامل وعيهم، في برامج تلفزيونية أو أفلام أو حفلات عامة وخاصة، وقعوا في نفس الورطة طيلة السنوات الماضية.
وفي العالم العربي، أثارت المغنيّة اللبنانية ميريام فارس ضجة بأغنيتها "قومي"، أواخر العام الماضي، إذ صبغت نفسها بالأسود، متشبهة بالأفريقيات.
لكن فارس لم تعتذر أو تعلّق على الأمر.
كليب ميريام فارس الجديد متل ما بيقولوا التوانسة "لا look و لا سلوك"كلمات تافهة قومي ارقصي، فرجينا جمالك، حنّة ما حنّة...😒 بعدين شو قصة ادغال افريقيا و ليش داهنة حالها اسود هيك؟؟ ما حدا خبّرها انو هيدي اسما cultural appropriation و انو ما حدا بيعمل ماكياج blackface بقى😒 جحشة pic.twitter.com/jfSe74PkTi
— ᕍ⁅ṈᾀᏲ 🎃🍁🍂 (@Anima_Oblita) January 7, 2019
وتبعتها الممثلة والمذيعة في قناة "ام بي سي" شيماء سيف، منتصف العام الجاري، التي ارتدت الوجه الأسود متشبهة بالسودانيّات، ما أثار موجة سخط نحوها في مواقع التواصل.
وسيف لم تعتذر عن دورها، معتبرة أنه غير مسيء، ومثله مثل أي دور تنكري يقوم به الممثل، وفي رسالتها للسودانيين قالت "ما تزعلوش، إنتو فهمتوني غلط".
Sometimes you ask yourself,no one in the production,filming,marketing team , mentioned that the #blackface is freaking racist and wt she is doing isn’t funny, it’s freaking racist, not even one sane person said that,it’s not a joke it can’t be aired ?? #شيماء_سيف pic.twitter.com/iBOfeuFcwd
— lana (@lanaadil) May 10, 2019
تاريخ الوجه الأسود
وفق المتحف الوطني لتاريخ وثقافة الأفارقة الأميركيين، بدأ الأمر من العروض المسرحية الكوميدية التي تدعى "المينستريلية" نسبة لمبتكرها عام 1830، بأول شخصية سوداء أدّاها بنفسه، اسمها "جيم كرو".
وعرفت الشخصية بأغنية "اقفز يا جيم كرو"، ترافقها رقصة ساخرة من الأفارقة، وفيما بعد ارتبط الاسم "جيم كرو" بتحقير السود الأميركيين، ثم كانت القوانين العنصرية بحق السود وعرفت "بقوانين جيم كرو" التي مهدت لمنع السود من المشاركة في الانتخابات جنوب البلاد.
وفي العروض المسرحية، يتم تقليد ومحاكاة الأفارقة المستعبدين في مزارع الجنوب الأميركي، وتصدير صور نمطية لهم، تُظهرهم كُسالى وجهلة ومؤمنين بالخرافات وهمهم منصّب على ممارسة الجنس، تتم سرقتهم بسهولة، وجبناء.
وبحلول عام 1845، كانت هذه العروض حازت على شعبية كبيرة بين جمهور البيض، لتنبثق عنها صناعة فرعية للترفيه تتضمن موسيقى وصحف وماكياج وأزياء، وقوالب من صور نمطية تستنسخ منها العروض.
وكان هؤلاء الممثلون يستخدمون طلاء الأحذية عادة، لصبغ وجوههم.
وحسب مؤرخين، فإن الشخصيات المسرحية كانت منتشرة على نطاق واسع لدرجة أن بعض الفنانين السود اضطروا لارتداء الوجوه السوداء، لأنها كانت الطريقة الوحيدة للعمل.
وفي وقت كانت العروض مضحكة للجماهير البيضاء، فإنها مؤلمة ومهينة للأميركيين الأفارقة، لأنها عززت مفاهيم تفوّق ذوي البشرة البيضاء.
"الأبيض لتأكيد بياضه"
وبالعودة أكثر لجذور طلاء الوجه بالأسود، قبل حتى أميركا، ترجّح أستاذة الدراسات والمسرحيات الأميركية الأفريقية بجامعة ييل، دافني بروكس، ارتباطها بعروض المسرحيات وأشهرها "عطيل" لويليام شكسبير في مدن أوروبية، وهو ما جلبه المهاجرون الأوروبيون بعد الهجرة للعالم الجديد، حيث كانوا يؤدونها في الموانئ البحرية على طول الشمال الشرقي.
وذكر أحد المصادر التاريخية، أن "معظم الممثلين الذين شاركوا في العروض كانوا أيرلنديين من الطبقة العاملة من الشمال الشرقي، والذين دهنوا وجوههم بالأسود لينأوا بأنفسهم عن وضعهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الأدنى في الولايات المتحدة، من أجل تأكيد بياضهم، كأنهم يقولون: يمكننا أن نصبح الآخر ونسخر من الآخر ونؤكد تفوقنا من خلال تجريده من إنسانيته".
وفي القرن العشرين، كان أكثر الممثلين نفوذا في استخدام الوجه الأسود آل جونسون، وهو مهاجر يهودي ليتواني جاء إلى نيويورك عندما كان طفلاً، وأشهر أعماله فيلم "مغنّي الجاز"، وأنتج عام 1927.
في السنوات التالية، بدأت شعبوية "الوجه الأسود" بالانخفاض بسبب حركة الحقوق المدنية، لكن هذا لم يوقف سيل الأفكار النمطية السلبية عن الأميركيين الأفارقة والسخرية من البشرة الداكنة.
ومن الشخصيات الشهيرة التي أحدثت ضجة بطلاء وجهها بالأسود، مقدما البرامج التلفزيونية الأميركيين جيمي كيميل، وجيمي فالون، وحاكمة ولاية ألاباما كاي آيفي، والمغنية الأسترالية سيا، ونجمة تلفزيون الواقع كيم كاردشيان، وعارضة الأزياء جيجي حديد، والمغني الريفي جاسون الدين، وغيرهم، تجدونهم في الصور ضمن هذا المقال، أغلبهم قدم اعتذاره، ومنهم من قدم استقالته، مثل وزير خارجية ولاية فلوريدا مايكل إيرتل.
21 celebrities and politicians who have been criticized for wearing blackface https://t.co/FePBiwuDsT
— Insider (@thisisinsider) September 19, 2019
تقول الصحافية الأميركية كيندال تراميل في مقال نُشر على موقع "سي ان ان": "لا يهم لون البشرة الذي تحاول تصويره، أسود أو أصفر أو بنيّ، إن أي وجه ترتديه وهو ليس لك، يعتبر عنصرياً". مشيرةً إن الأمر لا يزال يتكرر ليس فقط في الولايات المتحدة بل خارجها في دول أخرى في العالم، رغم كل مرة يُثار الجدل.
لكن، هل يمكن محاسبة أو محاكمة شخص من خارج أميركا وثقافتها وتاريخها على ارتكاب فعل يعد وفق الأميركيين "عنصرياً"؟
في العام الماضي، أثارت ممثلة صينية ضجة كبيرة في مواقع التواصل الصينية، واتهمها النشطاء بالعنصرية، بسبب طلاء نفسها بالبني الغامق لتمثيل دور امرأة أفريقية، خلال مسرحية عرضت على التلفزيون الصيني الرسمي.
وكان رد الخارجية الصينية على ذلك "من العبث محاولة إثارة ضجة حول البرنامج، وإذا كان هناك من يرغبون في تصيّد هذه الواقعة لتهويل الأمور وزرع بذور الشقاق في علاقات الصين مع الدول الأفريقية، فذاك جهد عبثي لا محالة".
Yesterday, China State-owned CCTC aired a racist tv show watched by 800m Chinese in which Kenyan ladies working at the SGR are blackened & given outsized buttocks .... There is global outrage ... Am waiting for our new Minister for Foreign Affairs to Summon Chinese Ambassador. pic.twitter.com/sGLmnPzD9v
— Donald B Kipkorir (@DonaldBKipkorir) February 16, 2018
ربما يحتاج الأمر لمقال آخر، حول عولمة المفاهيم والمصطلحات، جنباً إلى جنب مع الظواهر والرموز العابرة للدول والقارّات، لكن مبدئياً أستعين بعبارة من مقال لمجلة "الأسبوع" الأميركية في هذا الشأن، وهي "السؤال المهم ليس (هل أقصد الإساءة؟) بل (هل أسبب الضرر؟)"، تعقيباً على الاعتذار المتكرر من قبل مشاهير طلوا وجوههم أو أجسادهم بالأسود، بقولهم إنهم لم يقصدوا الإساءة.
فعلياً، الضرر موجود، سواء كان مرئياً معلناً عنه أو غير معلن عنه، أكان في المجالس والدردشات اليومية أو في البوح والنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبدا مثالاً على ذلك، إعلان جمهور كبير من السودانيين استياءه بعد برنامج الفنانة المصرية شيماء سيف "شقلباظ"، الذي أعاد الصخب لقضية صور السوداني النمطية في السينما المصرية، باعتبارها لا تمثلهم.