بيلي فان، الكوميدي المونولوجي، 1900/ المصدر: مكتبة الكونغرس
بيلي فان، الكوميدي المونولوجي، 1900/ المصدر: مكتبة الكونغرس

رغم اعتذاره عن فعل قام به قبل 18 عاماً، وتوسّله المغفرة من شعبه، مبدياً الندم عليه، إلا أن خصوم رئيس الحكومة الكندية جاستين ترودو، استغلّوا الصور المتتالية له بـ"الوجه الأسود"، ليقع في ورطة سياسية.

ترودو ليس الأول فعلياً، لقد سبقه مشاهير بالعشرات، بكامل وعيهم، في برامج تلفزيونية أو أفلام أو حفلات عامة وخاصة، وقعوا في نفس الورطة طيلة السنوات الماضية.

وفي العالم العربي، أثارت المغنيّة اللبنانية ميريام فارس ضجة بأغنيتها "قومي"، أواخر العام الماضي، إذ صبغت نفسها بالأسود، متشبهة بالأفريقيات.

لكن فارس لم تعتذر أو تعلّق على الأمر.

وتبعتها الممثلة والمذيعة في قناة "ام بي سي" شيماء سيف، منتصف العام الجاري، التي ارتدت الوجه الأسود متشبهة بالسودانيّات، ما أثار موجة سخط نحوها في مواقع التواصل. 

وسيف لم تعتذر عن دورها، معتبرة أنه غير مسيء، ومثله مثل أي دور تنكري يقوم به الممثل، وفي رسالتها للسودانيين قالت "ما تزعلوش، إنتو فهمتوني غلط".

تاريخ الوجه الأسود

وفق المتحف الوطني لتاريخ وثقافة الأفارقة الأميركيين، بدأ الأمر من العروض المسرحية الكوميدية التي تدعى "المينستريلية" نسبة لمبتكرها عام 1830، بأول شخصية سوداء أدّاها بنفسه، اسمها "جيم كرو".

وعرفت الشخصية بأغنية "اقفز يا جيم كرو"، ترافقها رقصة ساخرة من الأفارقة، وفيما بعد ارتبط الاسم "جيم كرو" بتحقير السود الأميركيين، ثم كانت القوانين العنصرية بحق السود وعرفت "بقوانين جيم كرو" التي مهدت لمنع السود من المشاركة في الانتخابات جنوب البلاد.

شخصية جيم كرو/ المصدر : المتحف الوطني لتاريخ وثقافة الأفارقة الأميركيين

وفي العروض المسرحية، يتم تقليد ومحاكاة الأفارقة المستعبدين في مزارع الجنوب الأميركي، وتصدير صور نمطية لهم، تُظهرهم كُسالى وجهلة ومؤمنين بالخرافات وهمهم منصّب على ممارسة الجنس، تتم سرقتهم بسهولة، وجبناء.

وبحلول عام 1845، كانت هذه العروض حازت على شعبية كبيرة بين جمهور البيض، لتنبثق عنها صناعة فرعية للترفيه تتضمن موسيقى وصحف وماكياج وأزياء، وقوالب من صور نمطية تستنسخ منها العروض. 

وكان هؤلاء الممثلون يستخدمون طلاء الأحذية عادة، لصبغ وجوههم. 

وحسب مؤرخين، فإن الشخصيات المسرحية كانت منتشرة على نطاق واسع لدرجة أن بعض الفنانين السود اضطروا لارتداء الوجوه السوداء، لأنها كانت الطريقة الوحيدة  للعمل.

وفي وقت كانت العروض مضحكة للجماهير البيضاء، فإنها مؤلمة ومهينة للأميركيين الأفارقة، لأنها عززت مفاهيم تفوّق ذوي البشرة البيضاء.

المصدر: المتحف الوطني لتاريخ وثقافة الأفارقة الأميركيين

 

المصدر: أرشيف الصور في مكتبة الكونغرس

 

"الأبيض لتأكيد بياضه"

وبالعودة أكثر لجذور طلاء الوجه بالأسود، قبل حتى أميركا، ترجّح أستاذة الدراسات والمسرحيات الأميركية الأفريقية بجامعة ييل، دافني بروكس، ارتباطها بعروض المسرحيات وأشهرها "عطيل" لويليام شكسبير في مدن أوروبية، وهو ما جلبه المهاجرون الأوروبيون بعد الهجرة للعالم الجديد، حيث كانوا يؤدونها في الموانئ البحرية على طول الشمال الشرقي.

وذكر أحد المصادر التاريخية، أن "معظم الممثلين الذين شاركوا في العروض كانوا أيرلنديين من الطبقة العاملة من الشمال الشرقي، والذين دهنوا وجوههم بالأسود لينأوا بأنفسهم عن وضعهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الأدنى في الولايات المتحدة، من أجل تأكيد بياضهم، كأنهم يقولون: يمكننا أن نصبح الآخر ونسخر من الآخر ونؤكد تفوقنا من خلال تجريده من إنسانيته".

وفي القرن العشرين، كان أكثر الممثلين نفوذا في استخدام الوجه الأسود آل جونسون، وهو مهاجر يهودي ليتواني جاء إلى نيويورك عندما كان طفلاً، وأشهر أعماله فيلم "مغنّي الجاز"، وأنتج عام 1927.

مصدر الصورة: IMDb

في السنوات التالية، بدأت شعبوية "الوجه الأسود" بالانخفاض بسبب حركة الحقوق المدنية، لكن هذا لم يوقف سيل الأفكار النمطية السلبية عن الأميركيين الأفارقة والسخرية من البشرة الداكنة. 

ومن الشخصيات الشهيرة التي أحدثت ضجة بطلاء وجهها بالأسود، مقدما البرامج التلفزيونية الأميركيين جيمي كيميل، وجيمي فالون، وحاكمة ولاية ألاباما كاي آيفي، والمغنية الأسترالية سيا، ونجمة تلفزيون الواقع كيم كاردشيان، وعارضة الأزياء جيجي حديد، والمغني الريفي جاسون الدين، وغيرهم، تجدونهم في الصور ضمن هذا المقال، أغلبهم قدم اعتذاره، ومنهم من قدم استقالته، مثل وزير خارجية ولاية فلوريدا مايكل إيرتل.

تقول الصحافية الأميركية كيندال تراميل في مقال نُشر على موقع "سي ان ان": "لا يهم لون البشرة الذي تحاول تصويره، أسود أو أصفر أو بنيّ، إن أي وجه ترتديه وهو ليس لك، يعتبر عنصرياً". مشيرةً إن الأمر لا يزال يتكرر ليس فقط في الولايات المتحدة بل خارجها في دول أخرى في العالم، رغم كل مرة يُثار الجدل. 

لكن، هل يمكن محاسبة أو محاكمة شخص من خارج أميركا وثقافتها وتاريخها على ارتكاب فعل يعد وفق الأميركيين "عنصرياً"؟

في العام الماضي، أثارت ممثلة صينية ضجة كبيرة في مواقع التواصل الصينية، واتهمها النشطاء بالعنصرية، بسبب طلاء نفسها بالبني الغامق لتمثيل دور امرأة أفريقية، خلال مسرحية عرضت على التلفزيون الصيني الرسمي.

وكان رد الخارجية الصينية على ذلك "من العبث محاولة إثارة ضجة حول البرنامج، وإذا كان هناك من يرغبون في تصيّد هذه الواقعة لتهويل الأمور وزرع بذور الشقاق في علاقات الصين مع الدول الأفريقية، فذاك جهد عبثي لا محالة".

 

 

ربما يحتاج الأمر لمقال آخر، حول عولمة المفاهيم والمصطلحات، جنباً إلى جنب مع الظواهر والرموز العابرة للدول والقارّات، لكن مبدئياً أستعين بعبارة من مقال لمجلة "الأسبوع" الأميركية في هذا الشأن، وهي "السؤال المهم ليس (هل أقصد الإساءة؟) بل (هل أسبب الضرر؟)"، تعقيباً على الاعتذار المتكرر من قبل مشاهير طلوا وجوههم أو أجسادهم بالأسود، بقولهم إنهم لم يقصدوا الإساءة.

فعلياً، الضرر موجود، سواء كان مرئياً معلناً عنه أو غير معلن عنه، أكان في المجالس والدردشات اليومية أو في البوح والنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبدا مثالاً على ذلك، إعلان جمهور كبير من السودانيين استياءه بعد برنامج الفنانة المصرية شيماء سيف "شقلباظ"، الذي أعاد الصخب لقضية صور السوداني النمطية في السينما المصرية، باعتبارها لا تمثلهم.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(
العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(

فرضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، عقوبات على شبكة لبنانية تتهمها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل جماعة حزب الله اللبنانية.

وذكرت وزارة الأميركية في بيان على موقعها الإلكتروني أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 3 أفراد و5 شركات وسفينتين متورطين في تهريب النفط والغاز البترولي المسال لتوليد الإيرادات لحزب الله.

وأوضح البيان أن الشبكة، التي تتألف من رجال أعمال وشركات لبنانية ويشرف عليها أحد كبار قادة فريق تمويل حزب الله، سهلت شحن عشرات شحنات الغاز البترولي المسال إلى حكومة سوريا، ووجهت الأرباح إلى حزب الله.

وأشارت إلى أن العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز البترولي المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله، وتدعم الأنشطة الإرهابية للمجموعة.

وقال وكيل وزارة الخزانة بالوكالة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي سميث: "يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتأجيج الاضطراب الإقليمي، ويختار إعطاء الأولوية لتمويل العنف على رعاية الأشخاص الذين يدعي أنه يهتم بهم، بما في ذلك عشرات الآلاف من النازحين في جنوب لبنان".

وأضاف: "وستواصل وزارة الخزانة تعطيل شبكات تهريب النفط وغيرها من شبكات التمويل التي تدعم آلة الحرب التابعة لحزب الله".

وصنفت وزارة الخارجية الأميركية حزب الله جماعة إرهابية في 31 أكتوبر 2001.

وذكرت وزارة الخزانة في بيانها أنها اتخذت إجراءات متسقة لاستهداف الأفراد المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات تمويل حزب الله التي توفر عائدات بالغة الأهمية للمنظمة.

ووفقا للبيان، من بين المسؤولين البارزين في حزب الله المشاركين في هذه الجهود محمد قصير، ومحمد قاسم البزال، اللذين يديران قناة لنقل غاز البترول المسال ومشتقات النفط الأخرى نيابة عن حزب الله ويتلقيان مدفوعات مباشرة مقابل بيعها.

وفي 15 مايو 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قصير لعمله لصالح حزب الله أو نيابة عنه كقناة أساسية للصرف المالي من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.

وفي 20 نوفمبر 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية البزال، أحد شركاء قصير، لدعمه لحزب الله.

كما اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية سلسلة من الإجراءات التي تستهدف عمليات تهريب النفط لحزب الله، بما في ذلك إجراء في 31 يناير 2024 استهدف شبكة حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي التي حققت إيرادات بمئات الملايين من الدولارات من خلال بيع السلع الإيرانية بما في ذلك النفط، ومعظمها للحكومة السورية.

وأوضح البيان أن الشبكة التي تم تصنيفها اليوم تشمل مسؤولًا آخر رفيع المستوى في فريق تمويل حزب الله، ورجلي أعمال لبنانيين يوفران واجهة مشروعة على ما يبدو لتسهيل جهود حزب الله في تهريب النفط. وسهلت هذه الشبكة عشرات شحنات غاز البترول المسال إلى حكومة سوريا، بالعمل مع المسؤول في النظام السوري ياسر إبراهيم، الذي أدرجته وزارة الخارجية في 20 أغسطس 2020 لدوره في صفقات تجارية فاسدة استفاد منها الرئيس السوري الأسد.

وأشار البيان إلى أنه اعتبارًا من أواخر عام 2023، تولى المسؤول في حزب الله، محمد إبراهيم حبيب السيد، مسؤولية بعض الأعمال التجارية لحزب الله من البزال. وسافر السيد سابقًا مع البزال إلى جنوب شرق آسيا لتنسيق صفقات النفط المحتملة في المنطقة لفريق تمويل حزب الله. كما عمل كمحاور بين البزال ورجل الأعمال اللبناني علي نايف زغيب بشأن مشروع نفطي في موقع مصفاة في الزهراني بلبنان.

ووفقا لبيان الوزارة، فمنذ أواخر عام 2019 على الأقل، قدم زغيب، الخبير في كيمياء البترول، المشورة والمساعدة لفريق التمويل التابع لحزب الله خلف الكواليس، والتقى مع القصير والبزال لتنسيق أنشطتهم. وبصفته عضوًا في شبكة تهريب النفط التابعة لحزب الله، أمّن زغيب خزانات لتخزين، ربما النفط، نيابة عن حزب الله.

وأكد البيان أن القصير والبزال باعتبارهما من كبار مسؤولي حزب الله، حققا ربحًا من صفقات الغاز البترولي المسال مع زغيب الذي التقى بنائب لبناني واحد على الأقل تابع لحزب الله لمناقشة تمويل مشاريع النفط التابعة لحزب الله. كما نسق الزغيب مع ممول حزب الله، محمد إبراهيم بزي، بشأن المفاوضات التجارية. وفي 17 مايو 2018، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بزي لدعمه حزب الله.

كما يشارك رجل الأعمال اللبناني بطرس جورج عبيد في صفقات الطاقة لحزب الله، ويملك بشكل مشترك العديد من الشركات مع زغيب، بحسب البيان.

ولذلك لفت البيان أنه تم إدراج السيد وزغيب وعبيد لمساعدتهم ماديًا أو رعايتهم أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لحزب الله أو لدعمه.

كما أدرجت وزارة الخزانة الشركة الأوروبية اللبنانية للتجارة الدولية التي يمثلها البزال وكانت مسؤولة عن عشرات شحنات غاز البترول المسال، التي قامت بها نقالات غاز البترول المسال "ألفا" و"مارينا" إلى ميناء بانياس في سوريا لصالح شركة "حقول"، والتي تم تصنيفها في 4 سبتمبر 2019 لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة البزال.

وأوضحت الوزارة أن البزال استخدم شركة "إليت" لتغطية نفقات التشغيل لشركتي تشغيل السفن "ألفا، ومارينا"، وبناء على ذلك، تم إدراج كل من "إليت" و"ألفا" و"مارينا" كممتلكات لحزب الله مصلحة فيها.