لاقى اليمني هلال علي الحاج، حتفه غرقاً في المحيط الأطلسي، وهو يحاول الهجرة إلى إسبانيا عبر قارب متجهاً من المملكة المغربية، في أيلول/ سبتمبر 2018.
وكان الحاج بطلاً أولمبياً في رياضة "الكونغ فو"، إذ نال ميدالتين ذهبيتين في بطولتي غرب آسيا والوطن العربي، كما نال ميدالية برونزية كانت الأولى لليمن في بطولة "ألعاب التضامن الإسلامي" في أّربيجان، عام 2017.
وكل ما كنت تتمناه وانت على قيد الحياة لم تجده الا بعد ما رحلت ، حتى وطنك الذي كنت تريد منه مجرد تكريم لانك تعمل المستحيل لرفع علمه عالياً خانك ولم يذكرك الا وانت في التابوت ،وكثرت لأجلك دموع الحزن وانت الذي كنت تريدها دموع فرح ،رحم الله الشهيد البطل #هلال_الحاج #عالم_منافق pic.twitter.com/rMDB44X25G
— جمال جميل (@Jamaljamel5050) September 27, 2019
وكان الحاج قرر الهجرة، بعد عودته من البطولة الأخيرة، إذ لم يحصل على التكريم الذي يتوقعه من السلطات اليمنية، كما لم يتلق مستحقات مالية لتكاليف سفره، ما أثر بشكل سلبي عليه وعائلته.
وقال شقيقه سعيد، إن ما دفع أخاه للمخاطرة والهجرة "تجاهل السلطات المعنية لمعاناته. حيث لم يجد أي اهتمام أو دعم سواء مادي أو معنوي".
وأضاف أن حكومة اليمن المعترف بها دولياً ممثلة بوزارة الشباب والرياضة والسفارة اليمنية في القاهرة "رفضت منح أخيه جواز سفر دبلوماسي يتمكن من خلاله السفر إلى أوروبا للاحتراف هناك".
من جانب آخر، يصف اليمني أسامة مصطفى (34 عاما)، لـ "ارفع صوتك" شعوره بالسعادة الكبيرة بعد الهجرة لألمانيا وحصوله على الإقامة الدائمة فيها.
وغادر اليمن في نيسان/ أبريل 2015، بعد تصاعد وتيرة النزاع الدامي المستمر للآن. يقول "هاجرتُ بحثاً عن حياة أفضل لعائلتي (زوجة وطفلان) والحصول على جواز سفر بلد آخر"، مشيراً إلى عمله في العاصمة صنعاء لصالح شركات محلية ومنظمات دولية، بدخل شهري محدود، وخدمات صحية وتعليمية "مترديّة".
ويحمل أسامة شهادة جامعية في تقنية المعلومات، ودبلوم هندسة برمجيات، ويحمل حاليا في مكان إقامته مع شركة برمجيات خاصة.
اللوتري الأميركي
من بين 23 مليون شخص من مختلف أنحاء العالم، تقدم نحو 4 مليون عربي لبرنامج هجرة التنوع الأميركي المعروف (اللوتري) للهجرة إلى الولايات المتحدة خلال عام 2018.
وحسب تقرير مكتب الشؤون القنصلية الأميركية بلغ عدد المتقدمين من مصر للبرنامج نحو مليون و274.751 شخص، و504.312 من السودان، و342.857 من الجزائر و 293.708 من المغرب، و264.519 من اليمن.
وبلغ عدد المتقدمين من العراق 145.710 ألف شخص، و95.068 من الأردن، و93.060 من السعودية، و80.166 من سوريا، و49.868 من ليبيا.
وارتبطت الهجرة بعوامل مختلفة من ضمنها الحرب والبطالة والفوارق الكبيرة والمستمرة في الأجور وضعف أو انعدام القدرة على استيعاب أصحاب الكفاءات، وانعدام التوازن في النظام التعليمي وظروف أخرى.
وحتى عام 2016، كان هناك قرابة 28 مليون مهاجر عربي، قرابة 75% منهم نخبة متعلمة من حملة الشهادات، حسب بيانات البنك الدولي ومنظمة اليونسكو.
وتشير دراسات لجامعة الدول العربية ومنظمة اليونسكو والبنك الدولي، أن العالم العربي يسهم في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية، وأن 50% من الأطباء، و23% من المهندسين، و15% من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وكندا، ما يفرز تبعات سلبية على مستقبل التنمية العربية.
وتتركز هجرة العقول العربية إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، وتقدر كلفتها على الدول العربية بحوالي ملياري دولار سنوياً، حسب تقارير متداولة.
وقال البنك الدولي إن الهجرة العالمية انتشلت الملايين من الناس من براثن الفقر وعززت النمو الاقتصادي "إلا أن بلدان المقصد تخاطر بفقدان قدرتها على المنافسة عالمياً على المواهب وترك فجوات كبيرة في أسواق العمل بعدم تنفيذ سياسات تتعامل مع قوى سوق العمل وعدم إدارة التوترات الاقتصادية قصيرة المدى".
وكثيرا ما تتضاعف أجور المهاجرين ثلاث مرات في البلد جديد، ما يساعد ملايين المهاجرين وأقاربهم في بلدانهم الأصلية على مجابهة الفقر، حسب البنك الدولي.
"شعب النخبة"
"دفعتنا الحرب في سوريا إلى الهجرة، أعمل حالياً مترجمة للاجئين، وزوجي يعمل في مجال تخصصه طبيب جراحة عظام"، تقول ربى كوري، التي هاجرت مع أسرتها (4 أفراد) للعيش في كرواتيا قبل سبع سنوات.
وتشعر كوري، بـ"حنين جامح إلى أهلها في سوريا" قائلة لـ "ارفع صوتك"، إنها "بانتظار انتهاء الحرب بفارغ الصبر" إّ تنوي العودة لسوريا في حال استقرت الأوضاع.
وترى أن "الكثير من المهاجرين العرب فشلوا في التأقلم مع واقعهم الجديد".
ويصف الباحث والإعلامي العراقي باسل محمد، المهاجرين بـ"شعب النخبة" ذلك لأننا لو أحصينا هؤلاء المهاجرين لوجدنا أنهم بحجم شعب كامل قد يشكل دولة لوحده.
ويعزو محمد، هجرة النخب المتعلمة إلى غياب المشاريع الوطنية والعلمية والقومية في البلدان العربية، وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، واستبداد الأنظمة العربية وسوء إدارة الدولة.
في نفس الوقت، يرى محمد أن النخب العربية في الخارج "أخطأت" لأنها "لم تطور أساليب المعارضة في الداخل العربي، ولم تعمل على بناء ما يسمى نظام الجدوى في الوعي السياسي، ولم تنشئ أي حركة أو مشاريع علمية عربية في الخارج".
وقال لـ"ارفع صوتك" إن هذه النخب "بدأت تعمل مع المنظومة السياسية الفاسدة والفاشلة في العالم العربي وتحت أجندتها".
تحسن الأوضاع؟
يقول الدكتور فالح الزبيدي، وهو باحث اقتصادي وأكاديمي في الجامعة المستنصرية في بغداد، إن أعداد المهاجرين العراقيين تجاوز مؤخراً 4 ملايين شخص، بينهم علماء وأطباء ومهندسون وأساتذة جامعات ذوو خبرة وسمعة ممتازة.
ويصف الزبيدي هذه الهجرة بالـ"قسرية" نظراً لأن أسبابها "الوضع الأمني المتردّي والابتزاز والاختطاف والاضطهاد".
واحتل العراقيون المرتبة الأولى بطلبات اللجوء عام 2015 لأوروبا، خصوصا ألمانيا.
وحسبما يرى الزبيدي لـ"ارفع صوتك"، فإن الدول العربية تخسر الكثير بسبب هجرة الكفاءات والأيدي العاملة، ما يعكس سلباً على المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ويرى الحل في تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي كانت سبباً في الهجرة.