تشعر هدى عبدالرحمن بالقهر، لحرمانها وشقيقتها من ميراث والدهما المتوفى منذ سبع سنوات.
وخلف والد هدى التي تنحدر من محافظة الضالع في اليمن، أراض زراعية تدرّ ملايين الريالات سنوياً، يتم تقاسمها بين أشقائها الذكور، فيما "لا تحصل هي على شيء منها، سوى القليل في حالات نادرة"، حسب قولها.
وتضيف لـ"ارفع صوتك": "لا أستطيع أن أطالبهم بحقي، فذلك يُعتبر عيباً".
وخلافا لنصوص الشريعة الإسلامية والقوانين التي تكفل للنساء حقوقهن كاملة في الميراث، لا تزال الأعراف والتقاليد التي تحرم المرأة من هذا الحق، موجودة في اليمن ودول عربية وإسلامية عدة.
وغالبا ما تتعرض النساء إلى مضايقات كبيرة عند مطالبتهن بالميراث، تصل حد القتل في حالات كثيرة.
تقول سيدة يمنية أخرى (فضلت مناداتها بكنيتها أم منال)، إن "أشقاءها الذكور أخبروها صراحة رفضهم أن تذهب أموال والدهم المتوفى منذ 20 عاماً، إلى شخص غريب" في إشارة لزوجها.
دراسات
في مصر، أظهرت نتائج دراسة أعدتها وزارة العدل المصرية قبل سنوات أن نحو 8 آلاف جريمة قتل تُرتكب سنوياً بسبب قضايا الميراث، والضحايا في حالات كثيرة كنّ من النساء.
وحسب دراسة حديثة أنجزتها الدكتورة سلوى المهدي، وهي أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب في جامعة قنا المصرية، فإن 95.5% من النساء بمحافظتي سوهاج وقنا بمصر لا يرثن وفق العرف والتقاليد التي لا تحبذ توريث المرأة، خوفاً من استيلاء زوجها وأبنائها على الميراث.
وتتضمن بعض التشريعات في الدول العربية والإسلامية عقوبات بالحبس وغرامات مالية بحق كل من حرم وارثاً نصيبه الشرعي، لكن غالبية القضايا من هذا النوع لا تصل إلى القضاء.
في المقابل فإن عدداً من القوانين تسمح بالإفلات ﻣﻦ العقاب ﻓﻲ جرائم حقوق الميراث تحت ما يسمى بـ"التخارج أو التراضي".
و"التخارج أو المخارجة"، هو مصطلح فقهي يقصد به "الصلح بين الورثة".
ويعرف القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية، الذي اعتمده مجلس وزراء العدل العرب في نيسان/ أبريل 1988، التخارج بأنه "اتفاق الورثة على ترك بعضهم نصيبه من التركة لبعضهم الآخر مقابل شيء معلوم".
وحسب هذا القانون "إذا تخارج أحد الورثة مع آخر منهم استحق نصيبه وحل محله في التركة".
آلاف المعاملات
ويستغل الذكور في كثير من الحالات "التخارج"، من أجل إخراج الإناث من الإرث مقابل تعويضات رمزية.
وفي أحوال كثيرة لا تمنح النساء شيئاً تحت الضغط والتهديد.
في الأردن -على سبيل المثال- سجلت 5108 معاملة تخارج عام 2017، وفقاً لإحصائية نشرتها دائرة قاضي القضاة مطلع سبتمبر 2018.
وتؤكد جمعية "تضامن"، وهي منظمة حقوقية أردنية، أن حرمان النساء من الإرث يتم بطرق ووسائل متعددة بينها التخجيل والترهيب.
وتوضح "تضامن" أن ملكية الأردنيات للأصول العقارية الموروثة من شقق وأراض متدنية جدا مقارنة بالرجال.
في العراق وسوريا
ويروي محمد جمعة، وهو محام عراقي أنه في مرات كثيرة، شاهد نساء أمام المحاكم يتنازلن كرهاً عن حقهن في الإرث، خاصة الأراضي والعقارات بحجة "تخارج في المواريث".
"كان الحزن واضحا على وجوههن، ولا يستطعن البوح بأنهن مكرهات على القيام بذلك"، يضيف المحامي جمعة لـ "ارفع صوتك".
ويشير إلى فتوى صادرة عن المذهب الجعفري تنص على أن "المرأة لا ترث في الأراضي والعقارات وترث فقط في المنقولات والأموال".
ويلجأ المورثون إلى حيل كثيرة لحرمان بناتهم من الميراث من بينها التنازل عن الأملاك لأولادهم الذكور بالبيع الذي يكون صورياً أغلب الأحوال أو ما يعرف قانوناً بـ "الهبة المكشوفة"، وفق محمد خليل، وهو محامٍ سوري.
ويضيف لـ"ارفع صوتك": "كما يقوم بعض الأشقاء بسرقة بصمة إبهام الأب على فراش الموت أو بعد الوفاه لنقل الملكية، أو التزوير في مستندات رسمية".
ووصف خليل حرمان المرأة من الميراث "، بأنه "ضرب من ضروب الجاهلية"، مؤكداً "لا يجوز شرعاً وقانوناً حرمان المرأة من حق الميراث، فوفقاً للشريعة الإسلامية ترث المرأة أكثر من الرجل في حالات عديدة تتجاوز 10 حالات بينما يرث هو أكثر منها في ثلاث حالات فقط".
الجدل من تونس
وأثار مصادقة الحكومة التونسية العام الماضي على مشروع قانون ينص على المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث جدلا واسعاً في الأوساط السياسية والدينية، وصولا إلى إعلان الأزهر الشريف في مصر بأن هذا الأمر "مخالف للشريعة الإسلامية وإجماع العلماء على مر العصور".
ومن المتوقع أن يمرر المشرعون التونسيون القانون (رغم معارضته من قبل البعض والتعطيل الممنهج الذي يتعرض له)، على أن يتضمن الحرية بين اختيار مبدأ المساواة في الإرث أو اتباع الحكم الشرعي (للذكر مثل حظ الأنثيين).
وفي حال موافقة البرلمان على مشروع هذا القانون، ستكون تونس أول دولة عربية تنظم إلى بلدان أخرى ذات أغلبية مسلمة لا تميز الرجل والمرأة في قوانين الميراث، بينها البوسنة والهرسك، كازخستان، كوسوفو، مالي، طاجيكستان، وتركيا.