"لأول مرة أسمع بيوم المرأة الريفية!" قالت سيدة يمنية ريفية تدعى فاطمة عبدالله ردا على سؤالنا عما تعنيه لها هذه المناسبة.
وأضافت "معظم أوقاتي أقضيها بجلب الحطب والماء وزراعة الأرض وتربية الأطفال.. أشعر بالظلم أحيانا لكنني تعودت".
وتحيي الأمم المتحدة اليوم العالمي للمرأة الريفية سنوياً في 15 تشرين الأول/ أكتوبر، وحددت هذا العام "دور المرأة والفتاة الريفية في بناء المرونة والصمود لمواجهة تغيّر المناخ" موضوعاً رئيساً.
وتأتي هذه المناسبة بالتزامن مع الزخم الذي اكتسبته قمة الأمم المتحدة للعمل المناخي التي عقدت في 23 أيلول/ سبتمبر في نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية.
وتعترف الأمم المتحدة بما للنساء والفتيات من دور في ضمان استدامة الأسر والمجتمعات الريفية والإنتاج الزراعي والأمن الغذائي وإدارة الأراضي والموارد الزراعية وتحسين سبل المعيشة الريفية والرفاهية العامة.
وتمثل النساء نسبة كبيرة من القوى العاملة الزراعية، بما في ذلك العمل غير الرسمي، ويمارسن الجزء الأكبر من الرعاية غير مدفوعة الأجر والعمل المنزلي في إطار أسرهن في المناطق الريفية.
وتشير المنظمة الدولية إلى أنه على الصعيد العالمي، تعمل امرأة واحدة من بين كل ثلاث نساء في الزراعة وتقف النساء الريفيات في طليعة خطوط المعركة عندما تتعرض الموارد الطبيعية والزراعة للخطر.
وفي البلدان النامية، تمثل المرأة الريفية نحو 43% من القوة العاملة الزراعية، وينتجن الكثير من المواد الغذائية المتوفرة، مما يجعلهن المسؤولات الأساسيات عن الأمن الغذائي.
ومع ذلك تعاني النساء والفتيات في المناطق الريفية من فقر متعدد الأبعاد.
جهل بالتغير المناخي
وتقول منى صالح، وهي يمنية ريفية حصلت على تعليم متوسط بعد الثانوية العامة "لا أحد من النساء هنا (في الريف) لديها فكرة عن التغير المناخي وكيفية المساهمة في مواجهة تغير المناخ".
تضيف لـ"ارفع صوتك": "مشاكل النساء الريفيات تتمحور حول عدم المساواة مع الذكور في كل شيء. نجلب المياه على رؤوسنا من مناطق بعيدة ونعمل في الأرض بطرق بدائية من دون أجر.. فماذا يعني الحديث عن دور الريفيات في مواجهة تغير المناخ؟".
"الرجال يهاجرون إلى المدن والنساء يقمن بكل الأدوار في الريف"، قالت فاطمة.
العراق
لا تخفي وزارة التخطيط العراقية أن النساء يدفعن ثمن تدهور مساحات الأراضي الزراعية وتعرضها للجفاف والتصحر بمرور الزمن.
وتعيش المرأة الريفية في العراق أوضاعاً صعبة جداً وتعمل في الزراعة وتربية المواشي، كما يعاني عدد كبير منهن من الاضطهاد والعنف الموجه وعبء المسؤولية عن تأمين الغذاء والوقود.
تقول الريفية الأربعينية صباح أنور: "ظروف عائلتي أجبرتني على مساعدة والدي المسن في العمل بالزراعة بعدما أكملت دراستي الابتدائية".
وأضافت صباح التي نزحت وعائلتها خلال سيطرة داعش على مناطق واسعة شمالي العراق، أن "المرأة في الريف تعاني الأمرين، بسبب صعوبات العمل في مهنة الزراعة التي تتطلب منها سقي وجني المحاصيل بالإضافة لرعي الأغنام".
وبحسب وزارة التخطيط العراقية فإن نسبة 30% من نساء العراق هن من سكان الريف، فيما تشكل نسبة النساء الريفيات اللائي يترأسن أسرهن 7.6%.
ووصل معدل النشاط الاقتصادي للنساء الريفيات إلى 13.8 فيما تعاني 14% منهن من البطالة و41% لم يكملن تعليمهن مما يرفع نسبة الأمية إلى 30%، وهي نسبة أعلى من المناطق الحضرية، حسب وزارة التخطيط.
وتفقد الريفيات الكثير بغياب التعليم إذ أن عاماً إضافياً في التعليم الابتدائي يزيد أجور الفتيات بنسبة 10-20%، ويحدّ من الزواج المبكر ويقلل احتمالات تعرضهن للعنف، وفقاً للأمم المتحدة.
وتقل ملكية المرأة من الأراضي الزراعية واستخدامها عن 20% من إجمالي مالكي الأراضي وتمثل المرأة أقل من 5% من إجمالي مالكي الأراضي الزراعية في العراق، في تمييز واضح لصالح الرجال.
القيود العشائرية
من جهته، يقول المحلل الاجتماعي والأستاذ في جامعة الموصل العراقية الدكتور قصي رياض، إن "المجالات المتنوعة تحكمها ظروف الرجل داخل الريف العراقي وعقليته وطبيعة تعامله مع المرأة".
ويشير في حديثه لـ"ارفع صوتك" إلى نماذج نسائية تعرضت للترمل والضيق والهجرة أجبرتها على الكفاح من أجل لقمة العيش وتربية أبنائها.
ويضيف د. رياض "لكني أراها في أطراف المدن الزراعية أكثر من رؤيتها في الريف بسبب التقارب المكاني"، لافتاً إلى تداعيات القيود العشائرية على المرأة الريفية حيث "يتمحور دورها وفقا للسلطة العشائرية حول الإنجاب والزراعة وما دون ذلك سيكون بالصدفة بالنسبة لها".
يتابع: "القيود العشائرية متفاوتة لكن يمكن القول إن هناك وعياً حضارياً تجاه الخروج عن القيود واستبدالها بمقومات نهضة حضارية متعلقة بالقانون والشرع وغيرها".
ويرى د. رياض أن الحكومة "ليست بصدد الالتفات لتحسين واقع الريف العراقي جذرياً تبعاً للإرباك والفساد المتفشي، ما يعني الحاجة لوقت أطول للمعالجات".
ومن بين المعالجات التي يقترحها: المطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من قبل أفراد الحكومات المحلية في القرى والأقضية والنواحي ومتابعتها مع الحكومة المركزية.
ويؤكد د. رياض على أهمية تقديم أولويات النهوض بواقع المرأة الريفية على مستويات عدة والاستفادة من تجارب الدول القريبة فيما يخص الريف كالأردن وتركيا وإيران، وعقد ندوات وورش للتوعية بذلك، بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرات والطاقات الشبابية الموجودة في المجتمع الريفي ممن تابع تعليمه في المدن.
معالجة القضية
يقول عبدالله العواضي، وهو أكاديمي يمني متخصص في علم الاجتماع، إن النساء والفتيات في المناطق الريفية "يفتقرن إلى المساواة في الحصول على الموارد والأصول الإنتاجية والخدمات العامة كالتعليم والصحة والمياه وغيرها".
وأوضح أن تأثيرات تغير المناخ، تزيد من غياب المساواة بين الجنسين في المناطق الريفية.
ويختلف تأثير تغير المناخ على الأصول التي يتملكها الرجال عن تأثيره على تلك التي تمتلكها النساء وكذلك الأمر فيما يتعلق بالإنتاج الزراعي والأمن الغذائي والصحة والمياه المأمونة ومصادر الطاقة، والهجرة والصراعات الناجمة عن تغير المناخ، والكوارث الطبيعية المتعلقة بتغير المناخ.
ويرى العواضي أن معالجة قضية عدم المساواة بين الجنسين من أكثر الطرق فعالية للتقدم في مكافحة التهديدات التي يفرضها تغير المناخ، ويساعد النساء المخولات بقدرة أكبر على الاستجابة لتغير المناخ ولعب أدوار هامة في تبني تقنيات منخفضة الكربون ونشر المعرفة حول تغير المناخ والحث على اتخاذ الإجراءات اللازمة.