"اللهم عليك باليهود والنصارى (المسيحيين). اللهم شردهم ودمرهم وأذلهم وانتقم لنا منهم وانصرنا عليهم. اللهم لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا".
بهذه الكلمات، وكالعادة، ختم إمام يمني خطبة الجمعة الماضية في أحد مساجد العاصمة صنعاء.
رجل الدين اليمني أكد بلهجة حازمة عند سؤاله عن مسألة الدعاء على غير المسلمين: "نعم يجوز ذلك".
واستدل على ذلك بالآيتين التاليتين من سورة القلم: "أفنجعل المسلمين كالمجرمين (35) ما لكم كيف تحكمون (36)".
حقد وكراهية
يشعر يوسف سعيد، وهو أحد أفراد الطائفة اليهودية في اليمن، بمرارة القهر والألم حينما يسمع أدعية تتشفى بـ"اليهود والنصارى" بعد كل حادثة أو كارثة طبيعية تقع في بلدان غير مسلمة.
ويعتقد أن مثل هذه الخطابات الدينية تذكي مشاعر الكراهية وتهدد التعايش والسلم الاجتماعي.
يقول يوسف: "يؤلمني وأنا أمر بجانب مسجد يوم الجمعة وأسمع الإمام يدعو علينا بالهلاك والتشريد وأدعية تنم عن حقد دفين وعداوة..".
الملفت أن الدعاء على اليهود والمسيحيين، وخاصة في خطبة الجمعة، لا يوجد له أصل شرعي في الإسلام وفق كثير من الفقهاء المسلمين أنفسهم. وحتى الذين يبيحون ذلك، يرون تعميم الدعاء على كل مسيحي ويهودي على الأرض نوعا من "الاعتداء في الدعاء".
يوضح هاني نسيرة، وهو مفكر مصري وباحث في الفلسفة الإسلامية، إنه "لا يجوز إطلاقا سب أهل دين معين في دعاء غيرهم.. لأن هذا متعارض مع النصوص الدينية".
ويضيف في تصريح لـ"ارفع صوتك": "عقديا، لا يوجد دليل شرعي يعطي الحجية للأئمة أو غيرهم بالدعاء على غير المسلمين أو سبهم".
وفي سنة 2012، أصدرت السلطات الدينية في المملكة العربية السعودية تنبيها لأئمة المساجد بخصوص الدعاء بـ "هلاك اليهود والنصارى".
وحذرت وزارة الأوقاف حينها من تعميم الدعاء بهلاك جميع اليهود والمسيحيين، لأنه "لا يجوز شرعاً، وهو من الاعتداء".
ويأتي موقف وزارة الأوقاف متناغما مع فتوى سابقة لهيئة كبار العلماء في البلاد. تقول الفتوى: "وقول الكاتب: (اللهم عليك بالكفار والمشركين واليهود، اللهم لا تبق أحدا منهم في الوجود، اللهم أفنهم فناءك عادا وثمود) والدعاء بفناء كل الكفار اعتداء في الدعاء؛ لأن الله قدر وجودهم وبقاءهم لحكمة، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد".
ويعتبر هاني نسيرة أن الدعاء على غير المسلمين تفاقم بشدة نتيجة قناعة سائدة بأن الآخر دائما يريد الشر للعرب والمسلمين، فيما يشبه نوعا من نظرية المؤامرة. ويضيف أن هذا تأجج أكثر منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي وحرب 48، ليستمر حتى اليوم.
وكما في السعودية، أصدر علماء أزهريون سنة 2012 تعميما ضد الدعاء على اليهود في المساجد، مطالبين بتحديد الدعاء على الظلمة فقط دون تعميم.
خلل في إدراك مقاصد الشريعة
يعتبر أحمد الشوربجي، وهو باحث مصري في الشؤون الإسلامية، أن الدعاء على اليهود والمسيحيين "خطأ فادح وفيه أضرار شديدة جدا وكبيرة بالعقيدة والدين الإسلامي، ويتسبب في طعن الاسلام وتوجيه اللوم للإسلام".
ويعتقد أن الدعاة والأئمة الذين يدعون على غير المسلمين "ليس لديهم تكامل أو نسق علمي متكامل، وعندهم خلل في البناء العلمي والإدراك المقاصدي للشريعة الإسلامية وللدين، ولذلك هم يفسدون أكثر مما يصلحون".
وأوضح الشوربجي، وهو أيضا فقيه أزهري، في تصريح لموقع (ارفع صوتك) أن من يقومون بذلك "يأخذون بعض النصوص المجتزأة التي وردت في مواقف وحالات معينة ويعممونها وكأنها أصل شرعي".
وأشار إلى قصة دعاء النبي محمد على قبلتي زعل وذكوان بسبب غدرهم وقتلهم خيرة أصحابه غيلة بعدما ذهبوا لتعليمهم الإسلام بطلب من القبيلتين.
وأضاف الشوربجي "النبي نفسه تعاطف جدا مع من لم يرغبوا في الدخول بالإسلام ولم يدع بهلاكهم".
ويقول الباحث المصري أن الدعاء على المؤذي أو الظالم والمحارب سواء كان مسلما أو غير مسلم "فكرة طبيعية، والدعاء في هذه الحالة أحد الأسلحة التي يستعين بها الضعفاء لكن يكون في حدود إبعاد الأذى وكبح جماحه".