أعلنت السلطات السعودية تعليق الدخول إلى المملكة لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي، خوفا من انتشار فيروس كورونا الجديد.
وقتل الفيروس لحد الآن أكثر من 2800 شخص، أغلبهم في الصين التي ظهر فيها أول مرة.
أما في السعودية، فلم تعلن السلطات عن إصابات لحد الآن، إلا أن دولا مجاورة مثل الكويت والبحرين والإمارات والعراق شهدت إصابات عديدة (74 إصابة).
لكن ليست هذه هي المرة الأولى، تاريخيا، التي ينقطع فيها الحج أو العمرة، بسبب الأمراض والأوبئة. حدث ذلك سنة 357 هـ مثلا، حين مات الناس بسبب انتشار داء "الماشري".
وإضافة إلى الأمراض، انقطع الحج كليا أو جزئيا بسب البرد الشديد، أو الفيضان، أو العطش، أو الخوف وانعدام الأمن، أو حتى بسبب الغلاء الشديد.
يقول ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" ضمن أحداث سنة 357هـ (968/967م): "وفيها في تشرين عرض للناس داء الماشري فمات به خلق كثير. وفيها مات أكثر جمال الحجيج في الطريق من العطش ولم يصل منهم إلى مكة إلا القليل. بل مات أكثر من وصل منهم بعد الحج".
ولا يجد علماء المسلمين حرجا في إصدار فتاوى تبيح الامتناع عن الذهاب إلى الحج أو حتى تعطيله في حالة انتشار الوباء في مكة أو في الطريق المؤدية إليها.
ويعتمد الفقهاء في ذلك على الحديث المشهور: "إذا سمعتم به (الطاعون) بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا فرارا منه".
ويذكر عبد الرحمان الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار" (المعروف بتاريخ الجبرتي) انتقال الحمى من الحجاز إلى مصر بسبب الحجاج العائدين. يقول وهو يسرد أحداث عام 1235هـ (1819/1820م): "وفي سابع عشرة وصل الحاج المصري (عائدا من الحج) ومات الكثير من الناس فيه بالحمى. وكذلك كثرت الحمى بأرض مصر، وكأنها تناقلت من أرض الحجاز".
ويبدو أن السلطات المصرية سنة 1899م حاولت استصدار فتوى من مفتي الديار المصرية حسونة النواوي بمنع المصريين من التوجه إلى الحج خوفا من انتشار مرض الكوليرا، إلا أن النواوي امتنع عن ذلك.
ومع ذلك، كانت الأحداث السياسية في أغلب الأحيان السبب الرئيسي في تعطيل الحج أو على الأقل حرمان حجاج بعض البلدان من أداء الركن الخامس في الإسلام.
ويذكر المؤرخون أن القرامطة تسببوا في منع الحج مرات متعددة بين سنتي 312هـ و338هـ.
والقرامطة حركة دينية سياسية خرجت بالتزامن مع ضعف الدولتين العباسية في العراق والعبيدية في مصر، ونجحت في تأسيس دولة لها في شرقي شبه الجزيرة العربية (منطقة الأحساء حاليا).
فابتداء من سنة 312، يقول ابن كثير في "البداية والنهاية": "لم يحج في هذه السنة أحد من أهل العراق لكثرة الخوف من القرامطة".
بل، إن القرامطة، حسب ما ينقل المؤرخون، سيطروا على الحرم سنة 317هـ وهاجموا الحجاج وقتلوا 1700 شخص في المسجد، وخلعوا باب الكعبة، واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه ونقلوه إلى معقلهم في الأحساء واحتفظوا به مدة 22 عاما.
ويبدو أن الحج تعطل مدة 10 أعوام متتابعة على الأقل، من 317 هـ حتى 326هـ بسبب القرامطة. يقول المؤرخ المصري ابن تغري في كتابه "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" نقلا عن ابن سبط الجوزي: "والظاهر أنه لم يحج أحد منذ سنة سبع عشرة وثلاثمائة إلى سنة ست وعشرين وثلاثمائة خوفاً من القرامطة".
وفي السنوات اللاحقة وحتى سنة 338هـ، تتحدث المصادر عن انقطاع متكرر للحجاج خاصة القادمين من العراق.
وبدورها، تسببت الخلافات السياسية بين ملوك الدول الإسلامية في تعطيل الحج، ولو جزئيا. يقول ابن تغري نفسه عن حوادث سنة 372هـ: "قيل إنّه لم يحجّ أحد من العراق من هذه السنة إلى سنة ثمانين، بسبب الفتن والخُلف بين خلفاء بني العباس وبين خلفاء مصر بني عُبيد".
لكن، يحدث أيضا أن تتسبب الأحوال الجوية أو الظروف الاقتصادية في تعطيل وصول وفود بلدان بكاملها إلى الحج. فقد تسبب الغلاء في مصر سنة 390هـ في منع الحجاج المصريين من أداء فريضة الحج.
وتسبب البرد سنة 417 هـ في تعطيل الحج من العراق وبلاد خراسان. يقول ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ": في هذه السنة كان بالعراق برد شديد جمد فيه الماء في دجلة والأنهار الكبيرة.. وفيها بطل الحج من خراسان والعراق".
وقبلها، تسبب العطش في صد حجاج العراق وخراسان أيضا. يقول ابن الجوزي في كتابه "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" عن أحداث سنة 405 هـ: "وصل إلى بغداد حجاج خراسان، ثم رحلوا إلى الكوفة، فقيل لهم: إن الطريق ليس بها ماء. فعادوا ولم يحج منهم أحد".
وفي العراق أيضا، تسبب الفيضان سنة 337 هـ في منع العراقيين من الحج. يقول ابن تغري بردي: "فيها كان الغرق ببغداد، وزادت دجلة إحدى وعشرين ذراعا.. وفيها لم يحجّ أحد في هذه السنة من العراق".