اليمن.. عندما تتحول الأقبية والمنازل والمدارس إلى سجون
"تمت معاملتنا بطريقة سيئة جدا من قبل القائمين على السجن. داخل السجن، لا توجد أبسط مقومات الحياة. إنه مثل زريبة حيوانات"، الحديث للسجين اليمني السابق أنور الشرعبي.
يضيف الشرعبي لموقع "ارفع صوتك": "بقيت في السجن بصنعاء مدة أسبوع ولم يتم التحقيق معي. عرفت سجناء أجبروا على الاعتراف بعد أن تم ضربهم بشكل مبرح".
وأشار إلى أن المعتقلين في اليمن يعانون الخوف والجوع والمرض داخل المعتقلات.
أقبية ومنازل خاصة
يعاني السجناء في اليمن تأخر البت في قضاياهم، حيث يظل كثيرون داخل السجون لفترة طويلة، بعضهم قد لا يكون ارتكب أية جريمة.
وخلال فترة الحرب المستمرة منذ مارس 2015، تضاعفت أعداد المحتجزين في السجون الرسمية وغير الرسمية التابعة لمختلف أطراف النزاع.
كشفت دراسة حديثة بعنوان "واقع مراكز الاحتجاز في اليمن" صادرة عن منظمة مواطنة لحقوق الإنسان (منظمة مدنية محلية) عن انتهاكات وخروقات جمة للقوانين المحلية والدولية.
وشملت الدراسة التي صدرت في ديسمبر الماضي 277 فردا من المحتجزين السابقين والحاليين تعرضوا للاحتجاز بين سنتي 2015 و2018 في سبع محافظات يمنية: صنعاء، عدن، الحديدة، حضرموت، أب، مأرب، تعز.
وأفاد ثلث المعتقلين بـأن احتجازهم تم دون أي تهمة واضحة عند تنفيذ القبض عليهم، وقال 35% إن احتجازهم كان لأسباب متعلقة بالنزاع الراهن.
وأفاد 70 في المئة تقريبا بأنه تم إيداعهم في أماكن احتجاز قبل أي تحقيق معهم، ما يعد نوعا من العقوبة غير القانونية.
وكانت نسبة من لم يسمح لهم باستدعاء محام قبل بدء التحقيق 91.7%، وهناك 28% تم نقلهم إلى أماكن احتجاز غير رسمية بعضها أقبية تحت الأرض ومنازل خاصة وأخرى منشآت حكومية ومدارس وصالات رياضية.
وتوزعت الجهات المسؤولة عن أماكن الاحتجاز غير الرسمية بين فصائل النزاع الراهن: الحوثيون، القوات الإماراتية، التحالف العربي بقيادة السعودية، تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الفصائل المنضوية ضمن القوات الموالية للسلطات المعترف بها دوليا والتحالف العربي، وقوات النخبة الحضرمية.
وكشف ما نسبته 94.2% من المعتقلين أنه لم يتم تحويلهم إلى النيابة خلال 24 ساعة المقررة قانونا.
وتنص مبادئ الأمم المتحدة لمعاملة السجناء على أن المساحة الأرضية الدنيا الموصى بها عند بناء سجون جديدة هي 5.4 متر مربع للسجين، سواء كان يشغل الزنزانة بمفرده أو يتقاسمها مع شخص آخر.
لكن ثلاث أرباع العينة تقريبا قالوا إن أماكن الاحتجاز التي وضعوا فيها غير واسعة ولا تكفي المحتجزين بشكل مريح، ناهيك عن أنها غير نظيفة، وبدون فراش وأغطية للنوم.
وأظهرت نتائج الدراسة وجود توجه عام نحو عدم ضمان الحقوق الجسدية والمعنوية للمحتجزين في أماكن الاحتجاز، كما أظهرت مؤشرات خطيرة على وجود حالات تعرضت لدرجات مختلفة من التعذيب والعقوبات والإهانات لم تقتصر على الضرب باليد وتوجيه الشتائم والحرمان من الغذاء والنوم، بل تعدتها إلى التعذيب بالكهرباء والضرب بالعصي والبنادق والتقييد بالحبال، والحرق باستخدام الولاعات والسجائر، وخلع الأظافر واستخدام المسامير الحديدية.
ولم يتمكن ما نسبته 94.2% من أفراد العينة من رفع الشكاوى لجهات أعلى حول أساليب معاملتهم أثناء احتجازهم.
وخلصت الدراسة إلى أن أغلب المسؤولين عن أماكن الاحتجاز بمراكز الشرطة هم من خريجو كلية أو أكاديمية، وأغلبهم حصل على تدريب حول القوانين المتعلقة بعملهم، لكنهم لم يحصلوا على تدريب متعلق بالتعامل مع المحتجزين، فضلا عن عدم تطبيق معايير لتعيين المسؤولين عن أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز فيها.
سجناء في انتظار حكم
لم يخف مدير قسم شرطة في العاصمة صنعاء لموقع "ارفع صوتك" ما ورد في الدراسة. لكنه برر قائلا: "هؤلاء في الأخير مجرمون، لذلك يتم التعامل معهم بقسوة".
وأضاف: "لا توجد الإمكانيات اللازمة لتحويل هذه الأماكن إلى مؤسسات تأهيلية..".
من جانبه، يقول عبد الرحمن الزبيب، وهو مستشار وباحث قانوني، إن السجون مكتظة بأكثر من طاقتها الاستيعابية. ويقدر بأن هناك أكثر من 13 ألف سجين في مختلف السجون اليمنية "معظمهم رهن إجراءات المحاكمة والتحقيق، أو انتهت فترة الحقوق المحكوم بها، أو على ذمة حقوق خاصة، أو بسبب الاختلالات في الأحكام القضائية".
ولا يشمل هذا الرقم المعتقلين في أماكن احتجاز غير رسمية بسبب الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من خمس سنوات.
ويوضح عبد الرحمن الزبيب أن غالبية هؤلاء يفترض أن يكونوا خارج السجون وفقا للقانون والدستور اليمني، لكن بسبب ضعف الدولة في تطبيق القانون خارج السجون يتم احتجازهم.
وقال الزبيب لموقع "ارفع صوتك": "هناك اختلالات كبيرة في أداء النيابة العامة والقضاء فيما يتعلق بالسجناء. إذا طبق القانون سيخرج 75% منهم ولن يبقى سوى 25% وهي الطاقة الاستيعابية الحقيقية للسجون التي لم تُحدث ولم توسع منذ بنيت في السبعينات".
وأشار الزبيب إلى أن اكتظاظ السجون ينذر بكارثة حقيقية إذا ما سجلت حالات إصابة بفيروس كورونا. "سيقتل الآلاف داخل السجون، بالتالي يجب تطبيق القانون على السجناء".
وأكد الباحث القانوني اليمني أن السجون اليمنية بسبب الاكتظاظ لا تستطيع أن تقوم بدروها كمؤسسات للإصلاح والتأهيل.
وخلال الأيام الماضية، أطلقت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا نحو 212 سجينا في اطار التدابير المتخذة لمنع تفشي فيروس كورونا داخل السجون.
والخميس الماضي، دعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت بلدان العالم إلى تقليل أعداد نزلاء سجونها، للحيلولة دون تفشي فيروس كورونا فيها.
مسؤولية مضاعفة
إلى ذلك يقول، عبد الرشيد الفقيه، وهو المدير التنفيذي لمنظمة "مواطنة"، إن "السجون وأماكن احتجاز أخرى في اليمن غير مجهزة وغير ملتزمة بالحد الأدنى من المعايير التي تجعلها إصلاحيات فعالة. خلال السنوات الماضية انتشرت فيها الكثير من الأوبئة، وهي أماكن غير خاضعة لسلطة النيابة العامة الرقابية بشكل فعلي".
وقال إن منظمته وثقت حالات وفيات داجل السجون وأماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، وإن "سجون وأماكن احتجاز هوجمت بعدد من الضربات الجوية لطائرات التحالف العربي بقيادة السعودية قتلت وجرحت العشرات".
يضيف لموقع "ارفع صوتك": "مع الأزمة الجديدة الخاصة بكورونا تقع مسؤولية مضاعفة على السلطات والأطراف المختلفة بمعالجة أوضاع المحتجزين والسجناء بالإفراج وترتيبات قانونية فإذا ما انتشر كورونا في اليمن سيصبح الوضع فيها أكثر كارثية".