لم تدخل البلد بعد.. كورونا تفقد اليمنيين وظائفهم
"الجامعة الجامعة. أين الركاب اليوم؟.. من الصباح مافيش (لا يوجد)!"، يهتف سائق باص أجرة في العاصمة اليمنية صنعاء الأسبوع قبل الماضي مناديا الركاب دون جدوى.
كانت السلطات في اليمن أغلقت المدارس والجامعات وصالات الأعراس والحمامات وغيرها من أماكن التجمعات على خلفية تفشي فيروس كورونا في الدول المجاورة ومختلف دول العالم، رغم أن البلاد لم تسجل بعد أية حالة مؤكدة للإصابة بالفيروس.
سائق الباص اليمني ويدعى علي الصنعاني، لم يكن يعلم في البداية أن الطلاب توقفوا عن الدراسة قبل أن يخبره أحد الركاب القليلين بالأمر.
رد الصنعاني: "الله يلعن كورونا". وأضاف وهو يتمتم: "يا الله وين نروح، أغلب زبائننا طلاب. من أين جاءت لنا هذه البلوى؟".
كانت الساعة حينها تشير إلى الحادية عشر صباحا، وهي من أهم أوقات الذروة للسائقين، الذين تكتظ باصاتهم بالطلاب عادة.
لكن الشوارع حينها بدت شبه فارغة في العاصمة صنعاء ومختلف المدن اليمنية، وكأن الحرب المستمرة منذ مارس 2015 بدأت للتو، فدخل الناس إلى بيوتهم خوفا.

ومثلما باغتت الحرب اليمنيين حينها، فعل فيروس كورونا رغم أن السلطات لم تعلن حتى الآن تسجيل أي حالة بهذا الوباء القاتل.
واتخذت حكومتا عدن المعترف بها دوليا وحكومة صنعاء غير المعترف بها إجراءات وقائية من كورونا أبرزها إغلاق المدارس والجامعات والمنافذ البرية والجوية.
"هي إجراءات صحيحة 100%. لكن ما ذنبنا نُحرم من الدخل اليومي الذي كنا نوفره لأبنائنا"، يقول سائق باص الأجرة علي الصنعاني.
وفي حال ظهور إصابات بفيروس كورونا في اليمن قد يؤدي ذلك إلى اتخاذ مزيد من التدابير، من قبيل الحجر الصحي والتزام البيوت، ما يعني تضرر كثير من العاملين في القطاع غير المهيكل في بلد يعاني أزمة إنسانية خانقة مع وجود ما يقرب من 16 مليون شخص يستيقظون جوعى كل يوم.
وهناك حوالي 24.1 مليون يمني، أي 80 في المئة من السكان، باتوا الآن بحاجة إلى مساعدات إنسانية كي يبقوا على قيد الحياة.
ووفقًا لمنظمة اليونيسف، فقد ترك النزاع الذي دخل نهاية هذا الشهر عامه السادس، على الأقل 500 ألف شخص من العاملين في القطاع العام بدون رواتب لأكثر من ثلاث سنوات.
مصدر رزقي الوحيد
علي الصنعاني لم يكن الوحيد الذي فقد جزءا من مصدر رزقه بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها حكومتا عدن وصنعاء، بل تأثر أصحاب بوفيات ومطاعم في المدارس والجامعات اليمنية والحدائق العامة.
ماهر عبد القوي شاب يمني يعمل بائعا متجولا للقرطاسية أمام بوابة جامعة صنعاء وهي كبرى الجامعات اليمنية، بدا حزينا هو الآخر لعدم وجود الطلاب.

يقول ماهر لموقع "ارفع صوتك": "هذا مصدر رزقي الوحيد. توقف الطلاب عن الدراسة يعني انقطاع مصدر رزقي. لا حول ولا قوة إلا بالله".
ويضيف: "نريد تعويضات من الحكومة لأننا أكثر المتضررين من هذا الوضع".
وكتب ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي بضرورة التفكير بالعمال الذين فقدوا ولو مؤقتا أشغالهم بسبب إغلاق المحلات.
"في موازاة تعويض الدول للقطاعات التي تضررت من انتشار وباء كورونا، يجب التعامل مع اليمنيين بمثل هذه الخطوة"، يقول مغرد يمني على تويتر.
وإلى حديقة الثورة شمالي العاصمة صنعاء، جلس العشريني محمد غانم تحت ظل إحدى الأشجار. يقول غانم، وهو أحد العاملين في الحديقة لموقع "ارفع صوتك": "أغلقت الحديقة وتوقفنا عن العمل، وصرنا بدون دخل بسبب الخوف من كورونا".
أمضى غانم أشهر طويلة في البحث قبل أن يحصل على فرصة عمل في هذه الحديقة العام الماضي، لكي ينفق على أسرته المكونة من 5 أشخاص.
ويعمل غانم ورفاقه بالأجر اليومي ما يعني أنهم لن يستلموا رواتب خلال فترة توقفهم عن العمل.
"من أين أوفر الطعام لأبنائي؟"
مأساة الصنعاني وعبد القوي وغانم تتكرر مع كثير من اليمنيين، وكأن تداعيات الحرب لم تكن كافية، حتى يدخل اليمنيون أزمة جديدة لا تقل شراسة عن يوميات الحرب المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات.
وغزت اليمن خلال السنوات الأخيرة أوبئة عدة، وقتلت وأصابت مئات آلاف المواطنين، إلا أن تأثير "كورونا" ، يبدو أشد فتكاً حتى وإن لم يصل إلى البلد بعد.
ويخشى العاطلون عن العمل من استمرار هذا الوضع مع انتشار فيروس كورونا عالمياً، والخوف من انتقاله إلى اليمن. منهم فواز الهمداني (35 عاما)، الذي بات بدون عمل بعد إغلاق محل البلايستيشن الخاص به في صنعاء قبل أسبوعين.
وتعد محلات البلياردو والبلايستيشن والانترنت أماكن لتجمع الكثير من الشباب والأطفال في اليمن.
وعبر الهمداني عن مخاوفه من استمرار بقائه دون عمل، متسائلاً: "من أين أوفر الطعام لأبنائي الثلاثة؟".
وشرعت سلطة الأمر الواقع في صنعاء (الحوثيين) مطلع الأسبوع الجاري بإغلاق أسواق القات ضمن الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا أيضا.
ومن شأن هذه الخطوة القذف بعشرات آلاف العاملين في هذا القطاع إلى صفوف العاطلين عن العمل.