التوحد في زمن الحرب.. قصة شاب يمني
"ألو.. أنا مهند.. حالي الحمد لله.. كيف حالك أنت!.. أنا مش (لست) مريض"، يقول الشاب اليمني مهند سمير (15 عاما) بسعادة غامرة، في اتصال هاتفي أجراه موقع "ارفع صوتك"، معبرا عن سعادته رغم كثير من المعاناة التي يواجهها هو وأقرانه من المصابين بطيف اضطراب التوحد.
يضيف مهند أنه يحب والدته وكل أقاربه.
"أنا أحب كل من يعطيني تلفونه أنقل منه ألعاب وفيديو.. أحب اللعب بالتلفون وأحب التلفزيون"، يضيف الشاب اليمني.
لكن المصابين باضطراب التوحد في اليمن يعانون التهميش ويفتقرون لأبسط الحقوق الأساسية في بلد يعيش حالة حرب منذ أكثر من خمس سنوات.
ولا توجد إحصائيات رسمية أو خاصة حول عدد المصابين بالتوحد في اليمن.
ويصف علماء النفس "التوحد" بأنه مجموعة من الاضطرابات السلوكية والنفسية المعقدة، التي يمكن ملاحظتها على الطفل منذ سن مبكرة، وتسبب مشاكل في الحديث واكتساب المهارات الأساسية كالمهارات الاجتماعية والتواصل مع الناس.
تقول والدة مهند، مفيدة ردمان، لموقع "ارفع صوتك"، إن مهند وهو الرابع بين أشقائه لم يبدأ الكلام إلا في سن العاشرة تقريبا.
وفي تلك السن أيضا، "بدأ التعود على دخول الحمام بمفردة. كنت في البداية أنزعج عندما يقول لي أحد: ابنك مصاب بالتوحد، أما الآن فقد تعودت"، تقول مفيدة.
وأتم مهند الآن 15 عاما من عمره.
وتتابع الأم: "مهند يقضي معظم وقته باللعب بالهاتف وعندما كان صغيرا كان يتابع دائما قنوات الأطفال على التلفاز رافضا الاندماج واللعب مع أشقائه. الآن أشعر أنه أفضل".
وتضيف السيدة، وهي أم لأربعة أطفال، "قبل الحرب كنا حاولنا أن نلحقه بمركز خاص بمرضى التوحد في تعز (جنوبي غرب اليمن)، لكن قالوا لنا سنه صغير مقارنة بالملتحقين في المركز، بعد ذلك اندلعت الحرب ونزحنا إلى الريف ومازلنا في الريف حتى اللحظة. هنا لا توجد مراكز أو مدارس خاصة. أيضا وضعنا المادي لا يسمح بذلك لأن تكاليفها باهظة".
شاب ذكي
من جانبه، يقول خاله نصيب ردمان، "مهند طفل ذكي جدا يقرأ كلمات باللغتين العربية والإنجليزية ويجيد تلاوة القرآن الكريم. يتعامل مع التكنولوجيا تحديدا الهواتف بشكل لا تتوقعه".
ويضيف نصيب لموقع "ارفع صوتك" إن مهند يتناول طعامه لوحده.
"مهند يخاف جدا من المطر والرعود والأصوات المرتفعة والمزعجة بما في ذلك أصوات الانفجارات الناتجة عن قصف الطائرات أو الدبابات أو المدافع وأصوات الرصاص خلال الحرب الحالية"، يقول نصيب.
وأوضح نصيب أن الحرب والشروط التعجيزية في مراكز المصابين بالتوحد لم تكن السبب الوحيد الذي حرم مهند من الالتحاق بمركز لتعليم المصابين بالتوحد (وهي قليلة جدا ولا تفي بالغرض غالبا) بل تسبب انفصال والديه بعزلته في المنزل وبقاءه دون تعليم وعلاج على طبيب متخصص.
فئة مهمشة
إلى ذلك، تقول أحلام الرياشي، وهي المديرة التنفيذية لمركز اليمن للتوحد (منظمة مجتمع مدني محلية)، لموقع "ارفع صوتك"، إن 50 طفلا وشابا يمنيا مصابين بالتوحد بأنواعه المختلفة (خفيفة متوسطة شديدة وتدخل مبكر) يحصلون حالياً على خدمات عبر المركز، رغم ما سببته الحرب في شح الدعم وقلة الإمكانيات المادية والفنية والبشرية للمركز.
وبحسب الرياشي، يتم تقديم كافة البرامج الوظيفية والتأهيلية والنفسية والتربوية والسلوكية واللغوية لهؤلاء الأطفال، ويتحمل الأهالي تكاليف ذلك بما فيها أجور المواصلات من وإلى المركز.
وقالت إن "مرضى اضطراب التوحد في اليمن فئة مهمشة، ولا يحظون بأي رعاية أو اهتمام حكومي. آخر دعم تلقيناه من صندوق المعاقين (حكومي) كان عام 2017. توقف بعد ذلك الدعم بسبب الحرب".
وتشير الرياشي إلى أن الكثير من الحالات التي وصلت إلى المركز كانت في مراحل متقدمة، "مع أن المفروض في التعامل مع هذه الشريحة هو التدخل المبكر أي ما قبل سن الثالثة حتى تكون نسبة الفائدة كبيرة جدا".
وتؤكد أحلام الرياشي أن نسبة ذكاء الأطفال المتوحدين خاصة في استخدام البرامج الإلكترونية عالية جدا. "هذا لا يؤثر عليهم وحتى مشاهدة التلفاز لكنه قد يكون من مشتتات الانتباه لديهم. المهم عدم السماح لهم بمشاهدة برامج عدوانية".
وينصح الأطباء النفسانيون الآباء بعدم ترك أطفالهم المصابين بالتوحد بمفردهم، ويشددون على أهمية تضافر جهود الوالدين للتغلب على مشكلة التوحد لدى طفلهم وتجنب أي خلافات أمامهم، وإلحاقهم بمراكز تأهيل خاصة.
وفوق ذلك يشددون على ضرورة اكتشاف ما إذا كان لدى الطفل موهبة أو قدرات معينة واستثمارها.