العالم

حقول الموت.. مليون لغم بدون خرائط

غمدان الدقيمي
09 أبريل 2020

فقد ماجد المليكي ساقيه منتصف عام 2018 بسبب لغم أرضي مضاد للأفراد في مدينة تعز جنوبي غرب اليمن، ويقول إن حياته تحولت إلى "جحيم".

"لم أكن أقاتل. كنت مارا في الطريق بمنطقة ثعبات بتعز حينما انفجر لغم تحت قدماي. لم أشعر بنفسي إلا في المستشفى"، يقول المليكي (34 عاما) وهو أب لثلاثة أطفال.

وكانت تلك المنطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين قبل أن يستعيدها خصومهم المحليون، لكن كغيرها من المناطق زرعها الحوثيون بالألغام والعبوات الناسفة قبل مغادرتها.

يضيف المليكي لموقع "ارفع صوتك": "حتى الآن لم أحصل على ساقين صناعيتين تساعداني على الحركة. الدولة لم تقدم لي أي شيء. حصلت على بعض المساعدة في العمليات والعلاجات من منظمة أطباء بلا حدود والباقي على حسابي الخاص".

وقال الشاب ذاته إنه كان يتمنى السفر للخارج من أجل الحصول على علاج أفضل، كما يتمنى الحصول على راتب حكومي لأطفاله.

يتابع الشاب عبر الهاتف من مدينة تعز: "حياتي تدهورت. لم أعد قادرا على القيام بأي عمل. كنت أملك محلا لبيع الخضار. الآن أصبحت عاجزا، لكني أتقاضى منه مصاريف أطفالي حيث يعمل فيه أحد أصدقائي".

والأسبوع قبل الماضي قتل لغم زرعه الحوثيون سيدة يمنية تدعى سمية ناجي في جبال بني فرج بمنطقة نهم شمالي العاصمة صنعاء.

وكانت سمية ترعى الأغنام في تلك المنطقة قبل أن تلقى حتفها.

وتسبب لغم آخر ببتر إحدى سيقان زوجها وإصابته بجروح بليغة عندما كان يحاول إنقاذ زوجته بعدما سمع انفجار اللغم الأول.

وأودت الألغام هناك بحياة الكثيرين بما في ذلك مواشي المواطنين، على الرغم أن المنطقة لم تعد منطقة مواجهات واستعادتها مؤخرا جماعة الحوثيين بعد أن كانت خسرتها قبل سنوات.

أرقام ومسؤولية

زرعت الألغام في اليمن منذ ستينات القرن الماضي ومع كل حرب جديدة تتضاعف أعدادها.
وعمد الحوثيون في الحرب المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات إلى زراعة المناطق التي يخسرونها أمام القوات الحكومية بالألغام والعبوات الناسفة لمنع تقدم خصومهم.

وتسببت الألغام المزروعة في الأراضي الزراعية والقرى والآبار والطرق في اليمن في إصابة آلاف الأشخاص، وقتلت خلال الفترة 2018 وأبريل 2019 نحو 140 مدنيا على الأقل، من بينهم 19 طفلا، في محافظتي الحديدة وتعز، وفقا لـ موقع "مشروع رصد الأثر المدني"، وهو مصدر بيانات إنسانية.

وقالت وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إنها وثقت منذ سبتمبر 2014 وحتى بداية سبتمبر 2018 مقتل نحو 1593 مدنيا بينهم أطفال ونساء بألغام زرعها الحوثيون.

وفي العام 2017 تسببت الألغام الحوثية في قتل وإصابة نحو 2450 مواطنا يمنيا.

وقال مشروع مسام السعودي لنزع الألغام في اليمن إن الفرق الهندسية التابعة له نزعت منذ انطلاقة المشروع منتصف 2018 ولغاية نهاية مارس الماضي نحو 158 ألف لغم ومقذوف متفجر، زرعتها جماعة الحوثي في تسع محافظات يمنية كانت تسيطر عليها الجماعة الموالية لطهران.

وتقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن استخدام قوات الحوثيين الواسع للألغام الأرضية على طول الساحل الغربي لليمن منذ منتصف 2017 قتل وجرح مئات المدنيين ومنع منظمات الإغاثة من الوصول إلى المجتمعات الضعيفة.

وحملت المنظمة الحقوقية الدولية قوات الحوثيين المسؤولية الأساسية عن الإصابات بين المدنيين والأضرار المدنية المتوقعة من الألغام الأرضية.

يحظرها القانون 

يحظر القانون اليمني و"اتفاقية حظر الألغام" لعام 1997 استخدام الألغام المضادة للأفراد.
وانضم اليمن إلى معاهدة حظر الألغام عام 1998، لكن دون جدوى.

ولم تقتل وتشوه الألغام الأرضية العديد من المدنيين فحسب، بل منعت اليمنيين المستضعفين من حصاد المحاصيل وجلب المياه النظيفة التي هم في أمس الحاجة إليها للبقاء على قيد الحياة.
وفوق ذلك، تحولت مزارع المواطنين ووديانهم في بعض المناطق كالسهل التهامي مثلا إلى

حقول للموت تخطف أرواح المزارعين وتحصد رؤوسهم بعد أن كانت مصدراً للعيش.

وتصدّر اليمن قائمة الدول الأكثر حوادث لانفجار الألغام على مستوى العالم في العام 2018، حسب تقرير مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية، ما يشكل خطراً دائما على حياة المدنيين.

مليون لغم بدون خرائط 

يقول العميد أمين العقيلي، وهو المدير التنفيذي للبرنامج الوطني لنزع الألغام (حكومي)، إن الحوثيين زرعوا -حسب تقديرات خبراء تفكيك الألغام بحكم عدم توفر خرائط-  أكثر من مليون لغم ومقذوف.

ويضيف لموقع "ارفع صوتك": "ما تم تفكيكه حتى الآن من ألغام مضادة للأفراد والآليات وعبوات ناسفة وعبوات ذات تحكم عن بعد وغيرها والتي لم تنفجر نحو 800 ألف في مختلف المناطق التي خسرها الحوثيون".

ويؤكد العميد العقيلي أن الألغام الحوثية المزروعة بعضها روسية الصنع وأخرى محلية يعتقدون أن المواد الداخلة في تركيبها والقطع التي تتكون منها "صنع إيراني"، بالإضافة إلى ألغام أخرى مجهولة المصدر.

وتفنن الحوثيون ومن ورائهم الخبراء الإيرانيون في صناعة الألغام بأشكال مختلفة تزرع في مختلف المناطق.

ونظرا لغياب خرائط يستدل بها، تعتمد الفرق الهندسية التابعة للبرامج الخاصة بنزع وتفكيك الألغام العاملة في اليمن غالبا -بحسب أمين العقيلي- على التنبؤ بحقول الألغام مع وقوع حوادث انفجار قريبة، أو بناء على إرشادات المواطنين، فضلا عن معلومات من الجهات الحكومية الرسمية، وكذلك المناطق التي دارت فيها معارك ميدانية.

إخلاء مسؤولية

في أبريل 2017، أبلغت سلطات الحوثيين في صنعاء، هيومن رايتس ووتش بأنها تعتبر معاهدة حظر الألغام مُلزمة.

وفي مسعى لإخلاء مسؤوليتها عن كارثة الألغام المزروعة في الساحل الغربي أبلغت جماعة الحوثي لجنة التهدئة والمراقبة الأممية أن "المسؤولين عن زرع الألغام في الساحل الغربي هم ثلاثة:

مهندس عراقي، ومساعد من صعدة، وثالث من حجة"، وجميعهم قتلوا خلال المواجهات والغارات الجوية لمقاتلات التحالف العربي بقيادة السعودية في الساحل الغربي.

ويجوز وفقا للقانون الدولي محاكمة الأفراد المسؤولين عن استخدام الأسلحة المحظورة أو شن هجمات عشوائية على أنها جرائم الحرب.

وحاول "ارفع صوتك" التواصل مع عدد من قيادات الحوثيين للرد على ما ورد في هذا التقرير، لكنهم رفضوا التعليق.
 

غمدان الدقيمي

مواضيع ذات صلة:

العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(
العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(

فرضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، عقوبات على شبكة لبنانية تتهمها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل جماعة حزب الله اللبنانية.

وذكرت وزارة الأميركية في بيان على موقعها الإلكتروني أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 3 أفراد و5 شركات وسفينتين متورطين في تهريب النفط والغاز البترولي المسال لتوليد الإيرادات لحزب الله.

وأوضح البيان أن الشبكة، التي تتألف من رجال أعمال وشركات لبنانية ويشرف عليها أحد كبار قادة فريق تمويل حزب الله، سهلت شحن عشرات شحنات الغاز البترولي المسال إلى حكومة سوريا، ووجهت الأرباح إلى حزب الله.

وأشارت إلى أن العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز البترولي المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله، وتدعم الأنشطة الإرهابية للمجموعة.

وقال وكيل وزارة الخزانة بالوكالة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي سميث: "يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتأجيج الاضطراب الإقليمي، ويختار إعطاء الأولوية لتمويل العنف على رعاية الأشخاص الذين يدعي أنه يهتم بهم، بما في ذلك عشرات الآلاف من النازحين في جنوب لبنان".

وأضاف: "وستواصل وزارة الخزانة تعطيل شبكات تهريب النفط وغيرها من شبكات التمويل التي تدعم آلة الحرب التابعة لحزب الله".

وصنفت وزارة الخارجية الأميركية حزب الله جماعة إرهابية في 31 أكتوبر 2001.

وذكرت وزارة الخزانة في بيانها أنها اتخذت إجراءات متسقة لاستهداف الأفراد المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات تمويل حزب الله التي توفر عائدات بالغة الأهمية للمنظمة.

ووفقا للبيان، من بين المسؤولين البارزين في حزب الله المشاركين في هذه الجهود محمد قصير، ومحمد قاسم البزال، اللذين يديران قناة لنقل غاز البترول المسال ومشتقات النفط الأخرى نيابة عن حزب الله ويتلقيان مدفوعات مباشرة مقابل بيعها.

وفي 15 مايو 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قصير لعمله لصالح حزب الله أو نيابة عنه كقناة أساسية للصرف المالي من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.

وفي 20 نوفمبر 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية البزال، أحد شركاء قصير، لدعمه لحزب الله.

كما اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية سلسلة من الإجراءات التي تستهدف عمليات تهريب النفط لحزب الله، بما في ذلك إجراء في 31 يناير 2024 استهدف شبكة حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي التي حققت إيرادات بمئات الملايين من الدولارات من خلال بيع السلع الإيرانية بما في ذلك النفط، ومعظمها للحكومة السورية.

وأوضح البيان أن الشبكة التي تم تصنيفها اليوم تشمل مسؤولًا آخر رفيع المستوى في فريق تمويل حزب الله، ورجلي أعمال لبنانيين يوفران واجهة مشروعة على ما يبدو لتسهيل جهود حزب الله في تهريب النفط. وسهلت هذه الشبكة عشرات شحنات غاز البترول المسال إلى حكومة سوريا، بالعمل مع المسؤول في النظام السوري ياسر إبراهيم، الذي أدرجته وزارة الخارجية في 20 أغسطس 2020 لدوره في صفقات تجارية فاسدة استفاد منها الرئيس السوري الأسد.

وأشار البيان إلى أنه اعتبارًا من أواخر عام 2023، تولى المسؤول في حزب الله، محمد إبراهيم حبيب السيد، مسؤولية بعض الأعمال التجارية لحزب الله من البزال. وسافر السيد سابقًا مع البزال إلى جنوب شرق آسيا لتنسيق صفقات النفط المحتملة في المنطقة لفريق تمويل حزب الله. كما عمل كمحاور بين البزال ورجل الأعمال اللبناني علي نايف زغيب بشأن مشروع نفطي في موقع مصفاة في الزهراني بلبنان.

ووفقا لبيان الوزارة، فمنذ أواخر عام 2019 على الأقل، قدم زغيب، الخبير في كيمياء البترول، المشورة والمساعدة لفريق التمويل التابع لحزب الله خلف الكواليس، والتقى مع القصير والبزال لتنسيق أنشطتهم. وبصفته عضوًا في شبكة تهريب النفط التابعة لحزب الله، أمّن زغيب خزانات لتخزين، ربما النفط، نيابة عن حزب الله.

وأكد البيان أن القصير والبزال باعتبارهما من كبار مسؤولي حزب الله، حققا ربحًا من صفقات الغاز البترولي المسال مع زغيب الذي التقى بنائب لبناني واحد على الأقل تابع لحزب الله لمناقشة تمويل مشاريع النفط التابعة لحزب الله. كما نسق الزغيب مع ممول حزب الله، محمد إبراهيم بزي، بشأن المفاوضات التجارية. وفي 17 مايو 2018، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بزي لدعمه حزب الله.

كما يشارك رجل الأعمال اللبناني بطرس جورج عبيد في صفقات الطاقة لحزب الله، ويملك بشكل مشترك العديد من الشركات مع زغيب، بحسب البيان.

ولذلك لفت البيان أنه تم إدراج السيد وزغيب وعبيد لمساعدتهم ماديًا أو رعايتهم أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لحزب الله أو لدعمه.

كما أدرجت وزارة الخزانة الشركة الأوروبية اللبنانية للتجارة الدولية التي يمثلها البزال وكانت مسؤولة عن عشرات شحنات غاز البترول المسال، التي قامت بها نقالات غاز البترول المسال "ألفا" و"مارينا" إلى ميناء بانياس في سوريا لصالح شركة "حقول"، والتي تم تصنيفها في 4 سبتمبر 2019 لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة البزال.

وأوضحت الوزارة أن البزال استخدم شركة "إليت" لتغطية نفقات التشغيل لشركتي تشغيل السفن "ألفا، ومارينا"، وبناء على ذلك، تم إدراج كل من "إليت" و"ألفا" و"مارينا" كممتلكات لحزب الله مصلحة فيها.