حقول الموت.. مليون لغم بدون خرائط
فقد ماجد المليكي ساقيه منتصف عام 2018 بسبب لغم أرضي مضاد للأفراد في مدينة تعز جنوبي غرب اليمن، ويقول إن حياته تحولت إلى "جحيم".
"لم أكن أقاتل. كنت مارا في الطريق بمنطقة ثعبات بتعز حينما انفجر لغم تحت قدماي. لم أشعر بنفسي إلا في المستشفى"، يقول المليكي (34 عاما) وهو أب لثلاثة أطفال.
وكانت تلك المنطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين قبل أن يستعيدها خصومهم المحليون، لكن كغيرها من المناطق زرعها الحوثيون بالألغام والعبوات الناسفة قبل مغادرتها.
يضيف المليكي لموقع "ارفع صوتك": "حتى الآن لم أحصل على ساقين صناعيتين تساعداني على الحركة. الدولة لم تقدم لي أي شيء. حصلت على بعض المساعدة في العمليات والعلاجات من منظمة أطباء بلا حدود والباقي على حسابي الخاص".

وقال الشاب ذاته إنه كان يتمنى السفر للخارج من أجل الحصول على علاج أفضل، كما يتمنى الحصول على راتب حكومي لأطفاله.
يتابع الشاب عبر الهاتف من مدينة تعز: "حياتي تدهورت. لم أعد قادرا على القيام بأي عمل. كنت أملك محلا لبيع الخضار. الآن أصبحت عاجزا، لكني أتقاضى منه مصاريف أطفالي حيث يعمل فيه أحد أصدقائي".
والأسبوع قبل الماضي قتل لغم زرعه الحوثيون سيدة يمنية تدعى سمية ناجي في جبال بني فرج بمنطقة نهم شمالي العاصمة صنعاء.
وكانت سمية ترعى الأغنام في تلك المنطقة قبل أن تلقى حتفها.
وتسبب لغم آخر ببتر إحدى سيقان زوجها وإصابته بجروح بليغة عندما كان يحاول إنقاذ زوجته بعدما سمع انفجار اللغم الأول.
وأودت الألغام هناك بحياة الكثيرين بما في ذلك مواشي المواطنين، على الرغم أن المنطقة لم تعد منطقة مواجهات واستعادتها مؤخرا جماعة الحوثيين بعد أن كانت خسرتها قبل سنوات.
أرقام ومسؤولية
زرعت الألغام في اليمن منذ ستينات القرن الماضي ومع كل حرب جديدة تتضاعف أعدادها.
وعمد الحوثيون في الحرب المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات إلى زراعة المناطق التي يخسرونها أمام القوات الحكومية بالألغام والعبوات الناسفة لمنع تقدم خصومهم.
وتسببت الألغام المزروعة في الأراضي الزراعية والقرى والآبار والطرق في اليمن في إصابة آلاف الأشخاص، وقتلت خلال الفترة 2018 وأبريل 2019 نحو 140 مدنيا على الأقل، من بينهم 19 طفلا، في محافظتي الحديدة وتعز، وفقا لـ موقع "مشروع رصد الأثر المدني"، وهو مصدر بيانات إنسانية.

وقالت وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إنها وثقت منذ سبتمبر 2014 وحتى بداية سبتمبر 2018 مقتل نحو 1593 مدنيا بينهم أطفال ونساء بألغام زرعها الحوثيون.
وفي العام 2017 تسببت الألغام الحوثية في قتل وإصابة نحو 2450 مواطنا يمنيا.
وقال مشروع مسام السعودي لنزع الألغام في اليمن إن الفرق الهندسية التابعة له نزعت منذ انطلاقة المشروع منتصف 2018 ولغاية نهاية مارس الماضي نحو 158 ألف لغم ومقذوف متفجر، زرعتها جماعة الحوثي في تسع محافظات يمنية كانت تسيطر عليها الجماعة الموالية لطهران.
وتقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن استخدام قوات الحوثيين الواسع للألغام الأرضية على طول الساحل الغربي لليمن منذ منتصف 2017 قتل وجرح مئات المدنيين ومنع منظمات الإغاثة من الوصول إلى المجتمعات الضعيفة.
وحملت المنظمة الحقوقية الدولية قوات الحوثيين المسؤولية الأساسية عن الإصابات بين المدنيين والأضرار المدنية المتوقعة من الألغام الأرضية.
يحظرها القانون
يحظر القانون اليمني و"اتفاقية حظر الألغام" لعام 1997 استخدام الألغام المضادة للأفراد.
وانضم اليمن إلى معاهدة حظر الألغام عام 1998، لكن دون جدوى.
ولم تقتل وتشوه الألغام الأرضية العديد من المدنيين فحسب، بل منعت اليمنيين المستضعفين من حصاد المحاصيل وجلب المياه النظيفة التي هم في أمس الحاجة إليها للبقاء على قيد الحياة.
وفوق ذلك، تحولت مزارع المواطنين ووديانهم في بعض المناطق كالسهل التهامي مثلا إلى
حقول للموت تخطف أرواح المزارعين وتحصد رؤوسهم بعد أن كانت مصدراً للعيش.
وتصدّر اليمن قائمة الدول الأكثر حوادث لانفجار الألغام على مستوى العالم في العام 2018، حسب تقرير مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية، ما يشكل خطراً دائما على حياة المدنيين.
مليون لغم بدون خرائط
يقول العميد أمين العقيلي، وهو المدير التنفيذي للبرنامج الوطني لنزع الألغام (حكومي)، إن الحوثيين زرعوا -حسب تقديرات خبراء تفكيك الألغام بحكم عدم توفر خرائط- أكثر من مليون لغم ومقذوف.
ويضيف لموقع "ارفع صوتك": "ما تم تفكيكه حتى الآن من ألغام مضادة للأفراد والآليات وعبوات ناسفة وعبوات ذات تحكم عن بعد وغيرها والتي لم تنفجر نحو 800 ألف في مختلف المناطق التي خسرها الحوثيون".

ويؤكد العميد العقيلي أن الألغام الحوثية المزروعة بعضها روسية الصنع وأخرى محلية يعتقدون أن المواد الداخلة في تركيبها والقطع التي تتكون منها "صنع إيراني"، بالإضافة إلى ألغام أخرى مجهولة المصدر.
وتفنن الحوثيون ومن ورائهم الخبراء الإيرانيون في صناعة الألغام بأشكال مختلفة تزرع في مختلف المناطق.
ونظرا لغياب خرائط يستدل بها، تعتمد الفرق الهندسية التابعة للبرامج الخاصة بنزع وتفكيك الألغام العاملة في اليمن غالبا -بحسب أمين العقيلي- على التنبؤ بحقول الألغام مع وقوع حوادث انفجار قريبة، أو بناء على إرشادات المواطنين، فضلا عن معلومات من الجهات الحكومية الرسمية، وكذلك المناطق التي دارت فيها معارك ميدانية.
إخلاء مسؤولية
في أبريل 2017، أبلغت سلطات الحوثيين في صنعاء، هيومن رايتس ووتش بأنها تعتبر معاهدة حظر الألغام مُلزمة.
وفي مسعى لإخلاء مسؤوليتها عن كارثة الألغام المزروعة في الساحل الغربي أبلغت جماعة الحوثي لجنة التهدئة والمراقبة الأممية أن "المسؤولين عن زرع الألغام في الساحل الغربي هم ثلاثة:
مهندس عراقي، ومساعد من صعدة، وثالث من حجة"، وجميعهم قتلوا خلال المواجهات والغارات الجوية لمقاتلات التحالف العربي بقيادة السعودية في الساحل الغربي.
ويجوز وفقا للقانون الدولي محاكمة الأفراد المسؤولين عن استخدام الأسلحة المحظورة أو شن هجمات عشوائية على أنها جرائم الحرب.
وحاول "ارفع صوتك" التواصل مع عدد من قيادات الحوثيين للرد على ما ورد في هذا التقرير، لكنهم رفضوا التعليق.