اليمنيون يقبلون على رمضان لم يشهدوا مثله من قبل
هذا العام، أقبل غالبية اليمنيون على رمضان لم يشهدوا مثله من قبل، بفعل فيروس كورونا المستجد الذي وضعهم أمام مفارقة كبيرة.
فقد فرضت هذه الأزمة التباعد في الشهر الذي يكاد فيه التواصل والتقارب جزءا مهما من طقوسه.
فرمضان هو شهر التزاور الأسري والتجمع والتدبر في أمور الدين والعمل الخيري والصلاة.
تغير الأولويات
ويشترك المسلمون في أنحاء العالم خلال شهر رمضان في تجمع العائلات على موائد الإفطار وحضور صلاة الجماعة بالمساجد.
لكن جائحة كورونا غيرت الأولويات حيث فُرضت قيود على التجمعات الكبيرة للصلاة وإقامة موائد الإفطار الجماعية.
ليست هذه المشكلة الوحيدة بالنسبة لليمنيين، فقد غيرت الحرب الدائرة في البلد منذ أكثر من خمس سنوات الكثير من العادات التي كان يمارسها اليمنيون في رمضان.
قبل الحرب، كان رمضان متنفسا من ضغوط كامل السنة، وتتنوع فيه المأكولات اليمنية التي تزدان بها المائدة الرمضانية.
غير أن مظاهر البهجة الرمضانية بدأت تتقلص شيئاً فشيئاً منذ خمس سنوات، بالتزامن مع أزمات الحرب المتوالية التي انضمت إليها مؤخراً جائحة كورونا.
معاناة الحرب وتداعياتها السلبية، و"الخوف" من كورونا، سرقت بهجة رمضان بالنسبة لليمنيين.
رمضان مختلف
يقول الثلاثيني اليمني عبده أنعم، "لا أشعر بأي خصوصية (للشهر) هذا العام، لا نشعر بأي أجواء رمضانية. رمضان هذا العام مختلف جدا"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "اعتدت كل سنة برمضان على إقامة مائدة إفطار جماعي للصائمين خصوصا للأصدقاء الذين يعملون بالأجر اليومي في صنعاء لكن هذا العام توقفت عن ذلك بسبب كورونا وما فرضه من امتناع عن الاختلاط".
تحدث أنعم عن حزن أطفاله لعدم إقامة المائدة الرمضانية هذا العام.
"كانت هذه المائدة الجماعية تشكل طقساً مميزاً بالنسبة للأطفال، ناهيك عن كونها ترسخ فعل التضامن لديهم كثقافة"، يقول عبده أنعم.
ولا يختلف الحال بالنسبة لوسيم الصبري، الذي اعتاد أن يقيم مائدة رمضانية لطلاب الجامعات والعمال، إذ عبّر عن حزنه من تصاعد التحذيرات والحد من التجمعات واختلاط الناس، خاصة منذ الـ10 من أبريل الجاري، مع تسجيل أول حالة إصابة بكورونا في اليمن، وذلك حرمه من إقامة هذا الطقس الرمضاني.
وألغى عدنان عبده (46 عاما) في رمضان الجاري عادة استقبال أقاربه وجيرانه في منزله بصنعاء لاحتساء الشاي والمرطبات كما كان معمول به في السنوات الماضية.
يقول عدنان، "لا نزورهم وهم لن يأتوا. فيروس كورونا جعل الجميع خائفين حتى من الضيوف المميزين".
التعبد في المنزل
ورغم أن المساجد لم تغلق أبوابها في صنعاء حيث تقام فيها صلاة التراويح في جماعة هذه الأيام، لكن علاء عثمان الذي كان يصلي التراويح في جماعة العام الماضي لا ينوي الذهاب إلى المسجد قط هذا العام لأداء الصلوات في رمضان.
يقول علاء، "العبادة في المساجد برمضان فضلها كبير لكني مضطر هذا العام على التعبد في منزلي خوفا من انتشار مرض كورونا".
ومنذ بداية انتشار الوباء في الدول المجاورة لليمن بدأ علاء عثمان بتطبيق خطوات جادة للوقاية من هذا الفيروس القاتل، من بينها التزامه بالحجر المنزلي والحرص على ارتداء الكمامات عند خروجه من المنزل بغرض شراء الطعام فقط، واتخذ إجراءات مشددة في منزله للوقاية من كورونا.
ويضيف علاء لموقعنا، "في رمضان هذا العام لا يختلف برنامجي عن الأسابيع الذي قبله بسبب فيروس كورونا، أنا مضطر لحماية عائلتي وتجنيبها المرض، والبقاء في البيت وتجنب التجمعات خير وسيلة لذلك".
الغلاء الفاحش
من جانبه، يقول إدريس العبسي، إن برنامجه في رمضان هذا العام يختلف كثيرا عن برنامجه في رمضان العام الماضي.
ومنذ أن بدأ فيروس كورونا يجتاح دول العالم اتخذ العبسي إجراءات وقائية، منها عدم الاختلاط بالآخرين والتزود بالمعقمات "التي لا تفارقه".
وفي رمضان يستمر التزامه "بهذا الأمر والأهم عدم الاختلاط بأحد في رمضان هذا العام، بعكس الأعوام الماضية"، يقول العبسي.
ويضيف في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "يقلقني في رمضان الغلاء الفاحش ويشكل لي تحديا كبيرا خصوصا وأن مواردي المالية محدودة حيث أصبحت أقل من ثلث ما كانت عليه قبل خمس سنوات لأسباب كثيرة".
ويرى العبسي أن "الحرب وتداعياتها وتهاوي الريال اليمني أمام العملات الأجنبية"، هي أبرز أسباب ارتفاع الأسعار.
ويتمنى العبسي انتهاء هذه الحرب "الملعونة" في بلاده، وأن تشهد اليمن نموا مضطردا تعوض به ما تكبده من خسائر.
توفير لقمة العيش
لكن الحرب وقسوة الظروف التي أفضت بدورها إلى توقف مرتبات موظفي الدولة وتسريح مئات آلاف الموظفين في القطاع الخاص، أجبرت العديد من اليمنيين واليمنيات إلى خرق التدابير الحكومية وعدم الانصياع للتحذيرات المتعلقة بالوقاية من تفشي كورونا.
إذ في كل الأحوال، عليهم الاستمرار في الذهاب إلى أعمالهم، لمساعدة أسرهم في توفير لقمة العيش الضرورية.