شاب يمني: أرسلوا إلى وطني الكتب بدل السلاح
يواصل الشاب اليمني فراس شمسان حياته الطبيعية في مقر إقامته بدولة سويسرا ضمن برنامج ثقافي بالتعاون مع اتحاد الكتاب السويسري، الذ يمنح للكتاب والصحفيين الفارين من بلدانهم إقامة مؤقتة لمدة عامين، على أن يبحث له لاحقا عن فرصة جديدة اما باللجوء أو الدراسة.
اضطر فراس (34 عاما)، وهو وكاتب يهتم بمجال الانتاج الثقافي والإعلامي وله عدة مشاركات على الصعيد العربي والعالمي في مجال التوعية بحقوق الإنسان، للفرار من اليمن في يوليو 2015، ليستقر به المقام ضمن مشروع كاتب في المهجر بالعاصمة السويسرية بيرن.
يقول الشمان لموقع (ارفع صوتك) إن بقائه في اليمن في فترة الحرب وما مر به صحيا ونفسيا كان "يعد انتحارا لأنه لا يوجد أمان حقيقي فمن لم يمت بالحرب مات بغيرها، وأنا من صناع الحياة لا الموت".
تعذيب في سجون مصر
في الأول من فبراير 2014 كان فراس شمسان في معرض القاهرة للكتاب، وكان يسجل تقريرا عن نوعية الكتب التي يشتريها الزوار لصالح موقعه الثقافي "فن تايم" (وهو موقع يهتم بأمور الثقافة)، ورغم حصوله على ترخيص بالتصوير لكن تم اعتقاله ووجهت له العديد من التهم بينها أنه "مصور لقناة الجزيرة، ويهدف إلى إسقاط نظام الحكم في مصر"، بحسب قوله.
وضع فراس بالسجن لمدة 36 يوما رغم أن السلطات المصرية لم تنجح في إثبات التهم الموجهة اليه.
صودرت كاميرته واختفت محتوياتها من مقاطع فيديو خاصة بأفلام وثائقية تم تسجيلها مسبقا في اليمن، حسب قوله.
ويعلق على تلك الفترة "ما حدث لي في مصر يثبت أن هنالك منظومة دكتاتورية لا تعرف أدني قيم حقوق الإنسان، ويمكنك مشاهدة تكرار ذات الطريقة مع شباب وكتّاب ومثقفين والتي تعتبرهم أعداء لمنظومتها الدكتاتورية".
وعقب عودته من مصر لم يكن وضعه الصحي على ما يرام بسبب تعرضه للتعذيب في السجون المصرية، كما يقول.
ولم يمض عام حتى بدأت جماعة الحوثيين الموالية لإيران اجتياح العاصمة اليمنية صنعاء ومدن يمنية عدة، ولأن الصحفيين والكتاب كانوا هدفا للمقاتلين الحوثيين، اضطر فراس شمسان لمغادرة البلاد أولا إلى الأردن ثم إلى ماليزيا وواجه الكثير من الصعوبات قبل أن يستقر به المقام في سويسرا.
ثقافة التجهيل والعنصرية
"إلى جانب أنها مدمرة على كافة الصعد"، يرى فراس شمسان أن "الحرب المستمرة في بلاده منذ أكثر من خمس سنوات هي نتاج طبيعي لثقافة التجهيل والعنصرية وافتقار المجتمع لقيم التعايش والتسامح، فضلا عن أنها نتيجة لتعفن نخب سياسية ودينية محدودة القدرة على الإنتاج أو حتى التفكير".
ويقول "الصراع الحالي في المنطقة بشكل عام يفتقر إلى دور حقيقي للإعلام خاصة في مواجهة الأفكار المتطرفة، ومن هذا المنطلق أسعى إلى دراسة الخطاب الإعلامي المتطرف وإنتاج محتوى إعلامي يبني مجتمعا خاليا من أفكار الكراهية والإرهاب".
ويعتقد الكاتب الشاب أن انتشار السلاح في اليمن جعل البلد يدور في دوامة لا تتوقف من الصراعات والحروب، معتبرا أن الشباب "هم وقود هذه الحروب والفئة الأكثر هلاكا".
ويخاطب الأطراف الخارجية الداعمة لحرب اليمن الحالية بالقول "أرسلوا إلى وطني الكتب بدل السلاح".
المواجهة الفكرية
وتمثل قضايا التطرف والإرهاب هاجسا كبيرا بالنسبة لفراس شمسان، "استنزفت الآلاف من أبناء بلدي والذين تم اقتيادهم للموت بدون أن يحصلوا على حقهم الكامل في الحياة، وكل هذا بسبب تجار الدين والحروب"، يقول شمسان.
وكانت سيطرة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على محافظة أبين الجنوبية (2010- 2011) أبرز مرحلة دفعت بفراس لمتابعة هذا الملف المعقد.
أطلق عقب ذلك حملة أسماها "مخك للتفكير مش للتفجير" لتوعية الشباب بخطورة هذه الجماعات وكيفية استغلالها لقدراتهم.
ويوضح شمسان "توصلت إلى أن هنالك دعم من قبل جمعيات وأطياف سياسية ودينية وعسكرية لنشوء ودعم قيام هذه الجماعات، بينما يتم منع ومحاربة أي شكل من أشكال التوعية أو بناء الثقافة لمواجهة الأفكار المتطرفة".
ويؤكد أن هذه الجماعات وليدة فكر متطرف يتم ترسيخه ثقافيا من خلال استغلال دور العبادة والمراكز الدينية، وأن الحل الأمثل لمحاربتها هي المواجهة الفكرية وهو ما تفتقره الحرب ضد الإرهاب في الوقت الحالي.
"حان وقت الفن"
ويقول فراس شمسان، الذي عمل في عدة وسائل إعلامية محلية، إن بداية حملاته التوعوية كانت عام 2006 عندما أسس حملة للتوعية بأضرار التبغ، ونتج عنها اشتراكه مع منظمة الصحة العالمية في العمل على سياسات مكافحة التبغ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تلت تلك الحملة، مؤتمرات وحملات أخرى بينها حملة "حان وقت الفن" بهدف تشجيع المواهب الفنية الشابة في إنتاج محتوى فني، يساهم في مكافحة خطاب الكراهية والعنصرية.
وخلال مسيرته نال على العديد من الجوائز كنموذج "للشباب الناجح".
ويعمل فراس حاليا على إنتاج فلم وثائقي عن أسباب فرار المثقفين والفنانين اليمنيين إلى خارج البلد، فضلا عن إصدار رواية لتوثيق مرحلة النشاط الشبابي في اليمن خلال الفترة 2006 وحتى 2011، وانعكاسات الحرب على الشباب وتفاقم التطرف.
ويقول إن عدم استيعاب عائلته لما يقوم به كان أكبر عائق بالنسبة له "كذلك العوائق التي وضعتها أمامي المنظومة السياسية من خلال عدم منح التراخيص أو محاولة ايقاف الحملات أو عدم تسهيل العمل، وضعف الإمكانات والدعم".
ورغم ذلك، تبقى "تجربة الاعتقال في مصر والإصابة وكذلك تبعات الهجرة والهروب من الحرب الحالية في اليمن"، هي العائق الأكبر"، على حد تعبيره.
لا نية للعودة
وبعد مرور قرابة خمس سنوات على مغادرته اليمن، لا يخطط فراس شمسان للعودة.
ويوضح "للأسف اليمن ليست آمنة بالنسبة لي لأسباب كثيرة أبرزها الصراع الدائر حاليا".
ويختتم شمسان حديثه "كوننا فارين من العنف والتطرف في بلداننا لا يجعلنا أشخاصا مستسلمين وغير منتجين. لدينا أحلام سنحققها، بما فيها مناهضة العنف والإرهاب".