البرام: الدراما اليمنية تعاني من العجز
"في الوقت الذي تركز فيه شركات الإنتاج على تقديم أعمال سينمائية أو أفلام وثائقية ذات مضمون عميق الرؤية كقضايا الإرهاب أو الحروب أو عن مسار أنظمة الحكم، كما في الفيلم اليمني الشهير (أنا نجوم) أو (عشرة أيام قبل الزفة). على الجانب الآخر، هُمشت الدراما اليمنية في التلفزيون وعلى مستوى الإذاعة كذلك"، هذا ما تراه ذكريات البرام، وهي إعلامية وناقدة يمنية بارزة.
وتقول في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "لم نعد نرى على الشاشة الصغيرة سوى أعمال هزلية لا مضمون لها ولا تعكس خصال المجتمع اليمني في قضاياه".
ولا يزال تناول قضايا الإرهاب والتطرف في الدراما اليمنية "متواضعاً وخجولاً"، بالرغم من كون اليمن أحد أكثر البلدان استهدافاً من الجماعات المتطرفة، ومعقلاً رئيساً لأخطر فروع تنظيم القاعدة على الإطلاق.
وتؤكد ذكريات البرام أن غياب التمويل الكافي من أبرز الأسباب التي حالت دون مناقشة قضايا الإرهاب من خلال مسلسلات أو أفلام.
مسلسلات رمضانية
وتشهد الدراما اليمنية في شهر رمضان رواجا واسعا، ويكاد يكون رمضان الموسم الوحيد للدراما في اليمن.
ومن بين المسلسلات الرمضانية لهذا العام لفت انتباه الكاتبة ذكريات البرام، وهي أيضا طالبة أنثروبولوجيا وعلوم دولية في الولايات المتحدة، بعض المسلسلات الجادة.
تقول ذكريات انه على الرغم من بعض مشاكل في المونتاج والقصص والفلاش باك، إلا أن مسلسل "سد الغريب" الذي تبثه قناة "يمن شباب الفضائية" خلال شهر رمضان الحالي يعتبر علامة فارقة في الدراما اليمنية، وجدير بالتسويق على شاشات عربية.
وتوضح "هذا المسلسل يعتبر عودة للدراما التي افتقدناها منذ زمن من خلال مناقشة قضايا الصراع القبلي في اليمن. وعلى الرغم من اقتباس بسيط لتتر المسلسل المشابهة للمسلسل الشهير "Viking" إلا أنه يتميز بطابع يمني ملفت للغاية ويعكس النضج الفني والتقني للعاملين فيه".
وتضيف "كذلك (دار مادار) المسلسل اللطيف على خطى المسلسل الناجح بيت المداليز".
وتوضح الناقدة البرام، أن هذا المسلسل يتميز بأنه كوميدي هادف عن اختلاف وتنوع الأفكار لأبناء البيت الواحد والذي يقصد فيه اليمن ككل.
"يبتعد هذا المسلسل عن العشوائية وسياسة الصراخ المفتعل والمزعج الذي عهدناه، ولعل التقنية الواضحة في التصوير أضافت للعمل رونقًا ووضوحا محببا لدى المشاهد بل وأن الموسيقى والمقاطع الفاصلة بين أجزاء الحلقة الواحدة كان عاملا في شهرته"، تقول البرام.
عصر النهضة الفنية
وتذكر ذكريات البرام إن الدراما اليمنية عاشت -نسبياً- عصراً لا بأس به للنهضة الفنية في بداية الثمانينات (وهي الفترة التي ولدت فيها)، وتم إنتاج عدة أعمال درامية مهمة رغم قلة الإمكانيات وغياب المعاهد الفنية والنقابات التمثيلية والإعلامية، بل كانت تنطوي على ذائقة أدبية رفيعة رغم بساطتها، وهذا ما لم يعلمه جيلنا ولم يدرك حلقاته.
وتضيف "حتى عندما عُرض مسلسل دحباش الشهير (مسلسل كوميدي يمني عرض على فضائية اليمن خلال الفترة 1991 و1993م)، الذي يعتبره البعض منا علامة سوداء، إلا انه كان يناقش قضايا هامة جدا في تلك الفترة كالفقر والبطالة والبحث عن سبل العيش بعد الثورة اليمنية (1962)".
وتوضح البرام أن الأعمال الدرامية اليمنية الجادة وذات المحتوى الفني والفكري تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى مسلسلات كوميدية أقرب للهزلية، مليئة بالصراخ والعويل.
أعمال باهتة
وتؤكد الكاتبة والناقدة أن السبب في غياب قضايا هامة مثل الحروب والإرهاب في الدراما اليمنية ناتج عن قلة الإمكانيات وغياب التمويل الكافي لهذا النوع من الأعمال والتي تحتاج إلى ميزانيات ضخمة.
وتقول البرام، وهي أيضا مؤلفة رواية "ملاذ آدم" المثيرة للجدل على الساحة اليمنية لجرأة طرحها والتي منعت من دخول المملكة العربية السعودية، إن أهم نقاط الضعف لدى الأعمال اليمنية تتمثل في غياب صناعة السيناريو والحوار الذي يعتبر ركيزة لأي عمل فني أيا كان نوعه.
ورغم قصور دور الحكومات اليمنية المتعاقبة في تمويل أعمال درامية ذات جدوى، لا تحبذ ذكريات البرام دعم الحكومة، موضحة "من الأفضل ألا يتكئ الفن حاليا على حكوماته لأنه سيفتقد للإبداع وتعدد الأفكار".
وفي ذات الوقت تلقي باللائمة على قيادات القنوات اليمنية المحلية التي تفتقر للوعي الكافي بقضايا التطرف والإرهاب، على حد تعبيرها.
وتقول إن الأعمال الدرامية التي ينحصر بثها في شهر رمضان "يتم اختيار موضوعاتها بشكل ارتجالي وسريع، فنحصل في الأخير على أعمال باهته وساذجة، لا تعالج قضايا حقيقية ولا تقدم حتى عملاً كوميدياً يضحك الناس".
أهم عوامل تغيير الشعوب
وتؤكد ذكريات البرام أن الفن والدراما من أهم عوامل تغيير الشعوب كما عرفنا في تأريخ النهضة الأوروبية التي اعتمدت على الفنون في نبذ العنصرية وزرع بذور التعايش وتعدد الثقافات والقناعات وساهمت في النقلة النوعية للشعب الأوروبي بكل توجهاته.
مشيرة إلى أن "طموح الشباب في اليمن هو الذي ينقصنا منذ زمن. كذلك تغيير الطابع القبلي الذي يرفض مثل هذه المواهب لأبنائه كالغناء والتمثيل".
وتشدد البرام على ضرورة تحرير القنوات المحلية من الهيمنة الرسمية أو السياسية المطلقة، وعدم تهميش الكوادر الكفؤة، وتوفير مناخ عام يساعد على تطور الفنون والثقافة.