هل الشركس أكثر الأقليات اندماجاً في الشرق الأوسط؟
عندما توجهنا بهذا السؤال لأفراد من الجالية الشركسية في الأردن، كانت لإجابتهم أبعاداً أعمق وأوسع من مجرد "نعم" أو "لا".
عاش أبناء هذا المكون أكثر من 150 عام في دول الشرق الأوسط، لا سيما العراق وسوريا والأردن وصولاً إلى الأراضي الفلسطينية، لكنهم اليوم يتذكرون قضية وقصة حزينة.
ففي القرن التاسع عشر، تعرض 90% منهم للتهجير من مناطقهم في القوقاز شرق البحر الأسود، وذلك بسبب توسع روسيا القيصرية جنوباً. وعمليات التهجير هذه كانت مصحوبة بمذبحة في 1864 راح ضحيتها، وفق الرواية الشركسية، أكثر من مليون شخص. وكان للدولة العثمانية هي الأخرى دورا في تهجيرهم إلى البلقان بعد أن استغلتهم في حروب لصالحها وهجرتهم مرة أخرى باتجاه الجنوب.
ويُعتبر يوم 21 أيار "يوم الحزن الشركسي" الذي يستذكر فيه الشركس حول العالم آلامهم التي أوصلتهم إلى دول عربية وغربية عدة.
وتماماً كالإثنيات والمذاهب المختلفة الأخرى التي تعيش في الشرق الأوسط فهم يتكلمون العربية ويساهمون في الحياة العامة. ولكنهم حافظوا على هويتهم دون الانصهار في المجتمعات التي يعيشون بها أو نسيان الولاء للوطن الأم.
أكثر من "فرق رقص"
من الصعوبات التي يواجهها أي لاجئ أو مغترب إلى بلد آخر هي مدى قدرته على الحفاظ على الهوية.
بالنسبة للشركس في بلدان الشتات، اعتبر الرقص من أبرز جوانب الفلكلور التي نقلها الأجداد إلى الأبناء على مر العصور. وحتى يومنا هذا لا زال أبناء هذا المكون يشاركون بشكل فاعل في معظم مهرجانات الدول العربية ليزينوا المسارح بملابسهم المزركشة وحركاتهم الرشيقة الإيقاعية المتناسقة.
وراء كل رقصة قصة تعبر عن الهوية وشيم الأجداد الذين عاشوا في طبيعة جبلية تختلف تماما عن الهوية العربية. توارثها ساعد الأجيال المتعاقبة على التعرف عليها والتمسك بها.
توارثت الأجيال أيضاً عدد من الأطباق الشركسية للحفاظ على التقاليد والتذكير بهوية الأجداد. تقوم بهذا النشاط فاديا خواج من خلال المطعم الذي افتتحته في عمان. تطهو الأطباق الشركسية وتعرف زبائنها العرب بهذه الأطعمة. وبرأيها من أشهر أطباق الشيبسوباستا والحاليفا.
البداية من الوطن واسمه "شركسيا"
لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد الشركس في العالم، لكن تقديرياً يتراوح عددهم بين 5-8 مليون شخص، حسب مجلة The Economist البريطانية، جميعهم انحدروا من دولة اسمها "شركسيا" شمال القوقاز.
عربياً، يتمركز أكثرهم في الأردن (عددهم يقدر بنحو 125 ألف)، وبأعداد أقل في الدول المجاورة.
ويشرح رئيس المنظمة الشركسية للعودة، عرفان صوقار سطاش، حدود هذه الدولة التي باتت تعرف الآن بثلاث جمهوريات وهي قبردينو-بلقاريا، الأديغة، قرتشاي- شيركسيا، وأبخازيا، جميعها تقع جنوب روسيا الاتحادية.
سكنت في شركيسيا التاريخية 12 قبيلة، يرمز إلى كل منها بنجمة على علم الدولة الأخضر في إشارة إلى خصوبة أراضي المنطقة. ويتكلم أهلها لغة اسمها "الأديغية" المستخدمة في هذه الجمهوريات فقط. أما شركس الشتات، فقلة يتحدثونها أو يعلمونها، باستثناء مدرسة الأمير حمزة في عمان حيث يتعلم فيها الطلاب اللغة وفق منهج معتمد.
وللشركس تقاليد أيضاً حافظوا عليها على مر السنين مثلا تقليد خطف العروس في الزفاف، حيث يتم الاتفاق بين الطرفين على نقل العروس إلى منزل أحد الوجهاء (المدة تتراوح من يوم إلى أيام) حتى يتقدم الشاب إلى أهلها بطلبه في الزواج منها. ويمتنع عن رؤية العروس حتى حصوله على موافقة ذويها.
والنتيجة هي الاندماج بأٍسلوب "مميز"
لا توجد آلية أو طريقة لقياس اندماج الوافدين أو ما يسمى بالأقليات في المجتمعات التي انتقلوا للحياة فيها.
ولكن دراسة لوضع المهاجرين الشركس توصلت إلى أن التهجير الذي تعرضوا له وإعادة التوطين ساهم في تكوين الشخصية الشركسية والتي تفرض نفسها بعلاقاتهم مع المجتمعات التي يعيشون فيها.
أما من وجهة نظر الشركس فقد استطاعوا أن يندمجوا في شخصتين: "نحن أردنيون بالآخر"، قال حميد أبزاح. وهو يقدر أن نسبة اندماجهم في المجتمع الأردني هي 100%، وأنهم أيضأ ساهموا في بناء الدولة الأردنية.
وتؤكد فاديا خواج أيضأ أنها استطاعت تحقيق التوازن بين الهويتين: الشركسية والأردنية على حد سواء، بقولها:
واللافت أيضأ أنه وبرغم الحنين إلى الوطن والاستذكار الدائم لآلام الماضي لم يغادر الشركس المجتمعات التي يعيشون بها إلا في ظروف استثنائية. حيث اضطرت الحرب في سوريا المكون الشركسي هناك إلى الرحيل بحثاً عن الأمان ومستقبل أفضل لهم ولعائلتهم.
ويقدر عدد العائدين إلى مناطقهم جنوب روسيا بـ1200 شخصاً، ليسجلوا هجرة ثالثة ويبدأوا عملية اندماج جديدة مع الوطن الأم الذي طالما عشقوه وحنوا إليه.