بسبب مهنهم.. تعب جسدي وألم نفسي
يشعر عبد الله، وهو شاب عراقي يعمل عتالا (حمالا) بمرارة وألم بسبب مهنته التي لا تتلاءم مع تحصيله الدراسي.
يتقدم عبد الله بخطى يائسة نحو عمله بملابس رثة يكسو وجهه الخجل، خصوصا وأنه قد تخرج من كلية الآداب قبل سنوات.
يأخذ نفسا عميقا ليواجه يوما صعبا مليء بالأحمال الثقيلة، ويعتمد أغلب الأحيان على عربة يضع فيها حاجيات المتبضعين من "سوق باب السراي"، أكبر أسواق الموصل وأقدمها، لنقلها إلى منازلهم أو مركباتهم.
يقول الشاب الثلاثيني "اخجل من عملي لكن ليس باليد حيلة فأنا صاحب عائلة ولم أحظى بفرصة عمل، لا حكومية ولا غيرها".
ويضيف في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "لست الوحيد الذي يخجل من عمله فهناك صديق لي يعمل خبازا وهو الأول على دفعته في كلية التربية الأساسية، بالرغم من مكانة المعلم عالميا يجد صديقي يوسف نفسه أسيرا لهذا العمل الذي لم يجد غيره ليعينه على الظروف المعيشية القاسية ولاسيما أنه أب لأربعة أطفال".
ويتابع عبد الله "أتمنى أن تفعل الحكومة خطط استثمارية قادرة على فتح المجال للعاطلين، وخصوصا خريجي الجامعات، ليجدوا فرص عمل تليق بهم".
معاملة الناس
من جانبه، يخجل الطفل عبيدة عامر من أقرانه في المدرسة بسبب مهنة والده الذي يعمل في جمع النفايات (زبال).
عامر (33 عاما) يعمل منذ سبع سنين في هذه المهنة التي انهكته ورسمت على وجهه ملامح البؤس والتعب.
تجاوز مرحلة الخجل بعدما أصبح عمله أمرا اعتياديا يدر عليه ما يسد حاجته للعيش.
يتحدث عامر عن تركه للدراسة في ريعان شبابه لأن الأعمال الإرهابية خطفت حياة والده ليجد نفسه مقحما في معترك الحياة المحفوفة بالصعوبات، ناهيك عن عدم الحصول على فرصة عمل كريمة بدل عمله الحالي.
يقول عامر لموقعنا، "تتفاوت معاملة الناس لي بين من يعطف عليّ وبين من يحتقرني وينضر إلي نضرة دونية، وكأني أنا من اختار لنفسه أن يعيش زبالا ولا يفكر بأني أنا من أرفع قذارته".
مصطلح عنصري
ومهنة العتال أو الحمال وعامل النظافة وغيرها الكثير تعد مهن محتقرة من قبل فئات واسعة من المجتمع العراقي، مثل مهن أخرى محتقرة في مختلف البلدان العربية.
يقول عبد الكريم محمد، إن الشباب الذين يعملون "مزينين" أساءوا ويسيئون لأسرهم ومجتمعهم.
و"المزين" أو "المزاينة"، مصطلح عنصري تمييزي يطلقه بعض اليمنيين على شرائح من المواطنين والفئات التي تقوم ببعض الخدمات، كالحلاقين والجزارين والخدم، وذوو البشرة السوداء، والمغنين في الأفراح وغيرها.
ان عبد الكريم يخاطب بذلك مجموعة من أصدقائه، تعليقاً على شبان من ذات منطقته الريفية التابعة لمحافظة تعز (جنوبي غرب اليمن)، انخرطوا حديثا بالعمل في مهنة الحلاقة (قصات الشعر)، في مدينة عدن جنوبي اليمن.
ويضيف الرجل "أشعر بالخجل عندما أسمع شخصاً من صنعاء يحقر أبناء تعز وإب (وسط اليمن) كونهم يعملون حلاقين وخبازين في المطاعم وفي مهن أخرى".
ويعلق مروان المغربي، وهو أكاديمي يمني متخصص في علم الاجتماع، "لأنها مهن تخدم آخرين اعتبرت محتقرة، وبالتالي احتقر هؤلاء، وبموجبه احتلوا موقعاً متدنياً في السلم الاجتماعي اليمني".
وفقد مئات آلاف اليمنيين أعمالهم بسبب الحرب المستمرة في بلادهم منذ أكثر خمس سنوات، ولا يحظى الشباب بفرص عمل إلا نادرا.
وبات ملايين السكان على شفا المجاعة، فيما تسبب النزاع أيضا بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حسب توصيف الأمم المتحدة.
العيب أن نسرق
يعمل محمد نصر (20 عاما)، حلاقا في مدينة عدن، ويرد على منتقدي مهنته "هذا استحقار واضح. أنا سعيد بهذا العمل، لكن هذا التحقير يزعجني".
ويضيف "أعمل في هذه المهنة منذ ثلاث سنوات ونجحت من خلالها في الإنفاق على أسرتي. هذا العمل هو الوحيد الذي أجيده".
يكسب محمد من الحلاقة بمعدل يومي على 5 آلاف ريال (8.3 دولار أميركي)، وهو مستمر بدراسته الجامعية.
ويقول "المهم أنني أعيش من هذا العمل ليس مهماً ما يقوله الآخرين عني، نحن الشباب أكثر المتضررين من الوضع القائم في اليمن"، مضيفا "العيب أن نسرق أو نستسلم للظروف الصعبة، فالعمل ليس عيباً والجلوس دون عمل سيصيبني بأزمة نفسية".
مرض نفسي
ويعتبر مروان المغربي، وهو باحث اجتماعي يمني من ينظر إلى هذه المهن وغيرها باحتقار، "لديه بالفعل مرض نفسي، لأنه يستجيب لضغوط المجتمع ببعض القيم الرذيلة".
ويوضح لـ(ارفع صوتك) أن من الأسباب التي تجعل الأشخاص يحتقرون بعض المهن، هي "التنشئة الاجتماعية الخاطئة، وهذا بدوره يتعارض مع قيم الإسلام التي تدعو إلى المساواة".
ويرى الباحث الاجتماعي أن تراجع القيم الإيجابية في بعض المجتمعات العربية، حيث العنصرية والعيب الاجتماعي، طغى على معاملات الناس اليومية، "ووصل الأمر إلى عدم قبول التزاوج بين طبقة وأخرى"، على حد تعبيره.
مشيرا إلى أن الحكومات المتعاقبة في هذه البلدان لم يكن لها أي دور في محاربة هذا الجانب، وإحداث تغيير اجتماعي حقيقي.
وبحسب المغربي فأن هناك العديد من الخطوات التي يجب اتخاذها للحد من هذه الظاهرة، وإنشاء جيل جديد يتقبل الآخر، يوضحها بقوله "بدءاً بإصلاح منظومة التعليم، وتضمين المناهج الدراسية مواضيع تحارب العنصرية واحتقار الآخر، وتنمي مشاعر التعايش والتضامن، إضافة إلى تفعيل دور الأسرة والمجتمع والمسجد في إذكاء هذه القيم".