العالم

بسبب مهنهم.. تعب جسدي وألم نفسي

غمدان الدقيمي
29 مايو 2020

يشعر عبد الله، وهو شاب عراقي يعمل عتالا (حمالا) بمرارة وألم بسبب مهنته التي لا تتلاءم مع تحصيله الدراسي.

يتقدم عبد الله بخطى يائسة نحو عمله بملابس رثة يكسو وجهه الخجل، خصوصا وأنه قد تخرج من كلية الآداب قبل سنوات.

يأخذ نفسا عميقا ليواجه يوما صعبا مليء بالأحمال الثقيلة، ويعتمد أغلب الأحيان على عربة يضع فيها حاجيات المتبضعين من "سوق باب السراي"، أكبر أسواق الموصل وأقدمها، لنقلها إلى منازلهم أو مركباتهم.

يقول الشاب الثلاثيني "اخجل من عملي لكن ليس باليد حيلة فأنا صاحب عائلة ولم أحظى بفرصة عمل، لا حكومية ولا غيرها".

ويضيف في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "لست الوحيد الذي يخجل من عمله فهناك صديق لي يعمل خبازا وهو الأول على دفعته في كلية التربية الأساسية، بالرغم من مكانة المعلم عالميا يجد صديقي يوسف نفسه أسيرا لهذا العمل الذي لم يجد غيره ليعينه على الظروف المعيشية القاسية ولاسيما أنه أب لأربعة أطفال".

ويتابع عبد الله "أتمنى أن تفعل الحكومة خطط استثمارية قادرة على فتح المجال للعاطلين، وخصوصا خريجي الجامعات، ليجدوا فرص عمل تليق بهم".

معاملة الناس

من جانبه، يخجل الطفل عبيدة عامر من أقرانه في المدرسة بسبب مهنة والده الذي يعمل في جمع النفايات (زبال).

عامر (33 عاما) يعمل منذ سبع سنين في هذه المهنة التي انهكته ورسمت على وجهه ملامح البؤس والتعب.

تجاوز مرحلة الخجل بعدما أصبح عمله أمرا اعتياديا يدر عليه ما يسد حاجته للعيش.

يتحدث عامر عن تركه للدراسة في ريعان شبابه لأن الأعمال الإرهابية خطفت حياة والده ليجد نفسه مقحما في معترك الحياة المحفوفة بالصعوبات، ناهيك عن عدم الحصول على فرصة عمل كريمة بدل عمله الحالي.

يقول عامر لموقعنا، "تتفاوت معاملة الناس لي بين من يعطف عليّ وبين من يحتقرني وينضر إلي نضرة دونية، وكأني أنا من اختار لنفسه أن يعيش زبالا ولا يفكر بأني أنا من أرفع قذارته".

مصطلح عنصري

ومهنة العتال أو الحمال وعامل النظافة وغيرها الكثير تعد مهن محتقرة من قبل فئات واسعة من المجتمع العراقي، مثل مهن أخرى محتقرة في مختلف البلدان العربية.

يقول عبد الكريم محمد، إن الشباب الذين يعملون "مزينين" أساءوا ويسيئون لأسرهم ومجتمعهم.

و"المزين" أو "المزاينة"، مصطلح عنصري تمييزي يطلقه بعض اليمنيين على شرائح من المواطنين والفئات التي تقوم ببعض الخدمات، كالحلاقين والجزارين والخدم، وذوو البشرة السوداء، والمغنين في الأفراح وغيرها.

ان عبد الكريم يخاطب بذلك مجموعة من أصدقائه، تعليقاً على شبان من ذات منطقته الريفية التابعة لمحافظة تعز (جنوبي غرب اليمن)، انخرطوا حديثا بالعمل في مهنة الحلاقة (قصات الشعر)، في مدينة عدن جنوبي اليمن.

ويضيف الرجل "أشعر بالخجل عندما أسمع شخصاً من صنعاء يحقر أبناء تعز وإب (وسط اليمن) كونهم يعملون حلاقين وخبازين في المطاعم وفي مهن أخرى".

ويعلق مروان المغربي، وهو أكاديمي يمني متخصص في علم الاجتماع، "لأنها مهن تخدم آخرين اعتبرت محتقرة، وبالتالي احتقر هؤلاء، وبموجبه احتلوا موقعاً متدنياً في السلم الاجتماعي اليمني".

وفقد مئات آلاف اليمنيين أعمالهم بسبب الحرب المستمرة في بلادهم منذ أكثر خمس سنوات، ولا يحظى الشباب بفرص عمل إلا نادرا.

وبات ملايين السكان على شفا المجاعة، فيما تسبب النزاع أيضا بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حسب توصيف الأمم المتحدة.

العيب أن نسرق

يعمل محمد نصر (20 عاما)، حلاقا في مدينة عدن، ويرد على منتقدي مهنته "هذا استحقار واضح. أنا سعيد بهذا العمل، لكن هذا التحقير يزعجني".

ويضيف "أعمل في هذه المهنة منذ ثلاث سنوات ونجحت من خلالها في الإنفاق على أسرتي. هذا العمل هو الوحيد الذي أجيده".

يكسب محمد من الحلاقة بمعدل يومي على 5 آلاف ريال (8.3 دولار أميركي)، وهو مستمر بدراسته الجامعية.

ويقول "المهم أنني أعيش من هذا العمل ليس مهماً ما يقوله الآخرين عني، نحن الشباب أكثر المتضررين من الوضع القائم في اليمن"، مضيفا "العيب أن نسرق أو نستسلم للظروف الصعبة، فالعمل ليس عيباً والجلوس دون عمل سيصيبني بأزمة نفسية".

مرض نفسي

ويعتبر مروان المغربي، وهو باحث اجتماعي يمني من ينظر إلى هذه المهن وغيرها باحتقار، "لديه بالفعل مرض نفسي، لأنه يستجيب لضغوط المجتمع ببعض القيم الرذيلة".

ويوضح لـ(ارفع صوتك) أن من الأسباب التي تجعل الأشخاص يحتقرون بعض المهن، هي "التنشئة الاجتماعية الخاطئة، وهذا بدوره يتعارض مع قيم الإسلام التي تدعو إلى المساواة".
ويرى الباحث الاجتماعي أن تراجع القيم الإيجابية في بعض المجتمعات العربية، حيث العنصرية والعيب الاجتماعي، طغى على معاملات الناس اليومية، "ووصل الأمر إلى عدم قبول التزاوج بين طبقة وأخرى"، على حد تعبيره.

مشيرا إلى أن الحكومات المتعاقبة في هذه البلدان لم يكن لها أي دور في محاربة هذا الجانب، وإحداث تغيير اجتماعي حقيقي.

وبحسب المغربي فأن هناك العديد من الخطوات التي يجب اتخاذها للحد من هذه الظاهرة، وإنشاء جيل جديد يتقبل الآخر، يوضحها بقوله "بدءاً بإصلاح منظومة التعليم، وتضمين المناهج الدراسية مواضيع تحارب العنصرية واحتقار الآخر، وتنمي مشاعر التعايش والتضامن، إضافة إلى تفعيل دور الأسرة والمجتمع والمسجد في إذكاء هذه القيم".

غمدان الدقيمي

مواضيع ذات صلة:

العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(
العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(

فرضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، عقوبات على شبكة لبنانية تتهمها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل جماعة حزب الله اللبنانية.

وذكرت وزارة الأميركية في بيان على موقعها الإلكتروني أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 3 أفراد و5 شركات وسفينتين متورطين في تهريب النفط والغاز البترولي المسال لتوليد الإيرادات لحزب الله.

وأوضح البيان أن الشبكة، التي تتألف من رجال أعمال وشركات لبنانية ويشرف عليها أحد كبار قادة فريق تمويل حزب الله، سهلت شحن عشرات شحنات الغاز البترولي المسال إلى حكومة سوريا، ووجهت الأرباح إلى حزب الله.

وأشارت إلى أن العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز البترولي المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله، وتدعم الأنشطة الإرهابية للمجموعة.

وقال وكيل وزارة الخزانة بالوكالة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي سميث: "يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتأجيج الاضطراب الإقليمي، ويختار إعطاء الأولوية لتمويل العنف على رعاية الأشخاص الذين يدعي أنه يهتم بهم، بما في ذلك عشرات الآلاف من النازحين في جنوب لبنان".

وأضاف: "وستواصل وزارة الخزانة تعطيل شبكات تهريب النفط وغيرها من شبكات التمويل التي تدعم آلة الحرب التابعة لحزب الله".

وصنفت وزارة الخارجية الأميركية حزب الله جماعة إرهابية في 31 أكتوبر 2001.

وذكرت وزارة الخزانة في بيانها أنها اتخذت إجراءات متسقة لاستهداف الأفراد المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات تمويل حزب الله التي توفر عائدات بالغة الأهمية للمنظمة.

ووفقا للبيان، من بين المسؤولين البارزين في حزب الله المشاركين في هذه الجهود محمد قصير، ومحمد قاسم البزال، اللذين يديران قناة لنقل غاز البترول المسال ومشتقات النفط الأخرى نيابة عن حزب الله ويتلقيان مدفوعات مباشرة مقابل بيعها.

وفي 15 مايو 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قصير لعمله لصالح حزب الله أو نيابة عنه كقناة أساسية للصرف المالي من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.

وفي 20 نوفمبر 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية البزال، أحد شركاء قصير، لدعمه لحزب الله.

كما اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية سلسلة من الإجراءات التي تستهدف عمليات تهريب النفط لحزب الله، بما في ذلك إجراء في 31 يناير 2024 استهدف شبكة حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي التي حققت إيرادات بمئات الملايين من الدولارات من خلال بيع السلع الإيرانية بما في ذلك النفط، ومعظمها للحكومة السورية.

وأوضح البيان أن الشبكة التي تم تصنيفها اليوم تشمل مسؤولًا آخر رفيع المستوى في فريق تمويل حزب الله، ورجلي أعمال لبنانيين يوفران واجهة مشروعة على ما يبدو لتسهيل جهود حزب الله في تهريب النفط. وسهلت هذه الشبكة عشرات شحنات غاز البترول المسال إلى حكومة سوريا، بالعمل مع المسؤول في النظام السوري ياسر إبراهيم، الذي أدرجته وزارة الخارجية في 20 أغسطس 2020 لدوره في صفقات تجارية فاسدة استفاد منها الرئيس السوري الأسد.

وأشار البيان إلى أنه اعتبارًا من أواخر عام 2023، تولى المسؤول في حزب الله، محمد إبراهيم حبيب السيد، مسؤولية بعض الأعمال التجارية لحزب الله من البزال. وسافر السيد سابقًا مع البزال إلى جنوب شرق آسيا لتنسيق صفقات النفط المحتملة في المنطقة لفريق تمويل حزب الله. كما عمل كمحاور بين البزال ورجل الأعمال اللبناني علي نايف زغيب بشأن مشروع نفطي في موقع مصفاة في الزهراني بلبنان.

ووفقا لبيان الوزارة، فمنذ أواخر عام 2019 على الأقل، قدم زغيب، الخبير في كيمياء البترول، المشورة والمساعدة لفريق التمويل التابع لحزب الله خلف الكواليس، والتقى مع القصير والبزال لتنسيق أنشطتهم. وبصفته عضوًا في شبكة تهريب النفط التابعة لحزب الله، أمّن زغيب خزانات لتخزين، ربما النفط، نيابة عن حزب الله.

وأكد البيان أن القصير والبزال باعتبارهما من كبار مسؤولي حزب الله، حققا ربحًا من صفقات الغاز البترولي المسال مع زغيب الذي التقى بنائب لبناني واحد على الأقل تابع لحزب الله لمناقشة تمويل مشاريع النفط التابعة لحزب الله. كما نسق الزغيب مع ممول حزب الله، محمد إبراهيم بزي، بشأن المفاوضات التجارية. وفي 17 مايو 2018، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بزي لدعمه حزب الله.

كما يشارك رجل الأعمال اللبناني بطرس جورج عبيد في صفقات الطاقة لحزب الله، ويملك بشكل مشترك العديد من الشركات مع زغيب، بحسب البيان.

ولذلك لفت البيان أنه تم إدراج السيد وزغيب وعبيد لمساعدتهم ماديًا أو رعايتهم أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لحزب الله أو لدعمه.

كما أدرجت وزارة الخزانة الشركة الأوروبية اللبنانية للتجارة الدولية التي يمثلها البزال وكانت مسؤولة عن عشرات شحنات غاز البترول المسال، التي قامت بها نقالات غاز البترول المسال "ألفا" و"مارينا" إلى ميناء بانياس في سوريا لصالح شركة "حقول"، والتي تم تصنيفها في 4 سبتمبر 2019 لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة البزال.

وأوضحت الوزارة أن البزال استخدم شركة "إليت" لتغطية نفقات التشغيل لشركتي تشغيل السفن "ألفا، ومارينا"، وبناء على ذلك، تم إدراج كل من "إليت" و"ألفا" و"مارينا" كممتلكات لحزب الله مصلحة فيها.