روائي يمني: تغلبت على الحرب بالكتابة
دمرت الحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من خمس سنوات ظروف الكتابة نفسها، وقضت على الموارد المالية للكتاب الروائيين، وبينهم وليد دماج، وهو روائي يمني، حيث أغلقت عليه الحرب البحث في قضية أو موضوع الرواية.
لكن دماج (47 عاما) الذي كتب حتى الآن أربع روايات اثنتان منها خلال فترة الحرب الحالية، نجح في مقاومة ظروف الأخيرة.
"كان البال منشغل ومشوش والقلب يقطر قلقا، في الكثير من الأحيان بسبب الحرب، إلا أن للرواية قدرتها على استلاب الكاتب وتحييده عن كل ما يشغله عنها، وهذا ما حدث لي أثناء كتابة روايتي وقش وأبو صهيب العزي واللتان بدأت بكتابتهما وأتممتهما تماما أثناء الحرب"، يقول وليد دماج، وهو أب لثلاثة أطفال.
ويوضح في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "الكتابة في زمن الحرب تعني لي أنني ممن تمكنوا من التغلب على هذه الحرب، التي قلبت حياتنا رأسا على عقب، وكان الكتاب والمبدعون الأكثر تضررا منها".
بدأت علاقة وليد، الذي ينحدر من أسرة سياسية وأدبية عريقة، بالأدب منذ فترة مبكرة في حياته، وكان قارئا نهما لكل ما يقع تحت يديه من كتب.
معتمدا على مكتبة أبيه ومكتبات أخرى يملكها كبار الأسرة في منازلهم.
تأثر كثيرا ببعض الأعلام الأدبية المعروفة، من ضمنهم الروائي والقاص زيد مطيع دماج، وأحمد قاسم دماج، الشاعر ورئيس اتحاد الأدباء اليمنيين لفترات طويلة، والدكتور عبد العزيز المقالح، والشاعر البردوني، والقاص محمد عبد الولي، وغيرهم على المستوى المحلي.
يقول وليد دماج، وهو خريج بكالوريوس تخصص محاسبة من جامعة صنعاء عام 1996، "كنت أقرأ ولا أمل، أوفر من مصروفي لكي اشتري قصة أو لغز التهمه التهاما. أخدع والدي متظاهرا أنني أستذكر دروسي، وأضع رواية من روايات الجيب وسط الكتاب، وأستغرق في القراءة".
كانت فرحتي غامرة
في أواخر صيف 2009 جاءت فكرة روايته الأولى "ظلال الجفر"، التي صدرت طبعتها الأولى عام 2013، عن دار الآداب اللبنانية، وطبعتها الثانية عن دار أروقة في مصر عام 2015.
وهذه الرواية تبحث في كتاب الجفر المنسوب لعلي ابن أبي طالب، والذي يقال إنه يحوي علم الدنيا والدين.
شارك وليد بهذه الرواية في جائزة دبي الثقافية للعام 2011، وفازت بالجائزة، وذاع صيتها لدى الكثير من المهتمين بالرواية.
ويوضح الكاتب "كانت فرحتي غامرة كونها تجربتي الأولى وتفوز وكانت حافزا كبيرا لي للاستمرار في الكتابة الروائية. كما أنها أبرزتني كأحد كتاب الرواية في اليمن من العمل الأول".
لاحقا صدر لوليد رواية "هم" عن دار أروقة في مصر العام 2015، وطبعتها الثانية عن نفس الدار العام 2020.
وأبحر وليد في هذه الرواية في عالم الجنون أو المفارقة كما أسماه، "بقيت في مصحة عقلية لعدة أيام، أعيش فيها بين المفارقين، حتى ظننت أني تمكنت من تمثل حالة الكثير منهم"، يؤكد دماج.
الإرهاب والحرب
وخلال فترة الحرب الحالية في اليمن صدر لوليد دماج روايتي "أبو صهيب العزي" صدرت عن دار أروقة عام 2019، ورواية "وقش" صدرت عن دار الجزائر عام 2019.
وثق دماج في رواية وقش تاريخ فرقة "المطرفية المعتزلية" في اليمن، التي ظهرت وانتشرت في القرن الثالث والرابع والخامس الهجري.
وكانت الفرقة تعتبر نفسها حاملة فكرة المذهب الزيدي الصحيح في اليمن، قبل أن تنقسم الزيدية إلى مطرفية معتزلية، ومخترعة جارودية، وحسينية منتظرية، تؤمن بأن الحسين بن قاسم العياني المقتول في ريدة (شمال صنعاء) إماما غائبا.
ويوضح دماج أن "الكثير ممن قرأ الرواية التي يمتزج فيها التاريخ بالخيال، مستطلعا أحداث تلك الحقبة الزمنية من تاريخ اليمن، يجد الكثير من أحداثها ووقائعها تتشابه مع ما يحدث الٱن. وكأن التاريخ اليمني مجبول على التكرار، تكرار المآسي والحروب، وإعادة إنتاج أسباب متشابهة في كل مرة".
وفي روايته "أبو صهيب العزي"، التي كتبها خلال العام 2018 أثناء تواجده في عدن والقاهرة، حاول دماج استنطاق الواقع الحالي لليمن والأسباب والخلفيات.
"هي رواية مفتوحة، لأنها تخوض في موضوع الإرهاب والحرب الحالية القائمين في اليمن. ومحاولة لاستقراء أسباب ما يحدث من انقلابات، والخوض في أفكار بعض المذاهب والتيارات المتصارعة على الساحة: السلفية والحوثية والبهائية والأحمدية والعلمانية وغيرها".
"21 سبتمبر الكارثي"
وخلال كتابته في فترة الحرب واجه دماج العديد من العقبات أبرزها النزوح.
يقول دماج إن "أي حرب هي دليل على عدم جدوى وسائل السياسة، في اليمن كان انقلاب 21 سبتمبر الكارثي (سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 أيلول 2014) هو حرب على فكرة الجمهورية (1962) وعلى فكرة الوئام المجتمعي".
ويضيف "صرنا بيادق بيد غيرنا، بينما كان لابد من انقاذ الشرعية اليمنية ومشروع اليمن الجديد بحسب الرؤية التي تمخضت عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل (2013- 2014)، ودون ذلك سنظل ندور في أتون حرب أهلية لا تنتهي".
صعوبات
وعن الصعوبات التي تواجه الكاتب الروائي في اليمن فهي "كثيرة ومتشعبة" على حد تعبير دماج.
أهمها، عدم وجود أي رعاية ودعم مادي أو معنوي للكاتب سواء من الدولة أو من القطاع الخاص أو حتى من جمهور الأدب نفسه.
ورغم قلة القراء والمهتمين بالإبداع الروائي، لكنه يعتقد في المقابل أن قراء الرواية في اليمن هم الأكثر من بين قراء الأجناس الأدبية الأخرى ويتزايد عددهم باضطراد.
يقول دماج إن الرواية في اليمن "تمر بما يمكن تسميته بثورة روائية، إذ أن أعدادا كبيرا من الكتاب اتجهوا نحو الكتابة الروائية وإن كان الأمر غير مصحوب بحركة نقدية موازية".
"لا تؤكل عيش"
ويوضح دماج أن الكتّاب في اليمن لا يحصلون غالبا على شيء مقابل مبيعات رواياتهم، بل وفي الكثير من الأحيان يدفع الكاتب لدار النشر مقابل الطبع، باستثناء القلة والمحظوظ من الكتاب من يجد دار نشر تطبع له في مقابل أن يتنازل لها عن أي حقوق مادية أخرى.
ويتابع "لذا سنظل متخلفين في مجال الرواية فالكاتب يخسر ماديا، ما يجعل الحافز المادي معدوما، ويغيب الاحتراف. الكتابة لدينا لا تؤكل عيش، ما يخلق الاحباط في نفس الكاتب الذي يتجه للعمل في مجالات أخرى تحقق له الأمان المادي".
وقال إن كتاب الرواية في اليمن قليلون جدا ورغم ذلك "لا يحظون بأي دعم، ودور النشر تسلبهم حقهم من المبيعات، لذا يأتي الروائي اليمني في أسفل القائمة من بين الكتاب العرب".