معتقدات وتقاليد يمنية قديمة.. هل ما زالت قائمة؟
تواظب اليمنية ليلى (55 عاما) حتى اليوم على تقديم النذور والسمن البلدي والشموع إلى ضريح الشيخ "المعشر" في عزلتها الريفية التابعة لقضاء الحجرية، اعتقادا منها "لما يتمتع به صاحب الضريح من قدرات وكرامات خارقة".
و"المعشر"، هو أحد أعلام الصوفية الذين تنتشر اضرحتهم على هيئة قباب في كثير من مناطق جنوبي وشرقي اليمن.
ولايزال عدد غير قليل من هذه الأضرحة خصوصا في محافظتي تعز وحضرموت تشكل مزارا لكثير من اليمنيين الذين يحيطونها بهالة من القدسية والطقوس الصوفية المتوارثة منذ مئات السنين.
وبصورة عامة، لا تختلف هذه الطقوس كثيرا عن الموالد والطقوس الفردية والجماعية السائدة التي تقام بالمزارات الصوفية في عدد من الدول العربية الأخرى، مثل مزار الإمام الصوفي "أحمد الرفاعي" في مصر، ومزار السيدة منوبية الصوفي الشهير في تونس، ومرقد الإمام "عبد القادر الكيلاني" في العراق.
تقول ليلى "نقيم له الموالد ونتهدى له حتى بالأشياء الثمينة والحيوانات لأنه يستطيع معالجة كثير من الأمراض وطرد الجن (الأرواح الشريرة)، ونحن نؤمن بذلك".
وتوضح لموقع (ارفع صوتك) إنه في حال نذر شخص ما لهذا الشيخ بأي نذر ولم يوف به يصاب بلعنة وتلحق به أشياء سيئة.
وهذه واحدة من بين عادات وتقاليد يمنية قديمة كثيرة، ما زال بعض اليمنيين يعتقدون بها ويمارسونها، رغم انحسارها في غالبية مناطق البلاد بفعل تغير الثقافات وانتشار التعليم والتطور في مجال الصحة.
حفلا دينيا سنويا
في منطقة المقاطرة التابعة لمحافظة "لحج" جنوبي اليمن، كان الرجال والنساء يتوافدون على ضريح الشيخ "ثابت" حتى وقت قريب طلبا للشفاء من العقم والأمراض المستعصية وطرد الأرواح الشريرة، بحسب اعتقادهم.
يقول فؤاد المقطري، وهو صحافي يمني "كان الرجال يقيمون له حفلا دينيا سنويا يسمى الجمع، حيث يتوافدون إلى هنا (موقع الضريح) من عدة مناطق وفقا لأعراف وتقاليد صارمة على وقع دقات الطبول وهم يحملون البيارق والرايات الخضراء والسوداء وينشدون تواشيح دينية خاصة بالمناسبة".
ويؤكد المقطري لموقع (ارفع صوتك)، "كان هذا اليوم بمثابة عيد للأطفال، وهو كذلك للتجار الذين يجدون فيه فرصة لترويج بضائع غير مألوفة، خصوصا للأطفال في المنطقة".
للتنفس والاستراحة
والأسبوع الماضي، أطلق ناشطون يمنيون على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك جروب تحت وسم "معتقدات وتقاليد يمنية قديمة".
يهتم الجروب الذي شهد تفاعلا كبيرا، بالمعتقدات والتقاليد اليمنية القديمة المرتبطة بالموروث الشعبي من أمثال ومعتقدات وخرافات لا يزال يؤمن بها البعض حتى اليوم.
وخلال أقل من أسبوع تجاوز عدد أعضاء الجروب 20 ألف عضو، بينهم إعلاميون وسياسيون ومسؤولون حكوميون وجدوا فيه ضالتهم للتنفس والاستراحة.
وعزا البعض هذا التفاعل الكبير إلى "محاولة اليمنيين الهروب من أخبار الحرب والسياسة والموت في زمن الكورونا".
أمثله أخرى
ومن المفارقات أن طائر الوطواط أو "الخفاش"، والذي بات على لائحة الاتهام عالمياً بتصدير وباء كورونا، كان جناحاه في بعض المناطق اليمنية جزءا المعتقدات.
ونشر عضو في الجروب أن الأمهات كنّ إلى وقتٍ قريب، يذهبن بأطفالهن حديثي الولادة إلى وادٍ في وقت الغسق، حيث يقمن بعد الامساك بخفاش بصب الماء على جناحه وسقي الطفل من قطراته المتساقطة من الجناح اعتقادا منهن بان ذلك يكسب الطفل "الذكاء".
لكن، لم يعد هذا الاعتقاد، على ندرته وغرابته، سائداً اليوم.
وعادة أخرى كانت سائدة في بعض المناطق اليمنية، إذا طفل اشتكى من ألم في اذنه، يتم أخذه إلى امرأة مرضعة أخرى غير امه لتقطر له من حليبها في الاذن التي تؤلمه، حيث أكد بعض المعلقين بأنها كانت طريقة ناجعة في التخلص من الألم.
وفي مديرية يريم جنوبي صنعاء، كانت المرأة التي لا تنجب تذهب إلى مكان يسمى "الطحسوس"، وهي عباره عن صخرة كبيرة سوداء وملساء تقوم المرأة بخلع بنطلونها والتزحلق فوق هذه الصخرة عدة مرات، ثم تعود للنوم مع زوجها، وإذا حصل الحمل يطلقون على المولود إبن الطحسوس، كما نشر أحد المشاركين في الجروب.
في تهامة غرب اليمن، وتحديدا في عبس بمحافظة حجة، كان الناس يهرعون أثناء الصواعق الرعدية وهطول المطر إلى خلع أي ملابس تحتوي على اللون الأحمر، لاعتقادهم أن اللون الأحمر يجذب البرق.
التخلف والجهل
إلى ذلك يقول الصحافي فؤاد المقطري "في معظم المناطق اليمنية لم تعد هذه العادات سائدة الآن، بفعل تغير الحال والزمن وانتشار التعليم والتطور المحدود في مجال الرعاية الصحية".
ويرى المقطري أن الجهل والتخلف كان السبب في تفشي هذه العادات، "كان الاعتقاد راسخا بالسحر والشعوذة والأرواح الشريرة، وعلى أساس هذا التفكير الخرافي كان يتم تفسير الظواهر والأمراض المزمنة والمستعصية".
غياب الدولة
من جانبه، يقول مروان المغربي، وهو باحث اجتماعي يمني، إن السبب الرئيسي لمثل هذه الاعتقادات الخاطئة هو "غياب الدولة بمفهومها الشامل".
ويوضح لموقع (ارفع صوتك)، "إذا انهارت الدول تنهار معها المنظومة التعليمية ويتراجع العلم، وتنهار المؤسسات الطبية وتعم الفوضى ويستبدل العلم بالخرافات والطب بالشعوذة".
ويعتبر المغربي أن زعماء القبائل والتيارات الدينية هم أول المنظرين للفوضى وان العامة تتبعهم لزعامتهم "ولا أستبعد تكرار مثل هذه العادات في أي مكان من العالم في حال غابت الدولة لعقود".