مشردو اليمن.. لا سكن ولا حماية من كورونا
أمام خيمة بلاستيكية ممزقة مدعّمة ببعض الأحجار في جوانبها برصيف شارع رئيس شمالي العاصمة اليمنية صنعاء، جلس سعد سالم وأطفاله الأربعة يترقبون من يأتي ليقدم لهم المساعدة.
يقطن سعد مع أسرته، منذ أكثر من أربعة أعوام في هذا المكان، بعدما أجبرته ظروف الحرب على العيش في الشارع.
"ليس بمقدورنا استئجار شقة"، يقول سعد (50 عاما) الذي أضطر للانتقال إلى العاصمة صنعاء، من مدينة تعز جنوبي غرب اليمن منتصف العام 2015، على أمل الحصول على فرصة عمل ووضع معيشي أفضل.
ويضيف في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "تمر علينا أياما صعبة ونحن نعيش هنا على الرصيف أيام الأمطار في الشتاء والحر في الصيف، الموت أفضل من هذه العيشة".
حياة مهدورة
لا يكترث رب الأسرة لاحتمال إصابته أو أحد أطفاله بفيروس كورونا، ويقول إن الجائحة لن تشكل فارقا في حياته المنذورة للتشرد، فهو يضطر لمخالطة الناس على الدوام، الأمر الذي يضعه في مواجهة الخطر بشكل دائم، لكنه لا يبدي اهتماماً حيال الأمر.
ويواصل سعد ممارسة عمله في تجميع علب البلاستيك وبيعها، وهي مهنة ابتدعها لنفسه منذ أن وعى على مصيره كمشرد ملقى في الشارع، تدر عليه دخلاً يومياً بسيطاً يأتيه، لكن شرط البقاء هذه، تضعه وغيره من المشردين في صنعاء وباقي المدن أمام خطر الإصابة المحدق بكورونا.
ودفع الصراع الدامي في اليمن، وتداعياته الإنسانية والاقتصادية المدمرة الكثير من اليمنيين إلى افتراش أرصفة الشوارع واتخاذ حيطان بعض المنازل مساكنا لهم، في بلد تقول الأمم المتحدة إنه يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ، مع ارتفاع أعداد السكان الذين يعانون من "ضائقة غذائية"، إلى نحو 24 مليونا.
نقص الغذاء
قبل نزوحه إلى العاصمة صنعاء، كان سعد سالم يعمل حمالاً في سوق شعبي غربي مدينة تعز، حيث يجني قليلا من المال الذي يسد به رمق أسرته الصغيرة.
يقول الرجل ذو البشرة السوداء، والذي تبدو على وجهه ملامح العناء، "الآن أنا من دون وظيفة، أجمع علب بلاستيك وأبيعها حيث أجني يوميا أقل من 1500 ريال (2.5 دولار أميركي) بالكاد تكفي لوجبتي طعام لي ولأطفالي".
ويضيف سعد، "نعاني نقصا في الغذاء ونستخدم الورق وأعواد الخشب لطهي وجبات الطعام، وليس لدينا مياه صالحة للشرب، حياتنا جحيم. نحن المشردون لا نحظى بأي اهتمام".
مستقبل مظلم
وأسوأ حالات التشرد هي تلك التي يكون ضحيتها الأطفال، حيث لوحظ ارتفاعا غير مسبوق لأعداد الأطفال المشردين في الشوارع خاصة في صنعاء والمدن الرئيسية.
ومن بين نحو 20 طفلا (لا يتجاوزون الـ15 عاما) يعملون كباعة متجولين أو متسولين في تقاطع رئيس وسط صنعاء، قال خمسة منهم لمراسل (ارفع صوتك) إنهم ينامون في منازل أو خيام تابعة لأسر أصدقائهم.
والأطفال المشردين في الشوارع يكونون عرضة للاستغلال ومختلف أنواع الاعتداءات الجسدية واللفظية والجنسية، فضلا عن الإدمان.
ويدفع أطفال اليمن ثمن باهظا للحرب القائمة، وينذر استمرار الصراع بهذه الطريقة على مستقبل مظلم لأطفال اليمن.
الحرب تضاعف الظاهرة
على مدى الأعوام الخمسة الماضية، شهدت صنعاء ومدن أخرى ازدياداً ملحوظاً لأعداد المشردين نتيجة الحرب، التي أفقدت المئات من اليمنيين مصادر دخلهم، وقذفت بهم في أتون البطالة والآثار النفسية السيئة التي قادتهم بدورها إلى الضياع.
لا توجد إحصائية رسمية لأعداد المشردين في اليمن، بيد أن مراقبين يقدرون أعدادهم بعشرات الآلاف، يتركز غالبيتهم في العاصمة صنعاء.
ويشكلون فئة اجتماعية تعيش في الهامش، ولا تحظى باهتمام السلطات الحكومية ومنظمات الإغاثة العاملة في اليمن.
باتت هذه الفئة اليوم وجهاً لوجه أمام تفشي وباء كورونا، ذلك أنها الأكثر ترشيحاً للإصابة بالوباء نظراً لطبيعة الحياة المكشوفة التي يعيشها المشردون في الشوارع، وحركتهم الدائمة التي تجعلهم على اختلاط مباشر بالناس في الأسواق والطرقات دون وسائل وقاية.
بدوره، يقلل عادل الشرجبي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، من إمكانية القضاء على ظاهرة أطفال الشوارع في ظرف كاليمن، ويوضح لموقع (ارفع صوتك) "من المستحيل القضاء عليها حاليا. لأن سببها الرئيس هو الفقر الذي تفاقم بسبب الحرب".
ويرى الشربجي أن "توقف الحرب أولاً وتحسين المستوى الاقتصادي والتعليمي، وإصدار قوانين تحظر عمالة الأطفال تحت سن 14، هذه العوامل مجتمعه يمكن أن تخفف من الظاهرة".
مخاطر جديدة
ويشكل المشردون بحكم تنقلهم الدائم بؤراً خطيرة لتفشي كورونا في اليمن، من خلال تحولهم إلى نواقل اجتماعية للفيروس بسبب اختلاطهم المتواصل بالناس في الأماكن المزدحمة.
ويحتاج المشردون في الوقت الراهن للرعاية الاجتماعية والصحية بسبب مخاطر جائحة كورونا، على الرغم من بقائهم خلال السنوات الماضية خارج اهتمام السلطات الحكومية ومنظمات الإغاثة الدولية العاملة في اليمن، وإلى اليوم لا يزالون منسيين من قبل الجميع.