"اليمن السعيد" ليس سعيدا
"اليمن السعيد" هذا هو العنوان العريض الذي عرفت به اليمن منذ القدم.
وأطلق هذا الاسم على اليمن عندما كانت بلدا خضراء واشتهرت كوسيط للتجارة العالمية في البخور الذي كانت تحتاجه المعابد والكنائس في أوروبا، حسبما يقول "ياسين غالب"، وهو باحث يمني وخبير في التراث الفني والمعماري.
ويوضح لموقع (ارفع صوتك)، أن اليمن آنذاك ذاع صيتها ونسجت حولها أساطير أن اليمنيين يمتازون برخاء غير مسبوق.
أما بعض المؤرخين فأرجعوا قصة تسمية اليمن بالسعيد "لازدهاره في زمن الحضارات العربية القديمة ولوجود سد مأرب وخصوبة وجودة أراضيه، بالإضافة لوجودها على يمين الكعبة، وهو ما دفع البعض لتسميتها بذلك فقد كانت خير أرض العرب من الخضرة والأراضي".
ومنذ العام 2013 تعتمد الأمم المتحدة 20 آذار/مارس يوما دوليا للسعادة على اعتبار أنه سبيل للاعتراف بأهمية السعادة في حياة الناس في كل أنحاء العالم.
وأحيا العالم هذه المناسبة خلال العام 2020 تحت شعار "السعادة للجميع إلى الأبد".
لكن، هل يبدو اليمنيون فعلا سعداء؟ وهل يتذكرون يوما كانوا فيه سعداء؟ وماذا تعني السعادة لليمنيين اليوم مع ما يعانيه هذا البلد من فقر وعدم استقرار أمني وقلة ذات اليد وحروب أهلية وإرهاب؟.
"كل شيء انتهى الآن"
"عن أي سعادة تتحدث في ظل الحرب والجوع والمرض، ثم أول مرة أسمع بأن هناك يوم للسعادة. نحن لسنا سعداء باختصار"، بلهجة لا تخلو من الاستغراب رد فائد مرشد، وهو مواطن يمني على سؤال "ماذا يعني له يوم السعادة العالمي".
يقول مرشد وهو نازح بسبب الحرب من تعز إلى صنعاء "كثير من الأسر لا تجد قوت يومها، نحن أتعس شعب في العالم بالتالي الحديث عن السعادة اليوم مجرد هراء".
ويضيف الرجل الأربعيني، الذي كان واقفا في شارع رئيس شمالي صنعاء شارد الذهن، بنبرة غاضبة، "قبل الحرب كان لدي محل صغير في تعز (جنوبي غرب اليمن) أبيع فيه مواد غذائية أجني بواسطته ما يكفيني وأسرتي، جاءت الحرب وتدمر الحي الذي كنا فيه.. كل شيء انتهى الآن".
ويعيش ملايين اليمنيين ظروفا انسانية صعبة على وقع استمرار الحرب الأهلية الدامية التي دخلت نهاية مارس الماضي عامها السادس، مخلفة أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم، دون أن تلوح في الأفق أي بوادر للحل.
وأسفر النزاع في اليمن عن مقتل واصابة مئات الآلاف، منذ آذار/مارس 2015، فيما اضطر قرابة 4 ملايين شخص للنزوح من ديارهم بعيدا عن مناطق المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين أو اضطروا للهجرة خارج البلد.
وقذفت الحرب الدائرة في البلد العربي الفقير بمئات الأسر اليمنية إلى دائرة الفقر، حيث تذهب تقديرات الأمم المتحدة إلى أن هناك أكثر من 24 مليون شخص بحاجة للمساعدات الإنسانية، أي نحو 80% من سكان البلاد.
وهناك 51% فقط من المرافق الصحية ما زالت صالحة للاستخدام بشكل كامل.
مراكز متأخرة
وصنف تقرير مؤشر السعادة العالمي، الصادر عن شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة، لعام 2020، اليمن في المرتبة 146 من أصل 153 دولة، وعام 2019، احتلت اليمن المرتبة 151 من أصل 157 دولة.
ويعزو باحثون محليون، عدم الشعور بالسعادة في أوساط اليمنيين لغياب أدنى المعايير في المؤشرات التي حددتها الأمم المتحدة، ومن أبرزها: طبيعة النظام السياسي السائد في البلد المصنف، ومستوى المعيشة، ومستوى الفساد في المجتمع، وأوضاع التعليم، والنظام الصحي، والأجور، ونسبة الفقر، وقدرة الأفراد على تقرير مستقبلهم...
يقول متين الصبري، وهو صحافي يمني مهتم بقضايا الأسرة، "لدينا أسباب كثيرة تحول دون شعورنا بالسعادة أبرزها الحرب وتداعياتها المدمرة، وانتشار الفقر والمجاعة والخوف والتسول، وغياب مؤسسات الدولة وكافة الخدمات الأساسية"، مشيرا في حديث لموقع (ارفع صوتك)، إلى أن اليمن تسمى "عبثا بالسعيدة وهي التي لم تعرف السعادة مطلقا".
ويوضح، "منذ عقود تخلفت اليمن عن ركب الحضارات، وهي التي ابتدأته، بسبب الحروب التي لا انفك عنها كلما خرجت من دوامة دخلت في أخرى لا فكاك منها".
ويضيف متين "السعادة هي السلام الداخلي، الذي لم نألفه منذ وعينا على الدنيا. السعادة أن تشعر بالاستقرار النفسي، وأن تلمسه في أهلك، في محيطك الخارجي، في وطنك الجريح، كل هذا مفقود".
عبث غير مسبوق
ويقول ياسين غالب، إن اليمنيين ومنذ ظهور الإسلام ربما عرفوا السعادة الحقيقية إبان فترة حكم الدولة الرسولية لبلادهم (626ه – 858ه) "حينها قننوا المكاييل والموازين وأنتجوا الكتب في شتى العلوم واسسوا دولة حقيقية وتميزوا بالكثير من الانجازات المهمة في ميدان العلم والتجارة والزراعة والطب...".
ويضيف غالب، "اليوم الواقع اليمني ليس فيه أي سعادة على الإطلاق لأنه تكالبت عليهم الأمم والظروف والجهل والتخلف والمصالح الإقليمية والدولية وصار الإنسان اليمني مجرد من كل قيمه بفعل من يتشدقون بحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية".
ويشير الباحث اليمني إلى أن اليمن مرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة بعبث غير مسبوق برغم الفرص الثمينة جدا أهمها الموارد البشرية التي لم تستغل، والتي كان يمكن أن تخرج البلد من قوقعته مثلما خرجت النمور الأسيوية.
وعلى مدى الثلاثة العقود الأخيرة وحتى اليوم، لم تشهد اليمن دولة مستقرة ونظام ديمقراطي.
ويحذر ياسين غالب من عواقب وخيمة على الدولة والمجتمع في حال استمرار غياب معايير السعادة خاصة في أوساط الشباب.
ويعتقد الباحث غالب أن ذلك سيدفع ببعض الشباب للانصياع إلى "العنصرية والطائفية والنزعة العدوانية الوحشية والإرهاب التي تسوقها جماعات العنف والتطرف".