تمخّضت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان .. فولدت فأرا
بقلم شارلوت فان ووركيرك
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية
بعد 15 عاماً من تحقيقات كلفت أكثر من 800 مليون يورو، جاء حكم المحكمة الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري بإدانة متهم وتبرئة ثلاثة آخرين، مخيباً للآمال.
فبعد محاكمة غيابية استمرّت ست سنوات لأربعة متّهمين، شاب قرار المحكمة نقص الأدلة والتعاون، ما ولّد خيبة أمل، وفق خبراء قانونيين.
ويسود اعتقاد بأنه في نهاية المطاف لن يتم حبس أي مدان.
ويقول تيس بوكنيْت الخبير المتخصص في القانون الجنائي الدولي "إنها محكمة مثيرة للاستغراب طاردت نوعا ما أشباحا خلال ملاحقتها مشتبها بهم لم يتم توقيفهم، لا بل لم يتم العثور عليهم".
والثلاثاء برأت المحكمة ثلاثة من الأعضاء الأربعة في حزب الله المتّهمين بالمشاركة في اغتيال الحريري في العام 2005.
ولم يتم التوصّل إلى رابط مباشر مع قيادة حزب الله أو النظام السوري الذي انقلب عليه الملياردير السني وقرر الانضمام إلى معارضي الوصاية السورية على لبنان.
ودانت المحكمة سليم عياش (56 عاما) المتّهم الرئيسي في القضية "بصفته شريكاً في ارتكاب عمل إرهابي باستخدام مادة متفجّرة، وقتل رفيق الحريري عمداً، وقتل 21 شخصاً غيره، ومحاولة قتل 226 شخصاً"، هم الجرحى الذين أصيبوا في الانفجار المروع الذي وقع في 14 شباط/ فبراير 2005.
ونفى حزب الله حليف إيران والنظام السوري أي مسؤولية له عن الاغتيال وأعلن أنه لا يعترف بالمحكمة الدولية التي تتّخذ من لايدسشندام في هولندا مقرا لها.
أسماك صغيرة
وكان هناك متهم خامس في القضية هو مصطفى بدر الدين، القيادي العسكري في حزب الله الذي قتل في سوريا عام 2016.
قالت المحكمة إن "بدر الدين كانت لديه النية وشارك في مؤامرة" الاغتيال، لكنها لم تحاكمه لأنه مات.
إلا أنها ذكرت أنها لم تتوصل الى "أدلة مقنعة بأنه العقل المدبر" للعملية كما قال الادعاء.
ويقول بوكنيْت "بمقتل المتّهم الرئيسي لم يبق إلا الأسماك الصغيرة، وهذا ما تحوّل إلى مشكلة هذه المحاكمة" التي كلّفت ما مجموعه "970 مليون دولار منذ فتح التحقيق في العام 2005".
ويضيف إن "الحكم الذي طال انتظاره اتّخذ ملامح حكم شبح، إذ دان شخصا لم نره ولا نعرف هل ما زال على قيد الحياة".
اعتقد الادعاء أنه أعد ملفا متينا ضد المتّهمين مليئا بالمعطيات التي تثبت استخدام هواتف نقالة تحضيرا للاغتيال، لكن القضاة اعتبروا أن الأدلة غير كافية لإدانة حسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا، وقرروا تبرئتهم.
ويعتبر خبير القانون الجنائي الدولي في معهد "آسر" في لاهاي كريستوف باولوسن، أن "واقعة تبرئة أشخاص تكشف الكثير فيما يتعلّق بنزاهة المحكمة".
ويرى باولوسن أن هذا الأمر يعكس مدى صعوبة التعامل مع قضية "على قدر كبير من التعقيد خصوصا عندما تقابل بقلة تعاون".
ومنذ إنشائها تعرّضت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لانتقادات كثيرة وقد كلّفت الدولة اللبنانية ملايين الدولارات.
وكانت الدولة اللبنانية قد توصّلت في مفاوضات مع الأمم المتحدة لوضع نظام المحكمة إلى اتفاق على تسديد نصف الفاتورة.
ويستذكر باولوسن أن "الخيار وقع تحديدا على محكمة ذات طابع دولي ومرد ذلك جزئيا إلى الانحياز والفساد في النظام القضائي اللبناني".
ويضيف "لكن يجب أيضا ألا ننسى أن المحاكم الدولية، وعلى عكس المحاكم الوطنية ليس لديها قوات شرطة تابعة لها وهي تعتمد بالتالي على التعاون مع جهات أخرى".
ولا يعني صدور الحكم انتهاء عمل المحكمة الخاصة بلبنان التي بدأت في العام 2019 النظر في قضية منفصلة تشمل ثلاثة اعتداءات أخرى استهدفت سياسيين لبنانيين في عامي 2004 و2005 المتّهم الوحيد فيها هو سليم عياش.
وقد توارى سليم عياش تماماً عن الأنظار منذ عملية الاغتيال، فلا يعرف أحد مكانه سواء في لبنان أو أي بلد آخر، أو حتى إذا كان لا يزال على قيد الحياة.
لذلك فإن فرص تسليمه ذات يوم للعدالة الدولية تكاد تكون معدومة.
خصوصاً وأن أمين عام حزب الله حسن نصر الله حذر في السابق من أن الحزب لن يقدم أي متهم إلى المحاكمة.
من ثم، يتوقّع خبراء مسارا استئنافيا طويلا في قضية اغتيال الحريري.
وفي حال ظهر سليم عياش يمكن أن يعاد المسار برمّته إذا طلب إعادة المحاكمة.