ماكرون ضيفاً في بيت فيروز ومتظاهرون غاضبون "نو أديب"
دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فور وصوله إلى بيروت مساء الإثنين لتشكيل حكومة "بمهمة محددة" في أسرع وقت، بعد ساعات من تكليف مصطفى أديب رئيساً لها، في زيارة تأتي عشية إحياء لبنان المئوية الأولى لتأسيسه.
وجاء تكليف الرئيس اللبناني ميشال عون لأديب، سفير لبنان لدى ألمانيا، بتشكيل حكومة جديدة، كثمرة توافق بين أبرز القوى السياسية التي استبقت وصول ماكرون الذي يزور بيروت للمرة الثانية منذ انفجار المرفأ المروع.
وقال ماكرون للصحافيين أثناء مغادرته المطار، حيث كان في استقباله نظيره اللبناني ميشال عون، إن من أهداف عودته "التأكد من أن حكومة بمهمة محددة ستتشكل في أسرع وقت، لتنفيذ الاصلاحات" التي يشترطها المجتمع الدولي مقابل تقديم دعم للبنان يساهم في إعادة تشغيل العجلة الاقتصادية.
وعلى تويتر، كتب ماكرون فور وصوله "كما وعدتكم، فها أنا أعودُ إلى بيروت لاستعراض المستجدّات بشأن المساعدات الطارئة وللعمل سوياً على تهيئة الظروف اللازمة لإعادة الإعمار والاستقرار".
ومن المطار، انتقل ماكرون إلى منزل الفنانة فيروز التي تعتبر رمزاً لوحدة لبنان، وكان عشرات اللبنانيين بانتظاره أمام المنزل.
ورفع اللبنانيون أمام بيت فيروز، شعارات تدعو ماكرون لعدم التعاون من النخبة السياسية التي اتهموها بالفساد وحمّلوها مسؤولية انفجار مرفأ بيروت.
مباشر من أمام منزل السيدة فيروز...
Posted by Lebanon And The World - لبنان والعالم on Monday, August 31, 2020
الرئيس #ماكرون استقبل من قبل "الملايين" اللي عم تصرخ "نو اديب" تحت بيت #فيروز #الرابية pic.twitter.com/BZLiwW8enV
— mary saadeh🇱🇧 (@marysaadeh19) August 31, 2020
ومن المقرر أن ينتقل ماركون بعدها لزيارة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري في منزله في وسط بيروت.
كما يحفل جدول أعمال الرئيس الفرنسي الثلاثاء بلقاءات سياسية وأخرى ذات طابع رمزي، لمناسبة إحياء الذكرى المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير خلال فترة الانتداب الفرنسي. ويختتم الزيارة باجتماع يعقده مع تسعة من ممثلي أبرز القوى السياسية.
لماذا فيروز أولاً؟
تعتبر المطربة فيروز، سفيرة الغناء اللبناني إلى العالم، حيث الإجماع على أهمية ما قدمته في مسيرتها الغنائية طيلة عقود ماضية، بين اللبنانيين من مختلف الطوائف والانتماءات السياسية.
ورغم ابتعادها كلياً عن الأضواء منذ سنوات وتوقّفها عن إحياء حفلات، لا يزال صوت فيروز الاستثنائي، باعتراف خبراء عالميين، يرافق ملايين الأشخاص عبر العالم، حيث غنّت للحب والوطن والحرية والقيم.
وتجاوزت شهرة فيروز واسمها الحقيقي نهاد حداد، حدود البلد الصغير، وجذبت معجبين من كل أنحاء العالم. وتعدّ من آخر جيل الكبار في العصر الذهبي للموسيقى العربية في القرن العشرين.
في لبنان، رفضت فيروز أن تُجرّ إلى خصومات سياسية أو دينية لا سيما خلال سنوات الحرب الأهلية (1975-1990)، وتصدّرت أغنياتها الإذاعات المتناحرة على جانبي خطوط القتال.
بالنسبة إلى كثيرين، يعدّ الاستماع إلى أغاني فيروز بمثابة طقس يومي شبيه بالصلاة. وبالنسبة إليها، فالغناء بحدّ ذاته فعل صلاة.
في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" مايو 1999، قالت بعد حفلة أحيتها في مدينة لاس فيغاس الأميركية رداً على سؤال حول جديتها المفرطة على المسرح "إذا نظرتم إلى وجهي عندما أغني، سترون كأنني غير موجودة".
وتابعت "أرى الفن على أنه صلاة. لست موجودة في كنيسة، لكنني أشعر كما لو أنني فيها، وفي هذه الأجواء لا يمكنني الضحك".
وكانت باستمرار شبه جامدة على المسرح، فيما حركة واحدة أو ابتسامة خجولة منها كفيلة بإشعال حماسة جمهورها.
حياة فيروز
ولدت فيروز في قرية الدبية بمنطقة الشوف الجبلية في 21 نوفمبر 1934، لوالد يعمل في مطبعة ووالدة اهتمت برعاية الأسرة المكونة من أربعة أولاد. وانتقلت العائلة في وقت لاحق للإقامة في حي زقاق البلاط في بيروت.
في نهاية الأربعينيات، اكتشف المؤلف الموسيقي محمد فيلفل الذي كان يبحث عن أصوات جميلة للانضام إلى كورس الإذاعة اللبنانية، موهبة فيروز. وضمّها إلى الكونسرفاتوار لتتعلّم أصول الموسيقى والغناء . وأُعجب المدير الموسيقي للإذاعة آنذاك حليم الرومي بجمال صوتها واقترح عليها اسمها الفني فيروز.
وفي كواليس الإذاعة، تعرّفت فيروز على عاصي ومنصور الرحباني، المؤلفين الموسيقيين اللذين عرفا في وقت لاحق، خصوصا معها، شهرة واسعة، وارتبط فنهما بشكل جذري بلبنان، فبات جزءا لا يتجزأ من تراثه.
وتعاونت فيروز مع الأخوين رحباني اعتباراً من مطلع الخمسينيات. وأثمر ذلك مجموعة واسعة من الأعمال الغنائية والمسرحية والأفلام السينمائية التي جمعت بين الألحان الشرقية والفولكلور اللبناني والأنغام الغربية. ويحافظ عدد كبير منها على نضارته رغم مرور الزمن.
كما غنّت فيروز لشعراء كبار، من الأخطل الصغير إلى سعيد عقل الذي لقبها ب"سفيرة لبنان الى النجوم"، مروراً بجبران خليل جبران والياس أبو شبكة. كما لحّن لها عبد الوهاب وفيلمون وهبه وزكي ناصيف.
وشكلت مع الأخوين الرحباني علامة فارقة في مهرجانات بعلبك الشهيرة ولُقبت بـ"عمود بعلبك السابع".
في منتصف الخمسينيات، تزوجت فيروز من عاصي الرحباني وأنجبا أربعة أولاد، هم زياد، وليال التي توفيت عام 1987 بعد سنة من وفاة والدها، وهلي وريما.
يقول مقربون منها إنها مرّت بمآس كثيرة على الصعيد الشخصي، من وفاة ابنتها إلى إعاقة نجلها هلي، لكنها حافظت على خفّة ظلها في مجالسها الخاصة والعائلية.
وتقول الصحافية ضحى شمس التي عملت معها لفترة طويلة "في الحقيقة هي بعيدة كل البعد عن الصورة الباردة التي تعكسها على المسرح. هي مضحكة جداً متى أرادت".
رغم شهرتها الواسعة، حرصت فيروز دائماً على حماية خصوصيتها العائلية. إلا أن ذلك لم يمنع الإعلام من تناول أخبار العائلة، وبينها خلافها مع زوجها عاصي في مرحلة معينة قبل مرضه، وبعد وفاته، وخلافها مع عائلة منصور الرحباني حول حقوق الملكية الفنية، والخلافات حول توجهها الفني بين ولديها زياد وريما.
وكانت فيروز تعاونت مع زياد منذ الثمانينات. في العام 1991، غنّت له "كيفك انت؟" ضمن أسطوانة أثارت جدلاً بين من يحبون زياد الرحباني والتجديد في مسيرة فيروز والرافضين لذلك. وحقّّق الإصدار نجاحاً كبيراً.
"ردني إلى بلادي"
على مدى عقود، شكّلت أغاني فيروز صلة وصل بين اللبنانيين. خلال الحرب الأهلية، رفضت الغناء في لبنان لتجنّب أن تُحسب على منطقة دون أخرى، فيما بلدها ساحة صراع بين قوى طائفية مدعومة من قوى خارجية.
لكنها أقامت حفلات في الخارج مثيرة الحنين والتأثر في نفوس اللبنانيين الفارين إلى عواصم العالم مع أغان مثل "بحبك يا لبنان" و"ردني إلى بلادي" و"لبيروت" التي ترافق منذ الرابع أغسطس، تاريخ وقوع الانفجار المروع في العاصمة، مقاطع فيديو عن الكارثة تبثها محطات التلفزة المحلية.
وغنّت فيروز أجمل ما قيل عن القدس، فكانت "زهرة المدائن" و"سنرجع يوماً". ونقل إليها نائبان عربيان مفتاح المدينة عام 1968. كما غنّت لدمشق ومكة وسواها، وللأوطان والثورات والشعوب.
قلّدها ملك الأردن الراحل حسين ثلاثة أوسمة. وتبث الإذاعات في سوريا والأردن وسواها من الدول العربية أغانيها بكثافة حتى اليوم، خصوصاً في الصباح.
ورغم تحفّظها الشديد، أثارت جدلا في 2008 عندما غنت في دمشق بعد ثلاث سنوات من انسحاب القوات السورية من لبنان تحت ضغط الشارع الذي وجّه أصابع الاتهام آنذاك الى سوريا في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
كان آخر ظهور لها في أبريل مع تفشي فيروس كورونا المستجد، في مقطع مصوّر قرأت فيه مقاطع من سفر المزامير في الكتاب المقدس، استهلته بـ"يا ربّ، لماذا تقف بعيداً، لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟".
الزيارة في مواقع التواصل
لاقى إعلان الحكومة الفرنسية لزيارة ماكرون بيت فيروز صدى واسعاً في مواقع التواصل، لبنانياً وعربياً، وبدا الخلاف والاختلاف واضحاً في ردود الفعل، حيث أثارت استنكار وسخرية الكثيرين، مقابل تقدير عدد آخر اعتبرها رسالة للحكومة بأن فرنسا أقرب لصوت الشعب منه إلى الطبقة الحاكمة.
يعني مفروض هلق نتأثر بعظمة #ماكرون لأنو قال جايي يشرب فنجان قهوة مع #فيروز ولك والله حركات التدجيل ال local تبع الشبيبة عنا بتكفينا ومش ناقصنا حركات مستوردة من برة!!!
— Firas Hatoum (@ferashatoum) August 31, 2020
يلي عم يتفلسف على زيارة ماكرون لفيروز ... بخب خبرك انه بيفهم و بيعتبر الوجه الحضاري للبنان هي فيروز مش الزعماء الاوباش يلي عنا ...
— 𝕾𝖔𝖚𝖍𝖆 𝕳𝖆𝖒𝖆𝖉 (@HamadSouha) August 28, 2020
فرنسا ولبنان علاقة معقدة وحسابات سياسية بمعظمها، إنما وأخص هنا زيارة ماكرون لفيروز لا أستطيع تفسيرها إلا بحاجته بشرية للتقدير، وخلق أجواء يتشبع بها منه! أعتقد أننا هنا نتعامل مع جانب نفسي يخصه!بكونه رئيساً أو بلبنان! هنا شخص يفتقد التقدير ويريد أن يشعر بأنه مختلف مقدر، مؤثر.
— ديما عز الدين (@dimaizzedin) August 31, 2020
فرنسا ولبنان علاقة معقدة وحسابات سياسية بمعظمها، إنما وأخص هنا زيارة ماكرون لفيروز لا أستطيع تفسيرها إلا بحاجته بشرية للتقدير، وخلق أجواء يتشبع بها منه! أعتقد أننا هنا نتعامل مع جانب نفسي يخصه!بكونه رئيساً أو بلبنان! هنا شخص يفتقد التقدير ويريد أن يشعر بأنه مختلف مقدر، مؤثر.
— ديما عز الدين (@dimaizzedin) August 31, 2020
قديش بايخة زيارة الرئيس ماكرون لفيروز...#ماكرون
— ﮼سالي 🇱🇧 (@sallychre) August 31, 2020