العالم

في بيروت .. أرمن يتمسكون بمنازل نشأوا فيها بعدما تصدعت في الانفجار

23 سبتمبر 2020

خططت فاني بانديقيان طويلاً للسفر احتفالاً بتقاعدها العام الحالي إلى أن وقع انفجار مرفأ بيروت فأطاح بأحلامها، وبدلاً من التجول حول العالم، تتمسك اليوم بمنزل بناه والدها بعدما أفقدته الكارثة كثيراً من سحره الأثري.

وبعد مرور شهر ونصف على انفجار الرابع من آب/أغسطس، لا يزال عمال إحدى المنظمات الأرمنية يأتون يومياً إلى المبنى الأثري من ثلاثة طوابق، الذي يعود بناؤه إلى ثلاثينات القرن الماضي، لإصلاح ما خلفه الانفجار إذ تكسرت أبوابه الخشبية القديمة ولم تبق أي من نوافذه على حالها.

بانديقيان واحدة من المواطنين الأرمن كبار السن الذين يسكنون منذ عقود في منازل قديمة في الأحياء القريبة من المرفأ، والتي طالتها أضرار جسيمة جراء الانفجار، ويعتمدون حالياً على منظمات غير حكومية لإعادة تأهيل منازل عاشوا فيها منذ الطفولة.

وتقول فاني "لا أريد أن أترك هذا البيت أبداً، أشعر أن حجارته تتكلم معي".

وتضيف معلمة اللغة الفرنسية المتقاعدة بعد 58 عاماً من العمل "اتصل بي أصدقاء كثر ليقترحوا عليّ الانتقال للسكن لديهم، لكني لم أستطع. كيف لي أن أترك منزلي مشرع الأبواب؟".

من منزل فاني، يمكن سماع أصوات المطارق والمثاقب الكهربائية تأتي من كل حدب وصوت من الشوارع الضيقة في حي الجعيتاوي، حيث تنهمك منذ أسابيع منظمات غير حكومية وسكان في أعمال إعادة تأهيل أو ترميم ما أمكن من المنازل المتضررة.

أخذت الجمعية العمومية الخيرية الأرمنية، المعنية بدعم الأرمن في مناطق الانتشار والتي تأسست في العام 1906، على عاتقها ترميم ما أمكنها منازل، وبينها شقتي فاني وشقيقتها التي تقطن في المبنى ذاته.

وتقول فاني "الأضرار جسيمة جداً، وأكبر من قدرتنا على تحمل كلفتها وحدنا".

بعد الانفجار، دعاها أقرباء لها للانتقال إلى الولايات المتحدة والعيش معهم، إلا أن حلم السفر، الذي طالما راودها للسياحة والنقاهة، لم يعد أولويتها.

وتقول "أشعر فعلاً أني متجذرة في لبنان".

"أعود دائماً"

ويقطن في لبنان نحو 140 ألف أرمني، وهو التجمع الاكبر لهم في العالم العربي، وجزء كبير منهم يتحدر من ناجين من إبادة الأرمن في العام 1915.

ويسكن جزء كبير منهم في منطقة برج حمود في ضواحي بيروت الشمالية، كما في حيي الجعيتاوي ومار مخايل، من المناطق الأكثر تضرراً جراء الانفجار الذي أوقع أكثر من 190 قتيلاً و6500 جريح.

وترفض "بيرجوهي كسباريان" رفضاً قاطعاً مغادرة منزلها الصغير الذي انتقلت إليه مع عائلتها عندما كانت طفلة في العاشرة من العمر ويقع في حي الجعيتاوي.

في الثامن من الشهر الماضي، احتفلت بيرجوهي بعيد ميلادها التسعين، أي بعد أربعة أيام فقط من سقوط خزانة المطبخ فوق رأسها جراء الانفجار فأصيبت بجروح في صدرها وقرب شفتيها ما تطلب نقلها إلى المستشفى إنما في اليوم التالي لاكتظاظ المشافي بعد وقوع الكارثة.

وبرغم ذلك، تجلس بيرجوهي، السيدة النحيلة، في منزلها اليوم بكل هدوء بعدما أصلحت الجمعية العمومية الخيرية الأرمنية بعض الأضرار فيه.

وتقول السيدة التي شهدت على حروب وأزمات عديدة "أشعر بالحزن تجاه بيروت ... أشفق على الجيل الشاب، لقد خسر الشباب مستقبلهم وحياتهم وحتى منازلهم، وها هم الآن يرحلون".

أما بيرجوهي التي يعيش أولادها الثلاثة في الخارج، فلا ترغب بالرحيل بل تفضل السكن إلى جانب جارتها الأرمنية أيضاً، التي تهتم بها ولا تتركها وحيدة، في منزل ملأته بصور العائلة وبأغطية بيضاء حاكتها بيدها تزين بها الطاولات والأرائك.

وتقول "سافرت كثيراً، وزرت ولدّي في الولايات المتحدة وابنتي في لندن مرات عدة، لكني أفضل دائماً أن أعود إلى هنا".

وتضيف "ستعود الأمور إلى مجراها، كل دولة لديها مشاكلها".

دار المسنين

ومنذ وقوع الانفجار، تمكنت الجمعية العمومية الخيرية الأرمنية من إصلاح عشرات المنازل، وتتوزع فرق عمالها حالياً على 80 منزلاً آخر، وفق ما تقول المديرة التنفيذية أرين غزاريان لوكالة الصحافة الفرنسية.

وتأمل الجمعية إصلاح 600 منزل لا تعود فقط للأرمن، كما أنها توزع 1500 وجبة غذائية أسبوعياً على العائلات المنكوبة في برج حمود ومار مخايل.

في منطقة برج حمود، كان سيبو ترزيان يجهد منذ فترة للحفاظ على مستوى معيشة جيد في دار المسنين الذي يديره برغم الأزمة الاقتصادية الحادة التي يشهدها لبنان منذ عام. فكيف به اليوم أن يجد 22 ألف دولار لإصلاح المبنى الذي تضرر جراء الانفجار.

ويقول ترزيان "وعد مواطن أرمني بأن يتعهد بإصلاحه" وقد أرسل أشخاص من قبله للاطلاع على الأضرار، بأمل أن يبدأ العمل قريباً.

ويتلقى دار المسنين، حيث يقطن 119 شخصاً، مساعدات غذائية أيضاً من منظمات غير حكومية.

نموت في منازلنا

يعتمد ديكران (58 عاماً)، الذي يعمل في الحدادة، اليوم على المساعدات الآتية من منظمات أيضاً.

وباتت أعمال الترميم على وشك الانتهاء في منزله المطل على إهراءات القمح المدمرة في مرفأ بيروت.

في هذا المنزل وُلد ونشأ وفيه أيضاً فقدّ زوجته ليزا جراء الانفجار، وإليه سيعود قريباً مع ابنيه المراهقين.

ويقول بصوت هادئ "مجبرون على العودة، إلى أين نذهب؟، أعلم أن الموضوع صعب على ولدي، لكن لا أعلم ما الذي باستطاعتي أن أفعله".

ويشير بيده إلى زاوية المنزل حيث وجد ليزا مطروحة أرضاً.

يشيح بنظره بعيداً، ويتابع "بالمبدأ، يفترض أن يكون المنزل هو المكان الأكثر أمناً لك، لكن الناس هذه المرة ماتت في منازلها".

مواضيع ذات صلة:

العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(
العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(

فرضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، عقوبات على شبكة لبنانية تتهمها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل جماعة حزب الله اللبنانية.

وذكرت وزارة الأميركية في بيان على موقعها الإلكتروني أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 3 أفراد و5 شركات وسفينتين متورطين في تهريب النفط والغاز البترولي المسال لتوليد الإيرادات لحزب الله.

وأوضح البيان أن الشبكة، التي تتألف من رجال أعمال وشركات لبنانية ويشرف عليها أحد كبار قادة فريق تمويل حزب الله، سهلت شحن عشرات شحنات الغاز البترولي المسال إلى حكومة سوريا، ووجهت الأرباح إلى حزب الله.

وأشارت إلى أن العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز البترولي المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله، وتدعم الأنشطة الإرهابية للمجموعة.

وقال وكيل وزارة الخزانة بالوكالة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي سميث: "يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتأجيج الاضطراب الإقليمي، ويختار إعطاء الأولوية لتمويل العنف على رعاية الأشخاص الذين يدعي أنه يهتم بهم، بما في ذلك عشرات الآلاف من النازحين في جنوب لبنان".

وأضاف: "وستواصل وزارة الخزانة تعطيل شبكات تهريب النفط وغيرها من شبكات التمويل التي تدعم آلة الحرب التابعة لحزب الله".

وصنفت وزارة الخارجية الأميركية حزب الله جماعة إرهابية في 31 أكتوبر 2001.

وذكرت وزارة الخزانة في بيانها أنها اتخذت إجراءات متسقة لاستهداف الأفراد المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات تمويل حزب الله التي توفر عائدات بالغة الأهمية للمنظمة.

ووفقا للبيان، من بين المسؤولين البارزين في حزب الله المشاركين في هذه الجهود محمد قصير، ومحمد قاسم البزال، اللذين يديران قناة لنقل غاز البترول المسال ومشتقات النفط الأخرى نيابة عن حزب الله ويتلقيان مدفوعات مباشرة مقابل بيعها.

وفي 15 مايو 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قصير لعمله لصالح حزب الله أو نيابة عنه كقناة أساسية للصرف المالي من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.

وفي 20 نوفمبر 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية البزال، أحد شركاء قصير، لدعمه لحزب الله.

كما اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية سلسلة من الإجراءات التي تستهدف عمليات تهريب النفط لحزب الله، بما في ذلك إجراء في 31 يناير 2024 استهدف شبكة حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي التي حققت إيرادات بمئات الملايين من الدولارات من خلال بيع السلع الإيرانية بما في ذلك النفط، ومعظمها للحكومة السورية.

وأوضح البيان أن الشبكة التي تم تصنيفها اليوم تشمل مسؤولًا آخر رفيع المستوى في فريق تمويل حزب الله، ورجلي أعمال لبنانيين يوفران واجهة مشروعة على ما يبدو لتسهيل جهود حزب الله في تهريب النفط. وسهلت هذه الشبكة عشرات شحنات غاز البترول المسال إلى حكومة سوريا، بالعمل مع المسؤول في النظام السوري ياسر إبراهيم، الذي أدرجته وزارة الخارجية في 20 أغسطس 2020 لدوره في صفقات تجارية فاسدة استفاد منها الرئيس السوري الأسد.

وأشار البيان إلى أنه اعتبارًا من أواخر عام 2023، تولى المسؤول في حزب الله، محمد إبراهيم حبيب السيد، مسؤولية بعض الأعمال التجارية لحزب الله من البزال. وسافر السيد سابقًا مع البزال إلى جنوب شرق آسيا لتنسيق صفقات النفط المحتملة في المنطقة لفريق تمويل حزب الله. كما عمل كمحاور بين البزال ورجل الأعمال اللبناني علي نايف زغيب بشأن مشروع نفطي في موقع مصفاة في الزهراني بلبنان.

ووفقا لبيان الوزارة، فمنذ أواخر عام 2019 على الأقل، قدم زغيب، الخبير في كيمياء البترول، المشورة والمساعدة لفريق التمويل التابع لحزب الله خلف الكواليس، والتقى مع القصير والبزال لتنسيق أنشطتهم. وبصفته عضوًا في شبكة تهريب النفط التابعة لحزب الله، أمّن زغيب خزانات لتخزين، ربما النفط، نيابة عن حزب الله.

وأكد البيان أن القصير والبزال باعتبارهما من كبار مسؤولي حزب الله، حققا ربحًا من صفقات الغاز البترولي المسال مع زغيب الذي التقى بنائب لبناني واحد على الأقل تابع لحزب الله لمناقشة تمويل مشاريع النفط التابعة لحزب الله. كما نسق الزغيب مع ممول حزب الله، محمد إبراهيم بزي، بشأن المفاوضات التجارية. وفي 17 مايو 2018، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بزي لدعمه حزب الله.

كما يشارك رجل الأعمال اللبناني بطرس جورج عبيد في صفقات الطاقة لحزب الله، ويملك بشكل مشترك العديد من الشركات مع زغيب، بحسب البيان.

ولذلك لفت البيان أنه تم إدراج السيد وزغيب وعبيد لمساعدتهم ماديًا أو رعايتهم أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لحزب الله أو لدعمه.

كما أدرجت وزارة الخزانة الشركة الأوروبية اللبنانية للتجارة الدولية التي يمثلها البزال وكانت مسؤولة عن عشرات شحنات غاز البترول المسال، التي قامت بها نقالات غاز البترول المسال "ألفا" و"مارينا" إلى ميناء بانياس في سوريا لصالح شركة "حقول"، والتي تم تصنيفها في 4 سبتمبر 2019 لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة البزال.

وأوضحت الوزارة أن البزال استخدم شركة "إليت" لتغطية نفقات التشغيل لشركتي تشغيل السفن "ألفا، ومارينا"، وبناء على ذلك، تم إدراج كل من "إليت" و"ألفا" و"مارينا" كممتلكات لحزب الله مصلحة فيها.