صحيفة بريطانية: تخوّف من هجرة 400 ألف لبناني "الأرض المحروقة"
ترجمات "ارفع صوتك"
بحلول يوم السبت، تمر الذكرى السنوية الأولى على انتفاضة مئات آلاف المواطنين اللبنانيين ضد "حكم اللصوص المستمر من قادة الحرب وزعماء الطائفية الذين دفعوا البلاد إلى حافة الانهيار" وفق تعبير محرر الشؤون الدولية في "فايننشال تايمز".
ويقول ديفيد غاردنر في المقال الذي نُشر، الأربعاء، على موقع الصحيفة البريطانية، إن لبنان الآن "على حافة الهاوية" مضيفاً "انهار الاقتصاد، قبل وقت طويل من ظهور كوفيد-19 لتكون الضربة القاضية. الحكومة مفلسة وتعثرت في سداد ديونها".
وفي مقاله بعنوان "النخبة السياسية تقلب الموازين أخيراً للكثير من اللبنانيين"، استعرض غاردنر أبرز الأحداث المؤثرة في الشارع اللبناني، طيلة عام كامل، بعد انطلاق الاحتجاجات.
فأسباب انسحاب المتظاهرين من الشوراع، تمثلت بالقمع المنظم وحلول جائحة كورونا، ما أعاد الكرة لملعب حزب الله، المدعوم من إيران.
يصفه غاردنر بـ "فوق الدولة" مضيفاً "بتحالفه مع حركة أمل، الميليشيا السابقة التي تحولت إلى حركة جماهيرية شيعية، ومع أكبر حزب مسيحي يتولى قيادته الشخصية، الجنرال السابق ميشال عون، الرئاسة، يتمتع الحزب بقبضة قوية على قوات الأمن والجيش، ويسيطر على الأغلبية في البرلمان، كما أن له حق النقض الفعال على التعيينات الوزارية".
ومنه إلى الأزمة المالية، التي أنتجت فقدان الكثير من المودعين مدخراتهم ضمن نظام مصرفي أشبه بالزومي (الميت الحي) على حد تعبير غاردنر، الذي رأى تأثير الأزمة ظلّ بعيداً عن السياسيين المتورطين أساساً في هذا الانهيار.
يقول "أصبح هؤلاء السياسيون أثرياء للغاية بأسعار الفائدة التي وصلت إلى رقمين في خانة العشرات التي دفعها لهم البنك المركزي على مدى السنوات الخمس الماضية".
كما يرى أن النخبة السياسية الحاكمة هي السبب أيضاً في عدم إتمام "صفقة الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي" إذا طالب الصندوق بالإصلاحات وإجراء تدقيق جنائي من شأنه الكشف عن المخالفات المنهجية" مشيراً إلى أن أكثر من نصف سكان لبنان تحت خط الفقر، حسب بيان أصدرته الأمم المتحدة أغسطس الماضي.
وبالانتقال إلى انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس الماضي، يقول الكاتب "أدى الانفجار الكيميائي الضخم إلى تدمير أحياء وسط العاصمة، وأسفر عن مقتل أكثر من 190 شخصًا وإصابة أكثر من 6000 شخص وتشريد 300 ألف آحرين. لتختبئ النخب السياسية بعد تجدد الغضب نحوها، وتفلت بشكل صريح من العقاب".
الطبقة السياسية المتسببة بوصول لبنان إلى الهاوية، لم تنج فقط من العقاب، بل تجاهلت أيضًا مطالب المواطنين، وفق ما كتب غاردنر.
وبالطبع سيتلو ذلك الموقف الفرنسي متمثلاً بالرئيس إيمانويل ماكرون، الذي زار لبنان مرتين تلو الانفجار المروّع، وقدّم خطة للتغيير على النخبة الحاكمة، واعدا اللبنانيين بتحسين الأوضاع.
ولكن ما تلا ذلك لم يكن مبشراً، حيث لا يزال لبنان بلا حكومة بعد تقديم الحكومة استقالها إثر انفجار المرفأ.
ويرى غاردنر أن "العقبة الرئيسة" أمام تشكيل الحكومة، كان "إصرار حزب الله وحركة أمل بقيادة نبيه بري، رئيس مجلس النواب وزعيم الميليشيا الشيعية السابق، على تسمية مرشحهما وزيراً للمالية".
ويشير إلى ما حصل في سبتمبر الماضي، من إدراج وزارة الخزانة الأميركية وزيرين سابقين في "القائمة السوداء" على خلفية اتهامات بأنهما عملا على تمكين حزب الله، وتحذير واشنطن من أنها ستتخذ مزيدا من الإجراءات التي تستهدف الحزب، الذي تعتبره منذ سنوات طويلة "جماعة إرهابية".
تلت ذلك تعقيدات أخرى في تشكيل الحكومة، الشيء الذي "هزّ سماسرة النفوذ في لبنان وصعق بيروت لفترة وجيزة" حسب تعبير غاردنر.
ويصل الكاتب إلى آخر الأحداث في المشهد السياسي اللبناني، وهو ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، يقول إن "ترسيم احتياطيات الغاز البحرية المتنازع عليها في شرق البحر المتوسط، يمثل تراجعاً كبيراً لحزب الله وأمل، ويعكس وجود الأقلية السياسية الفاسدة التي تسعى لإنقاذ نفسها".
ويرى غاردنر أن مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، ما هي إلا ورقة انتخابية أخرى بيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تُضاف إلى رعاية واشنطن اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين ونقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس والموافقة على ضم إسرائيل مرتفعات الجولان، وصفقة القرن.
"طوال حملته الانتخابية، كان السيد ترامب يحظى بتأييد الإنجيليين البروتستانت البيض، وهو بنك تصويت ترامب الذي كان منشغلاً بقائمة الرغبات بشأن إسرائيل. في توقف حملته في ولاية ويسكونسن، حتى أنه قال، مشيرًا إلى القدس والجولان: هذا للإنجيليين" يقول غاردنر.
ويلفت الكاتب البريطاني في نهاية مقاله إلى تخوّف من هجرة كثيفة للبنانيين بسبب كل ما يجري، إذ تبدو البلاد اليوم كالأرض المحروقة، التي لم تعد صالحة للعيش.
يقول غاردنر "بعد أن نجا لبنان من عقود من الحرب والاحتلال والتفجيرات والاغتيالات، يبدو أنه سينزف أخيرًا شريان حياته في هجرة جماعية للأطباء والمحامين والمدرسين والأكاديميين والمهندسين والمصممين، خاصة الشباب".
ويشير إلى قول وزير سابق دون ذكر اسمه بأنه "يخشى أن يغادر 400 ألف لبناني (حوالي عُُشر السكان) باستثناء العمال المغتربين واللاجئين السوريين والفلسطينيين. الأرض المحروقة".
أما الباقون فسيبقون تحت رحمة "السماسرة" الذين لن يقدموا لهم سوى "الفتات من مائدة البارون (إشارة إلى وصف إقطاعي أرستقراطي)".
"وسيحرق البارونات المستقبل كما أحرقوا الماضي"، بهذه العبارة القاتمة يختم غاردنر مقاله.