سوريّون ولبنانيون يرون الموت في قوارب الهجرة إلى اليونان
لم يترك مصطفى الشيخ، وهو لاجئ سوري في لبنان، أي باب ولم يطرقه ليصل إلى أوربا ويغير نمط حياته وحياة أطفاله، إلا أن الظروف لم تسنح له منذ ثلاثة سنوات من الانتظار أن يحقق هدفه.
مصطفى واحد من بين آلاف السوريين، الذين ينتظرون وصولهم لتركيا ويهاجروا عبرها إلى أوروبا، باعتبارها المنفذ الوحيد، سابقاً، لكن الوضع تغيّر الآن، حيث فتح مهرّبو البشر طريقاً جديدة بين لبنان واليونان، يقطعونها بقوارب صغيرة يفترض أن سعتها ستة أشخاص فقط، لكنها تحمل العشرات!
"ملاذي الأخير"
وظهر هذا المنفذ، بعد دخول لبنان أزمة اقتصادية حادة، أثّرت على عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين المقيمين هناك، غير أنهم في هذه الرحلة الخطرة، ليسوا وحدهم، إذ بدأ لبنانيون أيضاً ينضمّون لقوارب الهجرة.
يقول مصطفى لـ"ارفع صوتك": "هذا طريق ملاذي الأخير. أريد الحصول على اللجوء بشكل قانوني في أي دولة أوربية، ثم ألم شمل عائلتي".
ويشير إلى أنه حزم حقائبه، بانتظار رسالة المهرّب التي تخبره بالموعد. ويعرف مصطفى أن مصير الرحلة "مجهول" لكنه لا يرى في الأفق سبيلاً آخر، يقول "الوضع سيء جداً على اللبنانيين فما بالك بنا نحن اللاجئين؟".
من جهتها، تقول منظمة إنقاذ الطفولة في أحدث تقاريرها، إن "ارتفاع أعداد المعابر البحرية القاتلة من لبنان إلى قبرص مع ارتفاع وتيرة الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان، دفع مئات الآلاف من الأطفال إلى الفقر".
وتوضح أن "مئات الأشخاص قاموا برحلات يائسة بالقوارب عبر البحر المتوسط للوصول إلى قبرص خلال الأشهر الأخيرة، فيما شهد شهر أيلول (سبتمبر) الماضي زيادة كبيرة في المعابر مع 230 شخصاً كانوا يسافرون على متن خمسة قوارب، تم دفعهم إلى لبنان بعد محاولة الرحلة إلى قبرص عن طريق البحر".
وكانت رحلاتهم من بين 21 محاولة عبور بحرية تمت من لبنان بين يوليو وسبتمبر، مقارنة بـ 17 محاولة عبور بحرية تمت من لبنان في خلال عام 2019 بأكمله.
وأودت الرحلات المحفوفة بالمخاطر بحياة العديد من الأشخاص بالفعل هذا العام، بما في ذلك الأطفال.
موت ومياه مالحة
روى العديد من الأطفال الذين كانوا على متن بعض تلك الرحلات مع آبائهم، كيف تقطعت بهم السبل على البحر الأبيض المتوسط لأكثر من أسبوع، دون طعام أو ماء، ولجأت الأمهات إلى محاولة تصفية المياه المالحة بملابسهن لإرواء عطش أطفالهن.
يقول أحد المراهقين عن محاولتهم البائسة هو وعائلته لمغادرة لبنان: "بدأنا نحسب الأيام حتى موتنا أثناء شرب مياه البحر".
ومرت الأسرة السورية المكونة من تسعة أفراد بمحاولة مروعة لعبور البحر الأبيض المتوسط من لبنان إلى قبرص الشهر الماضي، ووصفوا لحظات عجز على متن السفينة بينما كان الأطفال يشاهدون والدتهم تموت، حسب تقرير منظمة إنقاذ الطفولة.
من جهة أخرى، اضطر بعض الآباء إلى ربط جثث أطفالهم على طرف القارب، لتجنب فقدانها في البحر، وكان القارب يحمل على متنه 49 شخصاً إلى الشواطئ القبرصية.
بدورها، تقول المديرة القطرية للمنظمة في لبنان، جينيفر مورهيد: "هذه هي القصص الحقيقية التي لا يمكن تصورها عن الأطفال الذين رأوا طفلاً أو والديهم يموتون على متن القارب الذي كان من المفترض أن يحملهم إلى مستقبل أفضل.
ودعت المنظمة الحكومة اللبنانية إلى إعطاء الأولوية للأطفال الضعفاء وأسرهم من خلال حزم الدعم المالي، كما دعت السلطات القبرصية إلى وضع مصلحة الأطفال الوافدين في المقام الأول، وأن تتيح لهم إمكانية اللجوء والحماية وفقاً للقانون الدولي.
في نفس السياق، أشارت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واليونيسيف في تقرير لها، إلى "قلقها العميق إزاء الارتفاع الكبير في عدد الحركات المنظمة ذاتياً التي تقوم بها القوارب إلى قبرص في الأسابيع الأخيرة، وذهولها من الوفيات والمواقف الخطيرة التي يتم وضع العديد من الرجال والنساء والأطفال الضعفاء فيها وهم يبحثون فيها بيأس".
وقالت: "في 14 أيلول (سبتمبر) قامت فرقة العمل البحرية بإنقاذ قارب قبالة سواحل لبنان كان على متنه 37 فردا، من بينهم 12 طفلا، توفي العديد من الركاب خلال الرحلة التي استغرقت 7 أيام في البحر تحت أشعة الشمس، بمن فيهم أطفال وامرأة واحدة، وعندما وصل القارب إلى بيروت، كان عدد من الركاب الآخرين في حالة حرجة واضطروا لنقلهم إلى المستشفى".
من جهته، قال ممثل اليونيسف في لبنان يوكي موكو "تشعر اليونيسف بقلق بالغ إزاء المخاطر التي يواجهها الأطفال عند الهجرة في مثل هذه الظروف، ونحن لا نزال ملتزمين بدعم البلد لضمان رفاه الأطفال في جميع الأوقات ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة، بما في ذلك الفقر وانعدام الفرص الاقتصادية. وإلى أن تعالج هذه الأسباب الجذرية بطريقة مجدية على المدى الطويل، ستواصل الأسر والأطفال مغادرة ديارهم بحثا عن مستقبل أكثر أملا، حتى عبر طرق الهجرة غير النظامية".
وتقدر منظمة الهجرة الدولية أن ما يقارب 463 مهاجرًا وطالب لجوء غرقوا في البحر المتوسط في أثناء محاولة الوصول لأوروبا، وذلك منذ مطلع 2018 وحتى منتصف مارس 2020.
ووصفت المنظمة البحر المتوسط بأنه "أكبر مقبرة في العالم"، مضيفة أن ما يزيد على ثلاثة آلاف مهاجر وطالب لجوء غرقوا فيه عام 2017، في حين بلغ عددهم 4150 عام 2016.