"أئمة على الطريقة الفرنسية".. مشروع فرنسي هل ينجح؟
تسرّع السلطات والهيئات الإسلامية في فرنسا العمل حول مشروع لتدريب "أئمة على الطريقة الفرنسية"، وذلك لوقف استقدام أئمة من الخارج وإضفاء استقلالية مالية وفكرية على تدريب المسؤولين الروحيين للجالية.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء عرضه في 2 تشرين الأول/ أكتوبر مشروع قانون حول الانعزالية يهدف خاصة إلى "هيكلة الإسلام" في فرنسا، "سنمارس عليهم ضغطا هائلا، الفشل غير مسموح".
ويجب على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، المحاور الرئيسي للسلطات، أن يؤسس خلال ستة أشهر مسار "تأهيل تدريب الأئمة" وتنظيم "شهادات" اعتماد لهم ووضع "ميثاق يؤدي عدم احترامه إلى العزل".
نوقش الأمر عدة مرات لكنه لم يتحقق أبدا.
ويهدف هذا المشروع إلى تحقيق رغبة السلطات في إنهاء نشاط 300 إمام في فرنسا "مبتعثين" من تركيا والمغرب والجزائر.
ونظرا لعدم وجود هيئة تمثلهم، من الصعب الحسم في عدد الأئمة الناشطين حاليا في 2500 مسجد في فرنسا حيث يعتبر الإسلام الديانة الثانية.
ويوجد اختلاف كبير في تدريب هؤلاء الأئمة، كثير منهم تدرب "عن طريق الممارسة" في حين تخرج عدد منهم من معاهد فرنسية وتكوّن آخرون في الخارج (المغرب، الجزائر، تونس، مصر، السعودية، وغيرها) وجاؤوا خاصة عبر آلية "الابتعاث".
"ما يوجد غير كاف"
اعتبر رئيس مؤسسة إسلام فرنسا غالب بن الشيخ أن "ما يوجد حاليا غير كاف".
وتوجد أقل من عشرة معاهد تدريب في فرنسا، يرتبط كل منها بعدد من المساجد، بعضها مقرب من الجزائر، والآخر مقرب من تركيا أو حتى من جماعة الإخوان المسلمين، وعدد "خريجي" هذه المعاهد محدود جدا.
يقول عميد مسجد باريس شمس الدين حفيظ الذين يحمل الجنسيتين الفرنسية والجزائرية، "سأكون سعيدا إن وجدت بين 15 و20 إماماً مدرّبين خلال ثلاثة أعوام".
وعدّل حفيظ التدريب في معهد الغزالي المرتبط بالمسجد الذي يشرف عليه وقلّصه بعام، كما أسس فروعا جديدة (في ليل، وقريبا في مرسيليا).
أما المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية المرتبط تاريخيا بجماعة الإخوان المسلمين، فيقول إنه درّب خلال ثمانية أعوام نحو 30 مسؤولا دينيا (أئمة ومرشدون، وغير ذلك).
من جهته أوضح رئيس المعهد الأوروبي لعلوم الأديان التابع للمدرسة التطبيقية للدراسات العليا ديدييه ليسشي أن "قليلا من الأئمة لهم تدريب جامعي مع انفتاح على العلوم الاجتماعيّة".
واعتبر أن "نقص رجال الدين المثقفين" يعزز في فرنسا "نزعة محافظة تتعارض مع مكاسبنا الاجتماعيّة".
بدوره اعتبر عميد مسجد عثمان في مدينة فيلوربان (شمال) عز الدين قاسي في مقالة حديثة نشرتها صحيفة لوموند أن نقص التدريب الجامعي يجعل عددا كبيرا من الأئمة "عاجزين عن انتاج فكر ديني يتماشى مع السياق والواقع الفرنسيين".
اختصاص مزدوج
بدأ المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في الأعمال التطبيقية، وينظّم السبت أول جلسة عامة للجنة المكلفة بدرس موضوع تدريب الأئمة.
والهدف هو أن يؤسَسَ "معا، مرتكز وبرنامج مشترك يضع في الحسبان السياق الفرنسي" (المؤسسات، التاريخ، إلخ). وبناءً على هذا "الإطار المرجعي" يمكن لكل فدرالية تأسيس معهدها الخاص.
ولإثارة اهتمام الشباب، دعا رئيس المجلس محمد موسوي الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والمغربية طلبته إلى الانخراط في اختصاص مزدوج في الجامعة، يكون ضمنه علوم الإسلام.
ونجح أتباع الديانات الأخرى عبر التاريخ في تأسيس كليّات دينية في فرنسا، لكن الأمر لا ينطبق على الإسلام.
فتأسيس كليات مماثلة سيحل مشكلة عدم جاذبية مهنة الإمام، لا سيما أنها تحظى حاليا بتقدير ضعيف وتدر دخلا زهيدا.
ويرى الرئيس السابق للمجلس أنور كبيبش الذي أطلق هذا المشروع عام 2016 ولم ينجح في ختمه بسبب مشاكل داخليّة، أن الهدف هو تدريب "أئمة يحملون خطابا يندرج في الميثاق الجمهوري ويحترم القانون وقيم الجمهورية".
وشدد محمد موسوي على أهمية أن "يكون أئمتنا ومسؤولونا الدينيون محصنين بشمل كاف ضد أشكال التطرف، وأن يكونوا قادرين على تحصين الأجيال القادمة من الدعاية المتطرفة".