تعرضت للعنف من والديها.. سعودية تقاوم اكتئابها بالقراءة واليوغا
أصبح عُمر ليلى (اسم مستعار) 22 عاماً، ولا تزال تجهل سبب تعنيفها من قبل والديها، مذ كانت طفلة لم تكمل السابعة.
وتعيش اليوم في بيت العائلة، لكن "منعزلة عنهم" حسب تعبيرها، بسبب كل ما أورثوه إياها من ألم نفسي على مرّ السنين الماضية.
وفي حوار مع الشابة السعودية، عبر بريد موقع "تويتر"، تطلعنا على قصّة حياتها، المطويّة في رحلة علاجها النفسي، التي تخوضها وحدها.
تقول ليلى بعبارة حازمة "توقف العنف قبل ثلاث سنوات فقط، بعد مقاطعتي أمي وأبي".
"أنا المذنبة"
تعرّضت ليلى إلى العنف الجسدي واللفظي، والموجع أكثر بينهما، هو "التلاعب النفسي" حسبما تقول.
أما عن أسباب وحجج أبيها وأمها لضربها وتوبيخها، تقول إنها كانت "مبهمة" مضيفة "للآن لم أجد تفسيراً منطقياً لكل ما قاما به".
وليلى هي الأخت الكبرى بين إخوتها، تشعر أيضاً أن بقية الإخوة لا يعون العنف الذي تعرضت له، ولذلك يرفضون مقاطعتها لوالديها.
هل حاولت التواصل مع شخص ليساعدك، سواء مؤسسة رسمية أو أحد أقاربك؟ "لا، فمنذ طفولتي حتى سنيّ المراهقة كنت أحاول التقرب من أمّي وكسب رضاها وتجنب الأذى في كل موقف معها، بلا جدوى" تقول ليلى.
وتضيف لـ"ارفع صوتك": "نظرتي لنفسي كانت سوداوية، لاعتقادي بأن الخطأ منّي في الأساس، وبأنني المذنبة العاقّة، وهذا نتيجة التلاعب النفسي من طرف أمّي".
العلاج النفسي
مرّت ليلى بانهيارات نفسية عديدة، تقول لـ"ارفع صوتك": "أصبت بالقلع والهلع والاكتئاب، لكن منذ سنتين بدأت رحلة علاج مستمرة، وقطعتُ الكثير، حيث تخلصت من القلق وصححت مفاهيم كثيرة، إلا أنني ما زلت أمرّ بنوبات اكتئاب وأعاني من نظرة دونية لشخصي.. أكره ضعفي".
"كنتُ أتمنى لو أن أحداً أوقف أمي عن تعنيفي، ولو أن أبي تواجد في البيت أكثر، وإن أمكنني تغيير شيء في حياتي سابقاً، كنت سأمضي وقتاً أكثر مع جدي وجدتي" تقول ليلى.
وتصف التجربة في منزل العائلة بأنها "مأساوية"، مستدركةً "لكن حين أستذكر الماضي ككل، أرى شيئاً جميلاً وعظيماً غير موجود اليوم، وهو طاقتي على استيعاب الألم والصبر على كل الوجع".
وتتابع ليلى سردها "كان أملي وسعادتي يتجددان يومياً. فمع كل شروق شمس أنسى وجع ضربة الأمس وامضي بيومي مع صديقاتي ولبيت جدي وجدتي. وهو ما أفتقده اليوم..."
ما الذي ساعدك على البدء -ربما- بحياة جديدة؟ تقول ليلى "انهياري النفسي كان اللحظة الفاصلة بين أنا القديمة وأنا الجديدة،حينها فقدت طاقتي كلها، واتخذت قرارات حازمة منها الانفصال عن هذه العائلة والتخلص من كل علاقة مؤذية، حتى لو هدد هذا حياتي وحقوقي الاجتماعية، ولا قيمة لبرّي أو طاعتي للمعتدين عليّ".
واتجهت ليلى للقراءة في مكتبة الجامعة، لمساعدتها في تخطّي الآثار النفسية الثقيلة، توضح "حاولت إجراء التحليل النفسي لنفسي، وتشريح مشاكلي للتمكن من حلها بالتدريج، فبنيت إستراتجيات دعمت صحتي النفسية، والتزمت بالرياضة واليوغا وجلسات التأمل".
"هذه كانت بداية استعادتي لنفسي، بالتالي البداية لحياة جديدة" تختم ليلى قصتها.
سجن وغرامة مالية
وبمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، المقر من الأمم المتحدة، أصدرت النيابة السعودية بياناً تعلن عبره العقوبات التي تقع على المعتدي، في حسابها الرسمي على تويتر، وهو ما احتفى به عشرات المغرّدين السعوديين، اليوم الأربعاء.
وجاء في التغريدة "يُعزّز نظام الحماية من الإيذاء جملة من الضمانات للقضاء على حالات العنف ضد المرأة، ويُقرّر حزمة من الإجراءات والعقوبات الجزائية التي تتسم بالحزم والصرامة تجاه أي تجاوزات في هذا الشأن. مركز بلاغات حالات العنف الأسري ١٩١٩".
وفي تفاصيل البيان "يُحظر كل شكل من أشكال العنف ضد المرأة، أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو التهديد به".
والعقوبات تتمثل في "السجن مدة لا تقل عن شهر وتصل إلى السنة، وغرامة مالية لا تقل عن خمسة آلاف ريال سعودي وتصل إلى 50 ألف ريال، وإن عاد المعتدي لممارسة العنف، تتضاعف العقوبة" حسب البيان.
يُعزّز نظام الحماية من الإيذاء جملة من الضمانات للقضاء على حالات العنف ضد المرأة، ويُقرّر حزمة من الإجراءات والعقوبات الجزائية التي تتسم بالحزم والصرامة تجاه أي تجاوزات في هذا الشأن.
— النيابة العامة (@ppgovsa) November 25, 2020
مركز بلاغات حالات العنف الأسري ١٩١٩.#اليوم_الدولي_للقضاء_على_العنف_ضد_المرأة #النيابة_العامة pic.twitter.com/qK0DXwxxiI
97% نسبة الإيذاء النفسي
وحسب دراسة بحثية، نُشرت أوائل يونيو 2020، يتعرّض الأطفال للعنف في المملكة السعودية بأكثر من طريقة وفي أكثر من مكان، حيث يمكن أن يكون العنف ضدهم ناجماً عن العنف بين الأبوين، أو يتعرّضون له مباشرة منهما، أو من أحدهما.
ومن نتائج هذه الدراسة أن 52% من الأطفال شهدوا عنفاً بين الوالدين، وأن مشاهدة الأطفال والمراهقين لعنف الوالدين ترفع من نسب تعرضهم للإيذاء، سواء النفسي أو الجسدي أو الجنسي أو الإهمال، مقارنة مع من لم يشاهدوا العنف بينهما.
وتصدر الإيذاء النفسي بنسبة 97%، ويمكن أن يؤدي تعرض الأطفال للعنف إلى ضرر جسدي وعقلي وعاطفي، سواء كان الطفل ضحية مباشرة أو شاهدًا على أحداث عنف.
وشملت الدراسة التي أعدها "برنامج الأمان الأسري في الرياض" حوالي 17 ألف طالب وطالبة في المرحلة الثانوية (مدارس حكومية وخاصة) من مختلف المحافظات، في الفئة العمرية (15- 18) عاماً.
وفي دراسة أخرى، نشرتها جمعية المودة للتنمية الأسرية في مكة مارس 2019، وُجد أن (60- 70)% من الأبناء المُعنّفين لفظياً، آباؤهم وأمهاتهم حاصلون على شهادات دراسات عُليا، و57% منهم من أُسر مستقرة.
وبيّنت الدراسة 10 آثار نفسية على الأطفال المُعنّفين، هي: "العناد، الجُبن والخوف، النقص والعُزلة، انخفاض روح المُبادرة والإبداع، الإصابة بالتردد والقلق،عدم القدرة على التعبير، عدم الإحساس بالأمان، الهروب الذهني، الإحجام عن تعلم مهارات جديدة، ضعف الشخصية".