"نحتاج إلى إصلاح سلوك الرجال" قال الفنان البريطاني بينيدكت كامبرباتش في مقابلة مع موقع "سكاي نيوز"، أثناء حديثه عن فيلمه الجديد "قوة الكلب- The power of the dog".
وأضاف كامبرباتش المعروف بدور المحقق شارلوك هولمز، والمرشح لجائزة الأوسكار عن دوره في فيلم "لعبة التقليد The imitation game": "هناك نوع من الإنكار لسلوكهم، بتجلى في مواقف الدفاع الصبيانية، كأن يقول أحدهم (ليس كل الرجال سيئين)، لكن لا، علينا أن نخرس ونصغي فقط".
وأشار في حديثه إلى "غياب الاعتراف الكافي بالإساءة التي يمارسها الرجال" وهو ما يتطلب مراجعة للسلوك القمعي، وأسبابه، كما فعل فيلم "قوة الكلب"، وبناء عليه "إصلاح الرجال"، حسب رأيه.
ويمثل كامبرباتش في هذا الفليم المقتبس عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب توماس سافاج، دور "فيل بوربانك"، وهو مزارع ورجل "كاوبوي" (رعاة البقر)، من ولاية مونتانا الأميركية، عاش في عشرينيات القرن الماضي.
ويتسم بالفجاجة وقمع رغباته الداخلية والتنمّر على الآخرين من المقربين (أخيه وزوجة أخيه)، أو غيرهم من أهالي البلدة التي يقطنها، والانتقاص من شأنهم.
ويعتد فيل بصفاته، معتبراً عكسها ضعفاً وغير ذي علاقة بالرجولة والبشر حتى، كما دار في حوار بينه وأخيه، حول الفتى (نادل المطعم) الذي أهانه لأنه يصنع الورود الورقية ويتحلى بالتهذيب واللياقة، وبسبب ذلك يُطلق عليه وصف "مخنث".
كما ينظر إلى النساء بأنهن ضعيفات بمرتبة أدنى من الرجال، ومن السهل أن تقبل أي منهن خوض علاقة حميمة مع أي رجل، باعتبارهن أدوات لإمتاعه فقط، دون الحاجة منه إلى الالتزام بعلاقة عاطفية وإنسانية مع إحداهن.
ويتابع كامبرباتش في اللقاء نفسه "نعيش اليوم في عصر يمكن فيه للناجين من العُنف الكلام، ولديهم منصّات يؤكدون عبرها أنه لا يوجد اعتراف كاف بالإساءة أو الضرر الذي يلحق بهم".
وفي لقاء آخر سابق يجمع بين كامبرباتش والممثل الأسترالي كودي سميت ماكفي، الذي أدى دور بيتر (النادل)، قال الأخير "أحببت هذا الدور لأنه منحني فرصة امتلاك نفسي وتحقيق بعض الأمور التي قد تكون غير مرغوبة اجتماعياً".
"وعلّمتني الشخصية أنه ليس بالضرورة أن يتماشى مع السياق الاجتماعي، وفي نفس الوقت تكون مرتاحاً لذلك" أضاف ماكفي.
فيما أكد كامبرباتش "ثقافتنا اليوم ما زالت غير متسامحة وقمعية وتطلق الأحكام ومنحازة، وأعتقد أن ذلك يخلق الكثير من المشاكل ليس بالنسبة للأشخاص الذين لا يعبرون عن أنفسهم بشكل حقيقي، بل أيضاً للمحيطين بهم، وهذا نوع من الرجولة السامّة التي تنعكس بأشكال متعددة اليوم".
ومن المهم الإشارة إلى أن مخرجة العمل جين كامبيون، كانت حسب توقعات الكثير من النقاد والسينمائيين، مهدت الطريق لصانعات أفلام نساء أخريات ليتبعنها، حين فازت بجائزة "السعفة الذهبية" بمهرجان كان عن فيلمها "البيانو".
في ذلك قال كومبرباتش لـ"سكاي نيوز": "يبدو أن الطريق طويل بشكل مؤلم مقارنة بالمكان الذي بدأت فيه كامبيون.. لكنها ألهمت الناس طوال الطريق".
وأوضح أن البطء الحاصل في مسيرة النساء في صناعة السينما والعثرات التي تقف في طريقهن يبدو كموضوعة "الصحة العقلية"، مردفاً "هذه الأشياء لا تزال وصمة عار، ولا يزال هناك شيء يحتاج إلى الحديث عنه ومعالجته والكتابة والمساعدة، وحتى يكون هناك أجر متساوٍ (بين النساء والرجال) له مكان على الطاولة، لا يزال يتعين علينا إجراء تلك المحادثة".
ويعتبر "قوة الكلب" أول فيلم روائي طويل لكامبيون بعد غياب 12 عاماً، وأيضاً أول فيلم لها يكون بطله ذكراً، إذ عرفت في أفلامها السابقة بالحديث عن تجارب نسويّة جميع بطلاتها من النساء.
وبالتزامن مع حملة الـ"16 يوماً" (لوّن العالم برتقالياً) للأمم المتحدة، التي انطلقت في 25 نوفمبر الماضي في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، وتنتهي في 10 ديسمبر الحالي الموافق اليوم العالمي لحقوق الإنسان، يجدد الفيلم، المتوفر على منصة "نتفليكس"، الحديث حول الرجولة السامّة، ومن آثارها العنف بأنواعه ضد النساء.
وتتناول العديد من وسائل الإعلام الدولية، الفيلم، في هذا السياق، مستذكرة صعود هذا المصطلح الذي واكب حملة "Me too" قبل أربعة أعوام، وأيضاً تحليله، وتأثير شيوع الحالة على تيار العنف الذي تخلقه ليس ضد النساء فحسب، إنما يعانيه الرجال المستضعفين من رجال آخرين، وأيضاً ضد مجتمع الميم (LGBTQ).
الرجولة السّامة.. ماذا تعني؟
أوردت دراسة لـ"Journal of school Psychology"، أن الرجولة السامة "كوكبة من السمات الرجعيّة الاجتماعية الذكورية التي تعمل على تعزيز الهيمنة، وتقليل قيمة المرأة، ورهاب المثلية، والعنف الجائر".
وفي المجتمع الحديث ، غالبًا ما يستخدم الناس مصطلح الرجولة السامة لوصف الصفات الذكورية المبالغ فيها التي قبلتها أو تمجدها العديد من الثقافات على نطاق واسع.
ويضع هذا المفهوم الضار للرجولة أيضًا أهمية كبيرة على "الذكورة" بناءً على "الخضوع لقلة العاطفة، والاكتفاء الذاتي، وهيمنة الذكورة الجنسية وفقًا للقيم الذكورية السامة التقليدية".
بالتالي، وحسب ما جاء في تقرير لـ"Medical news today"، فإن الذكر الذي لا يُظهر ما يكفي من هذه الصفات قد لا يكون "رجلًا حقيقيًا"، وقد يؤدي الإفراط في التركيز على هذه السمات إلى "اختلالات ضارة في شخص يحاول الارتقاء إلى مستوى هذه التوقعات".
وأضاف: "تتضمن بعض الأمثلة الاعتداء الجنسي أو السيطرة وعدم إظهار أي عاطفة أو قمع العواطف، عدا عن القدرة التنافسية المفرطة، والحاجة للسيطرة أو السيطرة على الآخرين، والميل نحو أو تمجيد العنف، والتمييز على أساس الجنس".
أما بدايات استخدام هذا المصطلح، فتعود حسب تقرير الموقع الأميركي الطبي، إلى بداية الثمانينيات حتى التسعينيات، مع انطلاق "حركة الرجال الأسطورية".
وكانت الحركة عبارة عن مجموعة من أنشطة المساعدة الذاتية وورش العمل العلاجية والخلوات للرجال التي قامت بها منظمات ومؤلفون مختلفون في الولايات المتحدة.
وصاغ البروفيسور شيبرد بليس مصطلح "الأسطورية" في تفضيله لمصطلح "حركة رجال العصر الجديد"، على الرغم من أن "mythopoeia" صاغه J.RR تولكين في ثلاثينيات القرن الماضي، وله معنى مختلف، وفق موقع "ويكيبيديا".
واعتمدت الحركة أسلوبًا عامًا للمساعدة النفسية الذاتية، وتأثرت أنشطة المجموعة المستخدمة في الحركة إلى حد كبير بالأفكار المستمدة من الطبيب النفسي السويسري كارل جوستاف يونج، والمعروف باسم علم النفس اليونغي، على سبيل المثال، النماذج الأصلية لجونغ، التي كان استخدام الأساطير والحكايات الخرافية المأخوذة من ثقافات مختلفة بمثابة طرق لتفسير التحديات التي يواجهها الرجال في المجتمع.
ثقافة #الذكورة_السامّة لا تؤذي النساء فحسب، بل أيضاً تؤذي الرجال أنفسهم والمجتمع ككل. pic.twitter.com/BRk6Un7pB5
— YFM | الحراك النسوي اليمني (@YemeniFeministM) May 23, 2020
⭕️ محاربة الذكورة السامة
— Dr Vian Aziz (@VIANAZIZFRCOGUK) October 21, 2021
يشير مصطلح الذكورية إلى مشاكل حقيقية تتعلق بعنف الذكور والتمييز على أساس الجنس.
سمات "السامة" مثل العدوان واستحقاق الذات من كونه رجل "صحية"
قدمت جمعية علم النفس الأمريكية إرشادات جديدة للمعالجين الذين يعملون مع الأولاد والرجال ،
ووفقًا لعالم الاجتماع مايكل ميسنر، فإن ظهور المجتمع الصناعي الحضري "حاصر الرجال في قيود العقلانية، بالتالي قمع الشركة العاطفية القوية والسمو الروحي الجماعي الذي يعتقدون أن الرجال في المجتمعات القبلية يتمتعون به عادةً"، وهو ما أدى لبروز الحركة "الأسطورية".
وسعت الحركة "الأسطورية" إلى "إعادة الرجولة العميقة للذكور الذين فقدوها في أنماط حياتهم الأكثر حداثة"، ما اعتُبر كرد فعل على صعود الحركات النسوية، إذ شعر الرجال بأن صوتهم بات منخفضاً.
فيما اعتبرت مصادر أخرى أن شيبرد بلس نفسه، هو صاحب تعريف "الرجولة السامة"، حيث سعى من خلاله لفصل الصفات السلبية للرجال عن تلك الإيجابية، واستخدم المصطلح كوسيلة للتمييز بينهما.
وشملت الصفات التي وسمها بلس بـ"السامّة": "تجنب التعبير عن العواطف والتطلُعات الجامحة لفرض السيطرة الجسدية والجنسية والفكرية، والسعي المُمنهج إلى التقليل من قيمة النساء في ما يتعلق بآرائهن وأجسادهنّ والشعور بالذات لديهنّ". (إندبندنت عربية)
ووفق المعالج النفسي سيلفا نيفيس، فإن الرجولة السامة "نتيجة مجموعة من القواعد الصارمة التي تحدد ما يجب أن يكون عليه الرجل"، وتقضي بأن "الرجل يجب أن يعاني بصمت من آلام جسدية ونفسية، ولا ينبغي له البحث عن الدفء أو الراحة أو الرقة، ويجب أن يتحلى فقط بمشاعر الشجاعة والغضب، بينما تعتبر أي مشاعر أخرى نقاط ضعف، والضعف غير مقبول".
وأضاف في مقال له، نُشر على موقع "Psychology today": "يجب ألا يعتمد الرجل على أحد، فطلب المساعدة يعتبر ضعفاً، كما يجب أن يفكر دائماً بالفوز سواء في الرياضة أو العمل أو العلاقات أو الجنس".
وأكد أن الرجولة السامة "لا تقتل النساء فقط، بل الرجال أيضاً، نتيجة قواعد الرجل الصارمة"، مردفاً "إذا أردنا التوقف عن معاداة النساء، وأن تكون النساء بأمان في شوارعنا وأن يتمتع الرجال بصحة نفسية، فعلينا أن نبدأ بكيفية تربية أولادنا في كل أسرة وفي المدارس وداخل مجتمعاتنا".
إعلان "جيليت"
في عام 2019 أطلقت شركة جيليت الرائدة في صناعة شفرات الحلاقة، إعلاناً يتصدّى للرجولة السامة، ويحاول تصويب المسار عبر انتقاد سلوكيات تعبر عن المفهوم، وفي نفس الوقت طرق إصلاحها والحد منها.
ومن السلوكيات التي انتقدها: التنمّر، والتحرش الجنسي.
ويذكر في بداية الإعلان حركة "Me too" ضد التحرش الجنسي، باعتبارها مصدر إلهام لهذا الإعلان، الذي مثل دعماً لها.
أمّا نص الإعلان فيبدأ متسائلاً بعد سرد أخبار عن الحركة "هل هذا أقصى ما يمكن للرجل تحقيقه؟ حقاً؟".
ويكمل "لا نستطيع الاختباء من هذه السلوكيات المستمرة منذ زمن طويل. لا يمكننا الضحك مقابلها، والتحجج بنفس الأعذار (الأولاد هم الأولاد)، ولكن أخيراً شيء ما تغيّر، ولا مجال للرجعة. لأننا نؤمن بالسمات الأفضل في الرجال، عبر قول ما يجب قوله، والتصرف بالشكل الصحيح، وبالفعل البعض يقوم بذلك، كان كبيراً أو صغيراً، ولكن البعض ليس كافياً، لأن الأولاد الذين يشاهدون اليوم، سيكونون رجال الغد".