40 عاما على تأسيس حزب الله..أعداء أكثر وشعبية تتراجع
بعد أربعين عاما على تأسيس حزب الله إبان الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، تحولت الحركة إلى أكبر جماعة مسلحة في الشرق الأوسط.
حزب الله الذي تسلحه وتموله إيران، أحيى الذكرى السنوية لتأسيسه باحتفالات في معاقله مؤخرا، بعدما بات يهيمن على السياسة اللبنانية ويلعب دورا مؤثرا في نشر نفوذ طهران في أنحاء العالم العربي.
لكن القوة الشيعية التي حظيت بالثناء بين العرب لوقوفها بصلابة أمام إسرائيل، أصبحت تواجه انتقادات شديدة من عدة جبهات.
في الداخل اللبناني يعارض فصيل كبير من السكان قبضة حزب الله على السلطة ويتهمونه باستخدام التهديد بالقوة لمنع إحداث أي تغيير.
وفي أنحاء المنطقة يشعر كثيرون بالاستياء من تدخلات حزب الله عسكريا في العراق وفي الحرب الأهلية في سوريا، حيث ساعدت الحركة - جنبا إلى جنب سوريا- في قلب ميزان القوى لصالح قوات الرئيس بشار الأسد.
لا يوجد تاريخ محدد لتأسيس حزب الله، الذي بدأ من مجموعة صغيرة من المقاتلين بمساعدة الحرس الثوري الإيراني، لكن الجماعة تقول إن تأسيسها جاء في صيف عام 1982.
تأتي الذكرى الأربعون هذا العام بعدما حذر مسؤولو حزب الله من احتمال اندلاع حرب مجددا ضد إسرائيل بسبب الحدود البحرية المتنازع عليها الغنية بالغاز.
وعلى مدار سنوات، عزز حزب الله قوته العسكرية، إذ يفتخر بوجود 100000 مقاتل مدربين تدريباً عالياً.
والآن يقول زعيم الحركة وأمينها العام حسن نصر الله، إن لديهم صواريخ دقيقة التوجيه يمكنها ضرب أي مكان في إسرائيل ومنع السفن من الوصول إلى ساحل البحر المتوسط في إسرائيل، إضافة إلى طائرات مسيرة متقدمة يمكنها إما ضرب اهداف أو جمع معلومات استخبارية.
يقول جو ماكرون، المحلل في شؤون الشرق الأوسط:"تطور حزب الله بشكل كبير في العقود الأربعة الماضية، تنظيميا من حيث الهيكل، وعالميا من حيث الانتشار، وإقليميا من حيث المشاركة”.
ومن إنجازات حزب الله على مدار السنوات الأربعين الماضية، شن حرب عصابات ضد القوات الإسرائيلية التي كانت تحتل أجزاء من جنوب لبنان.
وعندما أجبر الجيش الإسرائيلي على الانسحاب في مايو أيار 2000 - دون اتفاق سلام - جلب ذلك ثناء لحزب الله من أنحاء الشرق الأوسط.
وقال المتحدث باسم حزب الله، محمد عفيف، في مؤتمر صحافي في يوليو الماضي، للاحتفال بالذكرى السنوية "من كان يتصور أنه يمكن هزيمة عدونا؟".
لكن منذ الانسحاب، تصاعد الجدل حول حزب الله بشكل مطرد مع تغير دوره.
في عام 2005 اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، أقوى سياسي سني في البلاد في ذلك الوقت، إثر انفجار ضخم لشاحنة مفخخة في بيروت.
واتهمت محكمة مدعومة أمميا ثلاثة من أعضاء حزب الله بالوقوف وراء اغتياله، ونفى حزب الله هذه الاتهامات.
كما أُلقي باللوم على الحركة في اغتيالات أخرى استهدفت في الغالب مسيحيين وسياسيين ومثقفين ينتقدونها، ونفى حزب الله هذه الاتهامات كذلك.
تقول الصحافية والوزيرة السابقة مي شدياق، التي فقدت ذراعها وساقيها في محاولة اغتيال عام 2005 عندما وضعت متفجرات في سيارتها، إن "حزب الله يمثل خطرا كبيرا على لبنان".
وتضيف لوكالة أسوشيتد برس، أن حزب الله "يعمل على توسيع نفوذ إيران في لبنان، ووهذه خطة طويلة الأجل تجري منذ 40 عاما".
وردا على سؤال حول ما إذا كان حزب الله هو المسؤول عن محاولة اغتيالها، أكدت شدياق: "بالطبع. ليس هناك شك في ذلك. كل هذه الاغتيالات (ومحاولات الاغتيال) مترابطة".
تسبب إصرار حزب الله على الاحتفاظ بسلاحه منذ انسحاب إسرائيل في انقسام اللبنانيين بشدة، الذين يطالب بعضهم بنزع سلاحه، مبررين ذلك بأن الدولة وحدها هي التي يحق لها حمل السلاح.
بينما يدعم آخرون تسليح الحركة "لأنها يجب أن تستمر في القدرة على التصدي لإسرائيل".
خاض حزب الله حربا غير محسومة ضد إسرائيل استمرت 34 يوما في صيف 2006.
وتعتبر إسرائيل اليوم حزب الله أخطر تهديد مباشر لها، وتشير تقديراتها إلى امتلاكه نحو 150 ألف صاروخ وصاروخ موجه نحوها.
مستهل يوليو من العام الجاري أسقط الجيش الإسرائيلي ثلاث طائرات من دون طيار أطلقها حزب الله نحو منطقة تم فيها تركيب منصة غاز إسرائيلية مؤخرا في البحر المتوسط.
وحذر نصر الله من أنه "لن يسمح لإسرائيل بالاستفادة من حقول الغاز في منطقة الحدود البحرية المتنازع عليها قبل التوصل إلى اتفاق مع لبنان".
ووصف الميجور جنرال أوري غوردين، القائد الجديد للقيادة الشمالية الإسرائيلية، حزب الله بأنه "تهديد خطير" بسبب قربه من إسرائيل وترسانته.
وقال للأسوشيتدبرس من القدس: "هذا جيش إرهابي قوي للغاية. هو ليس بقوة الجيش الإسرائيلي ولا بقوة سلاح الجو الإسرائيلي. نحن في موقع مختلف تماما عندما يتعلق الأمر بقدراتنا العسكرية. لكن لديه القدرة على التسبب في ضرر جسيم".
وقال عفيف، المتحدث باسم حزب الله: "طالما هناك عدوان فستكون هناك مقاومة".
في عام 2008 قررت حكومة رئيس الوزراء المدعوم من الغرب فؤاد السنيورة تفكيك شبكة اتصالات حزب الله.
ورد حزب الله بالاستيلاء بالقوة على أحياء سنية في بيروت، في أسوأ قتال داخلي منذ انتهاء الحرب الأهلية بين عامي 1975 و 1990، كما شكل خرقا لتعهد حزب الله بعدم استخدام أسلحته في الداخل.
ربما كان القرار الأكثر إثارة للجدل الذي اتخذه حزب الله هو إرسال آلاف المقاتلين إلى سوريا منذ 2013 لدعم الأسد ضد مقاتلي المعارضة، وكذلك ضد المقاتلين المرتبطين بالقاعدة وداعش.
وقال المحلل ماكرون إن التدخل "يعني الضلوع في صراع داخلي لدولة عربية مجاورة بدلا من الوفاء بتفويض مزعوم لحزب الله لمقاومة إسرائيل".
في جميع الدول العربية ترسخت صورة حزب الله كقوة شيعية طائفية تقاتل بشكل رئيسي المسلحين السنة وتنشر نفوذ إيران في المنطقة.
كما وجهت اتهامات لحزب الله بمساعدة الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، ما دفع ست دول عربية على الأقل إلى إدراج الجماعة كمنظمة إرهابية.
في الداخل اللبناني استخدم حزب الله نفوذه القوي وسط الشيعة للفوز بهيمنة سياسية.
في عام 2016 انتخب حليفه المسيحي ميشال عون رئيسا للبلاد، ثم فاز وحلفاؤه بأغلبية برلمانية في انتخابات لاحقة، ما أدى إلى أن يكون له دور في إطار نظام حكم ألقي باللوم عليه في عقود من الفساد وسوء الإدارة تسببت في الانهيار الاقتصادي للبلاد، منذ أواخر عام 2019.
انطلقت في أواخر عام 2019 احتجاجات حاشدة تطالب بإبعاد السياسيين القائمين على الحكم، وبعدها بأيام هاجم مئات من أنصار حزب الله المتظاهرين في وسط بيروت، وأجبروهم على الفرار.
وفي أكتوبر 2019، اشتبك أنصار حزب الله وميليشيا منافسة مسلحة أيضا في بيروت، على خلفية تحقيقات في انفجار ميناء بيروت المدمر عام 2020.
وعاقب الناخبون حزب الله وحلفاءه في انتخابات هذا العام، ما جعلهم يفقدون أغلبيتهم البرلمانية.