بينما يُحتفى دولياً بيوم الأغذية العالمي، الموافق 16 أكتوبر من كل عام، يلجأ 87% من اللبنانيين و96% من النازحين السوريين المقيمين فيه، إلى نمط غذائي غير صحي، بحسب تحليل لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو).
ومشتقات الألبان ليست سوى أحد الأمثلة على انعدام الأمن الغذائي في لبنان، الذي حذرت منه "الفاو" في فبراير الماضي، بعد أن خلصت في "تحليل أول حول لبنان لما يُعرف بالتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي لأن نحو مليوني شخص، منهم 1.29 مليون مواطن لبناني و700 ألف لاجئ سوري، يواجهون انعداما في الأمن الغذائي في الوقت الراهن".
وكانت ممثلة "الفاو" في لبنان، نورة أورابح، قالت إن الأسر التي لا تمتلك "ما يكفي من المواد الغذائية أو المال لشراء الطعام، تبنت وسائل تكيّف سلبية لمواجهة النقص في الغذاء، منها التغيير في أنماط استهلاك الغذاء ونوعيته من خلال شراء مواد غذائية غير مكلفة أو تقليل عدد الوجبات أو أحجام (حصص) كمية المواد الغذائية أو وجبات الطعام".
"أشباه" مواد غذائية؟
بسبب نقص المواد الغذائية وارتفاع الأسعار، خصوصا مشتقات الألبان، درج في سوريا استخدام منتجات بديلة، لتصل بدورها إلى لبنان الذي يعاني أزمات مشابهة منذ سنة 2019.
تقول المتخصصة في علوم التغذية، سارة فواز، لـ"ارفع صوتك": "من المحزن أن بعض اللبنانيين الذين يعانون من تدهور في القيمة الشرائية يلجأون إلى بدائل ليست مفيدة لا بل وأحيانا قد تكون ضارة للغاية، خصوصا بالنسبة للصغار".
وتصف المواد الغذائية البديلة بأنها "أشباه الألبان والأجبان" مبينةً: "من ناحية التركيبة والمكونات هذه المواد لا تعتبر من مشتقات الألبان لأنها ليست مستخلصة منها، حتى ولو دخلت نسبة منها في صناعتها، وتتميز بأنها تصنع من مصادر غير حيوانية. كما تدخل فيها مكونات أخرى مثل النشاء والمستحلبات والمنكهات الغذائية، وبطبيعة الحال هذه الأخيرة مثل (الجلوتامات أحادي الصوديوم) يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على تعزيز نكهة الطعام، لكنه قد يتسبب بحساسية لبعض الأشخاص فيشعرون بأعراض مثل الصداع أو التوتر عند تناوله بكميات كبيرة، بالإضافة إلى زيادة نسبة السكر في الدم وانخفاض نسبة الدفاعات المضادة للأكسدة".
"بالتالي، لا يمكن الإعتماد على هذه المواد كمصدر أساسي للكالسيوم مثلا كما في حالة الأطفال"، تتابع فواز.
وبالنسبة للمواد الغذائية غير الأساسية، مثل الشوكولاتة، تشرح فواز: "نظرا للارتفاع الحاد في أسعار الشوكولاتة من النوعية الجيدة وصعوبة الاستيراد للسبب نفسه، يستسلم اللبناني لواقع الحال ويشتري تلقائيا البدائل التي تكون أرخص ثمنا و لا تصنع بالجودة نفسها، فهي تحتوي على مواد حافظة بشكل أكبر ويتم استعمال دهون صناعية بدلا من زبدة الكاكاو الطبيعية، كما أن سبب نكهة الحلاوة الزائدة سببها الكميات الكبيرة من السكر المكرر، لذا فإنها غير صالحة لصحة الأطفال".
من جهتها، تقول رنا خالد وهي ربة منزل لبنانية: "أحيانا أبتاع من العدس أو الفول كبديل للحوم، ومع ذلك وأنا أغسلها قد ألاحظ بعض الحشرات الصغيرة (السوس). لكنني لا أرميها. ربما كنت لأفعل ذلك في السابق ولكن اليوم هذا شبه مستحيل، بسبب أسعارها المرتفعة".
تتكيف رنا مع هذه المشكلة، كما تضيف لـ"ارفع صوتك"، بأن تغسل البقوليات أو الأرز وتتأكد من نظافتها قبل طهيها وتقديمها لعائلتها.
ثمن رخيص وتكلفة صحية مرتفعة
مع استمرار الأزمة الاقتصادية والتدهور في الليرة اللبنانية، تزدهر سوق نوعين من السلع: المستوردة التي يبقى سعرها مع تكلفة الاستيراد بمتناول الجميع، والمصنعة في الداخل وهي بسعر مقبول بالنسبة لشريحة كبيرة من اللبنانيين. ولكن، التكلفة لا تعادل دائما القيمة والجودة.
يقول المحلل والكاتب الاقتصادي باسل الخطيب، لـ"ارفع صوتك": "منذ بداية الأزمة اللبنانية في 2019، ظهرت علامات تجارية وسلع ومنتجات جديدة وغير معروفة في السوق اللبنانية، منها محلية الصنع وأخرى مستوردة. ولكن بغض النظر عن مصدرها، الأكيد أنها ليست ذات قيمة أو ذات شهرة ذائعة، لكنها ظهرت كبديل لمنتجات ما عاد السواد الأعظم من اللبنانيين قادرا على تكبد تكاليفها بسبب عدم توفر القدرة الشرائية وهبوط العملة وتدني الرواتب وسواها".
ويوضح: "الأمر لا ينحصر بلبنان، فمن الطبيعي أن تولد الأزمات مزيجا من المنتجات الجديدة والرخيصة في الغالب التي يلجأ اليها المستهلك تلقائيا ودون تفكير أو حتى التساؤل إن كان المنتج صالحا أم لا. والأمر ينسحب على مجالات أخرى أحيانا تكون أخطر مثل الأدوية".
ويحمّل الخطيب "الدولة اللبنانية المسؤولية، لأن من واجباتها مراقبة السوق"، وفق تعبيره، مبيناً: "المستهلك مسؤول عن التدقيق والتحقق من هذه المنتجات قبل شرائها والتأكد من أنها صحية أو غير صحية، أيضاً، لأننا لاحظنا في هذه الأزمة وجود كميات هائلة من السلع الجديدة التي تأتي من الخارج وتكون رخيصة، علما بأن بعضها فاسد".
ويستدرك بالإشارة إلى "وجود مواد غذائية مستوردة ورخيصة، لم تكن رائجة بين اللبنانيين، لكنها صالحة للاستهلاك، حيث تم التأكد من سلامتها".
يتابع الخطيب: "اليوم تبقى المسؤولية على المستهلك بعد الدولة. لا شك بأن وزارة الاقتصاد تراقب وتدقق، إنما على مستوى لبنان لا يوجد كثير من الاشخاص الذين يقومون بهذه المهمة وهم معدودون، فـ 20 إلى 30 شخصا لا يمكنهم مراقبة الأسواق اللبنانية بالكامل، بالتالي فإن واجب المستهلك أن يتفهم وأن يأخذ الحذر وتكون لديه ثقافة ومعلومات حول المنتوجات المطروحة".