ثارت حالة من الجدل في الأيام الماضية حول مشاركة إيران في العمليات العسكرية التي نفذتها حركة حماس ضد إسرائيل مؤخراً.
شكك البعض في مشاركة إيران في تلك العمليات. على سبيل المثال، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن في إحدى المقابلات التلفزيونية: "لا أرى دليلاً على وقوف إيران وراء أحدث هجوم في إسرائيل، رغم وجود علاقات قديمة بين حماس وطهران".
في المقابل، لمحت بعض التقارير إلى مسؤولية إيران عن الهجوم. فبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فإن إيران "أعطت الضوء الأخضر لحماس لتنفيذ الهجوم، خلال اجتماع عقد بالعاصمة اللبنانية بيروت، في الثاني من أكتوبر الحالي. بعد أن خطط ضباط الحرس الثوري مع قادة حماس مسألة التوغلات الجوية والبرية والبحرية".
من جهتها، نفت طهران اشتراكها في العملية. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن اتهام طهران بالضلوع في العملية المباغتة التي شنّتها حركة حماس ضد إسرائيل "يستند إلى دوافع سياسية".
واعتبرت الخارجية الإيرانية أن "الإشارة إلى دورها في هجوم حماس يهدف إلى تحويل الرأي العام وتبرير الإجراءات المقبلة التي قد تتخذها إسرائيل".
رغم هذا التضارب، لا يمكن إنكار العلاقات التاريخية التي لطالما ربطت بين حركة حماس و"النظام الإسلامي" في إيران. كيف بدأت تلك العلاقة؟ وما هي أهم مراحل صعودها وهبوطها؟ وماذا تستفيد إيران منها؟

حجر الأساس
تم الإعلان عن تأسيس حركة حماس سنة 1987. وسرعان ما أصبحت أحد أكثر الفصائل الفلسطينية نفوذا.
على الطرف الآخر، كانت التطورات في الأراضي الفلسطينية ضمن دائرة اهتمام النظام الإيراني، منذ صعود الخميني إلى الحكم. وكان من الطبيعي أن يبحث الملالي لأنفسهم عن حلفاء ضمن الفصائل الفلسطينية. ولما كان من الصعب عقد توافق بين النظام الإيراني وحركة فتح بسبب الميول العلمانية للحركة، وميلها للتوافق مع السلطات الإسرائيلية، صار التقارب مع حركة حماس، التي تنتمي إلى تيار الإسلام السياسي، هو الخيار المتاح أمام طهران.
يتحدث الباحث عبد الحكيم عزيز حنيني، في كتابه "منهجية حركة حماس في العلاقات الخارجية"، عن البدايات الأولى للعلاقات المنعقدة بين حركة حماس وطهران.
يذكر حنيني أنه في سنة 1990 بدأت العلاقات بين حماس وإيران بشكل رسمي، عندما سافر وفد من حماس برئاسة إبراهيم غوشة -الذي سيتولى لاحقا منصب الناطق الرسمي للحركة- إلى طهران.
بعد سنة واحدة، سافر غوشة مرة أخرى إلى طهران. وشارك في المؤتمر الثاني لدعم "الانتفاضة الفلسطينية". والتقى بكل من الرئيس الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ووزير الخارجية علي أكبر ولايتي.
في هذا اللقاء، طلب غوشة من الإيرانيين قبول عماد العلمي -وهو أحد قيادات الحركة- ليصبح الممثل الرسمي لحماس في إيران.
وفي سنة 1992، تم افتتاح مكتب حماس في طهران. وتعامل الإيرانيون مع المكتب مثل تعاملهم مع سفارات باقي الدول.
في دراسته، "فهم العلاقات بين إيران وحماس من منظور دفاعي واقعي جديد"، يلقي الباحث علي أبو ريزيك الضوء على بعض الأحداث التي أسهمت في توطيد العلاقات بين حماس وإيران في تلك الفترة. يقول أبو ريزيك إن المرحلة الثانية المهمة التي عززت العلاقات بين الجانبين تعود إلى أول عملية نفي جماعي نفذتها إسرائيل ضد 415 من قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في سنة 1992 إلى منطقة مرج الزهور جنوب لبنان، حيث عزز هؤلاء علاقتهم مع إيران، وحليفها اللبناني حزب الله. فأثناء منفاهم في لبنان، تمت زيارتهم بشكل متكرر من قِبل القادة الإيرانيين وكانوا يتلقون دعماً مادياً مباشراً منهم.
العلاقات.. من القوة إلى الضعف
في سنة 1998، توطدت العلاقات بين الجانبين بعد أن تم الإفراج عن مؤسس حركة حماس، أحمد ياسين.
سافر ياسين لزيارة مجموعة من الدول العربية والإسلامية في ذلك الوقت. وكانت إيران إحدى المحطات المهمة في رحلته. في طهران، التقى ياسين بمرشد الجمهورية علي خامنئي، وبالرئيس محمد خاتمي.
وقد ظهرت آثار هذا التقارب بشكل واضح في سنة 2004م. عندما أصدر علي خامنئي بياناً ينعى فيه أحمد ياسين عقب اغتياله على يد القوات الإسرائيلية.
في سنة 2006، بدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين الجانبين. فبمجرد فوز حماس بالانتخابات التشريعية، سارعت طهران لمد يد العون لحكومتها الجديدة، أمام ابتعاد العديد من القوى الإقليمية العربية عنها، مفضلة أن تُبقي على علاقتها مع حركة فتح. في هذا السياق قدمت إيران دعماً مالياً كبيراً لحماس.
لكن في سنة 2013م، ومع تصاعد موجات الربيع العربي في المنطقة، تعرضت العلاقات الإيرانية الحمساوية لبعض الضعف، وذلك بسبب مساندة طهران لرئيس النظام السوري بشار الأسد، في الوقت الذي أعلنت فيه حماس وقوفها علنا إلى جانب المتظاهرين.
وذكرت بعض التقارير الإيرانية أن حماس شاركت في القتال ضد النظام السوري من خلال فصيل يُدعى "أكناف بيت المقدس"، ولكن حماس نفت ذلك، وأعلنت أن أولئك المقاتلين يتصرّفون في سوريا بشكل فردي.
تضررت علاقة الطرفين بسبب هذا الخلاف. على سبيل المثال، قال غازي حمد نائب وزير الشؤون الخارجية في حكومة حماس في قطاع غزة: "علاقاتنا مع إيران تأثرت على الصعيدين السياسي والتمويلي".
استمرت هذه العلاقات ضعيفة لعدة سنوات. ففي سنة 2016م، صرح خالد مشعل، الرئيس السابق للمكتب السياسي للحركة بأن الأزمة بين حماس والأسد أثرت على العلاقة مع طهران، وأن إيران "ردت بمراجعة الدعم المالي للحركة بشكل كبير بعد أن كانت أحد الداعمين الأساسيين لها". رغم ذلك التوتر، بقيت بعض المساعدات الإيرانية العسكرية تجد طريقها لكتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس.
ويبدو الخلاف المذهبي أيضاً كأحد العوامل المؤثرة في إضعاف العلاقات بين الجانبين. تعمل إيران على تصدير ثورتها في المنطقة في شكل مذهبي شيعي إثني عشري يعتمد أطروحة ولاية الفقيه. لا يتوافق هذا الطرح مع الأجندة الحمساوية التي لطالما روجت لنفسها باعتبارها حركة إسلامية سنية الطابع. ظهر الخلاف بين الطرفين حول تلك المسألة المحورية في أكثر من موقف. من أشهر تلك المواقف، ما قامت به حماس في مارس سنة 2019م عندما حلّت "حركة الصابرين" المقربة من إيران. وقامت حماس حينها باعتقال الأمين العام لهذه الحركة، وصادرت أسلحتها كما اعتقلت عدداً من أعضائها في غزة.
حماس في حضن طهران مجددا
مع تراجع زخم الثورة السورية وتهميش الخلاف المذهبي، استعادت العلاقات الحمساوية الإيرانية جزءاً كبيراً من قوتها. ساعدت في ذلك التهديدات التي تعرض لها الجانبان في فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خاصة أن الولايات المتحدة تضع حماس ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، فيما تضع إيران على قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وكانت ملامح التأييد المتبادل واضحة في العديد من الأحداث التي وقعت على الساحة في السنوات السابقة. في يناير سنة 2020، نعت حركة حماس قائد لواء فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي قتل في غارة أميركية قرب مطار بغداد.
وبعد سنة واحدة، قدمت طهران مساعدات عسكرية مهمة لحركة حماس في عمليتها العسكرية، بين 10 و20 مايو 2021، والتي أطلقت فيها رشقات صاروخية مكثفة على إسرائيل. وحينها، وجه رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية الشكر لإيران بشكل رسمي ومعلن بعد انتهاء المواجهة مع القوات الإسرائيلية.