الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في لقاء برئيس المكتب السياسي السابق لحماس، خالد مشعل، في طهران عام 2006.
الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في لقاء برئيس المكتب السياسي السابق لحماس، خالد مشعل، في طهران عام 2006.

ثارت حالة من الجدل في الأيام الماضية حول مشاركة إيران في العمليات العسكرية التي نفذتها حركة حماس ضد إسرائيل مؤخراً.

شكك البعض في مشاركة إيران في تلك العمليات. على سبيل المثال، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن في إحدى المقابلات التلفزيونية: "لا أرى دليلاً على وقوف إيران وراء أحدث هجوم في إسرائيل، رغم وجود علاقات قديمة بين حماس وطهران".

في المقابل، لمحت بعض التقارير إلى مسؤولية إيران عن الهجوم. فبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فإن إيران "أعطت الضوء الأخضر لحماس لتنفيذ الهجوم، خلال اجتماع عقد بالعاصمة اللبنانية بيروت، في الثاني من أكتوبر الحالي. بعد أن خطط ضباط الحرس الثوري مع قادة حماس مسألة التوغلات الجوية والبرية والبحرية".

من جهتها، نفت طهران اشتراكها في العملية. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن اتهام طهران بالضلوع في العملية المباغتة التي شنّتها حركة حماس ضد إسرائيل "يستند إلى دوافع سياسية".

واعتبرت الخارجية الإيرانية أن "الإشارة إلى دورها في هجوم حماس يهدف إلى تحويل الرأي العام وتبرير الإجراءات المقبلة التي قد تتخذها إسرائيل".

رغم هذا التضارب، لا يمكن إنكار العلاقات التاريخية التي لطالما ربطت بين حركة حماس و"النظام الإسلامي" في إيران. كيف بدأت تلك العلاقة؟ وما هي أهم مراحل صعودها وهبوطها؟ وماذا تستفيد إيران منها؟

 

حجر الأساس


تم الإعلان عن تأسيس حركة حماس سنة 1987. وسرعان ما أصبحت أحد أكثر الفصائل الفلسطينية نفوذا.

على الطرف الآخر، كانت التطورات في الأراضي الفلسطينية ضمن دائرة اهتمام النظام الإيراني، منذ صعود الخميني إلى الحكم. وكان من الطبيعي أن يبحث الملالي لأنفسهم عن حلفاء ضمن الفصائل الفلسطينية. ولما كان من الصعب عقد توافق بين النظام الإيراني وحركة فتح بسبب الميول العلمانية للحركة، وميلها للتوافق مع السلطات الإسرائيلية، صار التقارب مع حركة حماس، التي تنتمي إلى تيار الإسلام السياسي، هو الخيار المتاح أمام طهران.

يتحدث الباحث عبد الحكيم عزيز حنيني، في كتابه "منهجية حركة حماس في العلاقات الخارجية"، عن البدايات الأولى للعلاقات المنعقدة بين حركة حماس وطهران.

يذكر حنيني أنه في سنة 1990 بدأت العلاقات بين حماس وإيران بشكل رسمي، عندما سافر وفد من حماس برئاسة إبراهيم غوشة -الذي سيتولى لاحقا منصب الناطق الرسمي للحركة- إلى طهران.

بعد سنة واحدة، سافر غوشة مرة أخرى إلى طهران. وشارك في المؤتمر الثاني لدعم "الانتفاضة الفلسطينية". والتقى بكل من الرئيس الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ووزير الخارجية علي أكبر ولايتي.

في هذا اللقاء، طلب غوشة من الإيرانيين قبول عماد العلمي -وهو أحد قيادات الحركة- ليصبح الممثل الرسمي لحماس في إيران.

وفي سنة 1992، تم افتتاح مكتب حماس في طهران. وتعامل الإيرانيون مع المكتب مثل تعاملهم مع سفارات باقي الدول.

في دراسته، "فهم العلاقات بين إيران وحماس من منظور دفاعي واقعي جديد"، يلقي الباحث علي أبو ريزيك الضوء على بعض الأحداث التي أسهمت في توطيد العلاقات بين حماس وإيران في تلك الفترة. يقول أبو ريزيك إن المرحلة الثانية المهمة التي عززت العلاقات بين الجانبين تعود إلى أول عملية نفي جماعي نفذتها إسرائيل ضد 415 من قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في سنة 1992 إلى منطقة مرج الزهور جنوب لبنان، حيث عزز هؤلاء علاقتهم مع إيران، وحليفها اللبناني حزب الله. فأثناء منفاهم في لبنان، تمت زيارتهم بشكل متكرر من قِبل القادة الإيرانيين وكانوا يتلقون دعماً مادياً مباشراً منهم.

 

العلاقات.. من القوة إلى الضعف


في سنة 1998، توطدت العلاقات بين الجانبين بعد أن تم الإفراج عن مؤسس حركة حماس، أحمد ياسين.

سافر ياسين لزيارة مجموعة من الدول العربية والإسلامية في ذلك الوقت. وكانت إيران إحدى المحطات المهمة في رحلته. في طهران، التقى ياسين بمرشد الجمهورية علي خامنئي، وبالرئيس محمد خاتمي.

وقد ظهرت آثار هذا التقارب بشكل واضح في سنة 2004م. عندما أصدر علي خامنئي بياناً ينعى فيه أحمد ياسين عقب اغتياله على يد القوات الإسرائيلية.

في سنة 2006، بدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين الجانبين. فبمجرد فوز حماس بالانتخابات التشريعية، سارعت طهران لمد يد العون لحكومتها الجديدة، أمام ابتعاد العديد من القوى الإقليمية العربية عنها، مفضلة أن تُبقي على علاقتها مع حركة فتح. في هذا السياق قدمت إيران دعماً مالياً كبيراً لحماس.

لكن في سنة 2013م، ومع تصاعد موجات الربيع العربي في المنطقة، تعرضت العلاقات الإيرانية الحمساوية لبعض الضعف، وذلك بسبب مساندة طهران لرئيس النظام السوري بشار الأسد، في الوقت الذي أعلنت فيه حماس وقوفها علنا إلى جانب المتظاهرين.

وذكرت بعض التقارير الإيرانية أن حماس شاركت في القتال ضد النظام السوري من خلال فصيل يُدعى "أكناف بيت المقدس"، ولكن حماس نفت ذلك، وأعلنت أن أولئك المقاتلين يتصرّفون في سوريا بشكل فردي.

تضررت علاقة الطرفين بسبب هذا الخلاف. على سبيل المثال، قال غازي حمد نائب وزير الشؤون الخارجية في حكومة حماس في قطاع غزة: "علاقاتنا مع إيران تأثرت على الصعيدين السياسي والتمويلي".

استمرت هذه العلاقات ضعيفة لعدة سنوات. ففي سنة 2016م، صرح خالد مشعل، الرئيس السابق للمكتب السياسي للحركة بأن الأزمة بين حماس والأسد أثرت على العلاقة مع طهران، وأن إيران "ردت بمراجعة الدعم المالي للحركة بشكل كبير بعد أن كانت أحد الداعمين الأساسيين لها". رغم ذلك التوتر، بقيت بعض المساعدات الإيرانية العسكرية تجد طريقها لكتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس. 

ويبدو الخلاف المذهبي أيضاً كأحد العوامل المؤثرة في إضعاف العلاقات بين الجانبين. تعمل إيران على تصدير ثورتها في المنطقة في شكل مذهبي شيعي إثني عشري يعتمد أطروحة ولاية الفقيه. لا يتوافق هذا الطرح مع الأجندة الحمساوية التي لطالما روجت لنفسها باعتبارها حركة إسلامية سنية الطابع. ظهر الخلاف بين الطرفين حول تلك المسألة المحورية في أكثر من موقف. من أشهر تلك المواقف، ما قامت به حماس في مارس سنة 2019م عندما حلّت "حركة الصابرين" المقربة من إيران. وقامت حماس حينها باعتقال الأمين العام لهذه الحركة، وصادرت أسلحتها كما اعتقلت عدداً من أعضائها في غزة.

 

حماس في حضن طهران مجددا

 

مع تراجع زخم الثورة السورية وتهميش الخلاف المذهبي، استعادت العلاقات الحمساوية الإيرانية جزءاً كبيراً من قوتها. ساعدت في ذلك التهديدات التي تعرض لها الجانبان في فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خاصة أن الولايات المتحدة تضع حماس ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، فيما تضع إيران على قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وكانت ملامح التأييد المتبادل واضحة في العديد من الأحداث التي وقعت على الساحة في السنوات السابقة. في يناير سنة 2020، نعت حركة حماس قائد لواء فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي قتل في غارة أميركية قرب مطار بغداد.

وبعد سنة واحدة، قدمت طهران مساعدات عسكرية مهمة لحركة حماس في عمليتها العسكرية، بين 10 و20 مايو 2021، والتي أطلقت فيها رشقات صاروخية مكثفة على إسرائيل. وحينها، وجه رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية الشكر لإيران بشكل رسمي ومعلن بعد انتهاء المواجهة مع القوات الإسرائيلية.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(
العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(

فرضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، عقوبات على شبكة لبنانية تتهمها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل جماعة حزب الله اللبنانية.

وذكرت وزارة الأميركية في بيان على موقعها الإلكتروني أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 3 أفراد و5 شركات وسفينتين متورطين في تهريب النفط والغاز البترولي المسال لتوليد الإيرادات لحزب الله.

وأوضح البيان أن الشبكة، التي تتألف من رجال أعمال وشركات لبنانية ويشرف عليها أحد كبار قادة فريق تمويل حزب الله، سهلت شحن عشرات شحنات الغاز البترولي المسال إلى حكومة سوريا، ووجهت الأرباح إلى حزب الله.

وأشارت إلى أن العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز البترولي المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله، وتدعم الأنشطة الإرهابية للمجموعة.

وقال وكيل وزارة الخزانة بالوكالة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي سميث: "يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتأجيج الاضطراب الإقليمي، ويختار إعطاء الأولوية لتمويل العنف على رعاية الأشخاص الذين يدعي أنه يهتم بهم، بما في ذلك عشرات الآلاف من النازحين في جنوب لبنان".

وأضاف: "وستواصل وزارة الخزانة تعطيل شبكات تهريب النفط وغيرها من شبكات التمويل التي تدعم آلة الحرب التابعة لحزب الله".

وصنفت وزارة الخارجية الأميركية حزب الله جماعة إرهابية في 31 أكتوبر 2001.

وذكرت وزارة الخزانة في بيانها أنها اتخذت إجراءات متسقة لاستهداف الأفراد المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات تمويل حزب الله التي توفر عائدات بالغة الأهمية للمنظمة.

ووفقا للبيان، من بين المسؤولين البارزين في حزب الله المشاركين في هذه الجهود محمد قصير، ومحمد قاسم البزال، اللذين يديران قناة لنقل غاز البترول المسال ومشتقات النفط الأخرى نيابة عن حزب الله ويتلقيان مدفوعات مباشرة مقابل بيعها.

وفي 15 مايو 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قصير لعمله لصالح حزب الله أو نيابة عنه كقناة أساسية للصرف المالي من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.

وفي 20 نوفمبر 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية البزال، أحد شركاء قصير، لدعمه لحزب الله.

كما اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية سلسلة من الإجراءات التي تستهدف عمليات تهريب النفط لحزب الله، بما في ذلك إجراء في 31 يناير 2024 استهدف شبكة حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي التي حققت إيرادات بمئات الملايين من الدولارات من خلال بيع السلع الإيرانية بما في ذلك النفط، ومعظمها للحكومة السورية.

وأوضح البيان أن الشبكة التي تم تصنيفها اليوم تشمل مسؤولًا آخر رفيع المستوى في فريق تمويل حزب الله، ورجلي أعمال لبنانيين يوفران واجهة مشروعة على ما يبدو لتسهيل جهود حزب الله في تهريب النفط. وسهلت هذه الشبكة عشرات شحنات غاز البترول المسال إلى حكومة سوريا، بالعمل مع المسؤول في النظام السوري ياسر إبراهيم، الذي أدرجته وزارة الخارجية في 20 أغسطس 2020 لدوره في صفقات تجارية فاسدة استفاد منها الرئيس السوري الأسد.

وأشار البيان إلى أنه اعتبارًا من أواخر عام 2023، تولى المسؤول في حزب الله، محمد إبراهيم حبيب السيد، مسؤولية بعض الأعمال التجارية لحزب الله من البزال. وسافر السيد سابقًا مع البزال إلى جنوب شرق آسيا لتنسيق صفقات النفط المحتملة في المنطقة لفريق تمويل حزب الله. كما عمل كمحاور بين البزال ورجل الأعمال اللبناني علي نايف زغيب بشأن مشروع نفطي في موقع مصفاة في الزهراني بلبنان.

ووفقا لبيان الوزارة، فمنذ أواخر عام 2019 على الأقل، قدم زغيب، الخبير في كيمياء البترول، المشورة والمساعدة لفريق التمويل التابع لحزب الله خلف الكواليس، والتقى مع القصير والبزال لتنسيق أنشطتهم. وبصفته عضوًا في شبكة تهريب النفط التابعة لحزب الله، أمّن زغيب خزانات لتخزين، ربما النفط، نيابة عن حزب الله.

وأكد البيان أن القصير والبزال باعتبارهما من كبار مسؤولي حزب الله، حققا ربحًا من صفقات الغاز البترولي المسال مع زغيب الذي التقى بنائب لبناني واحد على الأقل تابع لحزب الله لمناقشة تمويل مشاريع النفط التابعة لحزب الله. كما نسق الزغيب مع ممول حزب الله، محمد إبراهيم بزي، بشأن المفاوضات التجارية. وفي 17 مايو 2018، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بزي لدعمه حزب الله.

كما يشارك رجل الأعمال اللبناني بطرس جورج عبيد في صفقات الطاقة لحزب الله، ويملك بشكل مشترك العديد من الشركات مع زغيب، بحسب البيان.

ولذلك لفت البيان أنه تم إدراج السيد وزغيب وعبيد لمساعدتهم ماديًا أو رعايتهم أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لحزب الله أو لدعمه.

كما أدرجت وزارة الخزانة الشركة الأوروبية اللبنانية للتجارة الدولية التي يمثلها البزال وكانت مسؤولة عن عشرات شحنات غاز البترول المسال، التي قامت بها نقالات غاز البترول المسال "ألفا" و"مارينا" إلى ميناء بانياس في سوريا لصالح شركة "حقول"، والتي تم تصنيفها في 4 سبتمبر 2019 لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة البزال.

وأوضحت الوزارة أن البزال استخدم شركة "إليت" لتغطية نفقات التشغيل لشركتي تشغيل السفن "ألفا، ومارينا"، وبناء على ذلك، تم إدراج كل من "إليت" و"ألفا" و"مارينا" كممتلكات لحزب الله مصلحة فيها.