عنصر من قوات الأمن الفلسطينية يقف أمام معبر رفح المغلق إلى مصر في جنوب قطاع غزة، في 23 أغسطس 2021.
عنصر من قوات الأمن الفلسطينية يقف أمام معبر رفح المغلق إلى مصر في جنوب قطاع غزة، في 23 أغسطس 2021.

في عام 1982 افتتح معبر رفح على الشريط الحدودي الذي يفصل بين قطاع غزة ومصر والمعروف بـ"محور فلادلفيا". وينقسم المعبر إلى قسمين أحدهما خاص بالمسافرين المدنيين والآخر تجاري يختصُّ بنقل البضائع.

يمتلك قطاع غزة ستة معابر. خمسة منها تربطه بإسرائيل: المنطار (كارني)، وبيت حانون (إيريز)، والعودة (صوفيا)، والشجاعية (نحال عوز)، وكرم أبو سالم (كيرم شالوم). أما المعبر السادس، معبر رفح، فيخضع لإدارة فلسطينية مصرية مشتركة.

يمثّل المعبر أهمية كبرى لسكان القطاع، فهو صِلتهم الواحدة بالعالم في ظِل استحالة سفرهم براً وبحراً، أمام سيطرة إسرائيل على باقي المعابر. لذا فإن المعبر، ومن بعده مصر، يمثّل وِجهتهم الوحيدة للسفر إلى أي دولة أخرى بالعالم.

 

المنطقة المغلقة منذ 1948

 

وفقاً لما ذكره دكتور حسن قطب في دراسته "معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة"، فإنه عقب انتهاء حرب 1948 بهزيمة الجيوش العربية، سيطرت إسرائيل على أغلب مساحة ما كان يُعرف وقتها بـ"لواء غزة" إلا شريطاً ساحلياً صغيراً احتفظ المصريون بسيطرتهم عليه، سيُطلق عليه لاحقاً "قطاع غزة".

منذ 1949 وحتى 1967 خضع القطاع لإدارة مصرية كاملة، باستثناء شهور معدودة سيطرت فيها إسرائيل عليه خلال ما عرف عربيا "العدوان الثلاثي" عام 1956. 

في ظِل الإدارة المصرية، كان الخروج من القطاع يتطلّب الحصول على تصريح أمني من السُلطات في القاهرة، بموجبه يستطيع المسافر استقلال خط قطار مباشر كان يربط القاهرة بغزة.

بعد حرب 1967، احتلّت إسرائيل القطاع وأعلنته منطقة عسكرية مغلقة لا يُسمح لأحدٍ بالخروج منها إلا بإذنٍ من قائد المنطقة العسكرية، وفي 1974 جرى تخفيف هذا الوضع قليلاً إذ سُمح لسكانه بالخروج من وإلى إسرائيل أو الضفة الغربية، وهو الوضع الذي استمرّ حتى عام 1982.

منذ 1982، سمحت إسرائيل لسكان قطاع غزة بمغادرته عبر 3 قنوات خاضعة لإشرافها، تبدأ بمعبر بيت حانون (إيريز) ومنه إلى "جسر اللنبي" الذي يربط بين الضفة الغربية والأردن، أو السفر جواً عبر مطار "بن غوريون" الإسرائيلي، أو السفر إلى مصر عن طريق معبر رفح.

عندما افتُتح المعبر لأول مرة كان مخصصاً لحركة الأفراد فقط، بينما تخصص معبر كرم أبو سالم في نقل البضائع والسلع التجارية، وعقب توقيع اتفاقية أوسلو عام 1994، خضع لإدارة فلسطينية- إسرائيلية مشتركة، خلال هذه الفترة كان يمرُّ يومياً بمعبر رفح بين 800 و1500 فلسطيني.

وعقب اندلاع "انتفاضة الأقصى" في سبتمبر 2000، عزّزت تل أبيب من سيطرتها على المعبر وفرضت قيوداً شديدة على حركة المسافرين من وإلى قطاع غزة، وفي بعض الأحيان حظرت إسرائيل سفر أي شخص يتراوح عمره بين 16 و35 عاماً إلى مصر.

انعكست هذه الإجراءات على حركة تدفق المسافرين عبر القطاع، فبعدما بلغ أكثر من 1800 مسافر في اليوم الواحد عام 1999، تقلّص إلى أكثر بقليل من 14٥0 مسافراً في العام التالي ثم 455 فقط في 2001.

وتقلّص عدد العمال الغزاويين في إسرائيل من 26 ألفاً في 2000 إلى 900 شخص في 2006، وبعدها بعامين منعت إسرائيل عمال القطاع من دخول أراضيها نهائياً، كما مُنع طلاب غزة من ارتياد المعاهد الإسرائيلية التي قُبلوا فيها.

وشهد عام 2005 بدء إسرائيل في تنفيذ خطتها لـ"فك الارتباط" بينها وبين قطاع غزة، تضمنت انسحابها منه وإخلاء مستوطناته. 

يقول عبد الله الأشعل في دراسته "المركز القانوني لاتفاقية معبر رفح"، إنه "في ظِل هذا الوضع الجديد تخوفت تل أبيب من أن يستغل مسلحو الفصائل الفلسطينية غيابها في تهريب الأسلحة إلى داخل القطاع، لذا أبرمت اتفاقاً في أغسطس 2005 عالج هواجسها الأمنية عبر إشراك مصر والاتحاد الأوروبي في الإشراف على القطاع".

 

آلية عمل معبر رفح

 

وفقاً لاتفاقية المعابر التي وُضعت عام 2005، لتنظيم عمل معبر رفح، لا يحقُّ لجميع الفلسطينين استخدامه في التنقل إنما فقط حاملو بطاقة الهوية -التي تصدر بموافقة إسرائيل- لتضمن تل أبيب بذلك ألا يستخدم فلسطينيو الشتات المعبر في العودة إلى غزة.

الفئات المستثناة من هذه الترتيبات هم الدبلوماسيون والمستثمرون الأجانب وممثلو المنظمات الدولية. وفي هذه الحالة، تخطر السُلطة الفلسطينية إسرائيل قبل قدومهم بـ48 ساعة على أن يرد الجانب الإسرائيلي بالموافقة من عدمه عليهم.

أيضاً أقرت الاتفاقية ضرورة وجود المراقبين الأوروبيين لمتابعة حركة تدفق الأفراد والبضائع وفي حال غيابهم لأي سبب يتوقف عمل المعبر، بينما التزمت السُلطة الفلسطينية بتقديم أسماء الفلسطينيين الذين سيعملون في المعبر إلى إسرائيل ونيل موافقتها عليهم قبل تعيينهم، وأيضاً احتفظت تل أبيب لنفسها بمتابعة جميع إجراءات العمل عبر كاميرات مثبتة في جوانب المعبر تعمل على مدار الساعة.

أما من الجانب المصري، فإنه لا يُسمح بمرور الأشخاص الذين ارتبكوا مخالفات جنائية على أرض مصر أو المدرجين على قوائم الممنوعين من دخول مصر.

عزّزت اتفاقية تحديد آليات عمل المعبر توقيع مصر وإسرائيل "بروتوكول فيلادلفيا"، الذي اعتُبر ملحقا أمنيا مضافا إلى اتفاقية "كامب ديفيد"، أي أنه محكوم بمبادئها العامة.

نصَّ الاتفاق على "نشر 750 جندياً من قوات حرس الحدود المصرية مسلّحين بأسلحة خفيفة (بنادق ومسدسات) على امتداد ممر فيلادلفيا الذي يبلغ طوله 14 كم تقريباً".

خلال المفاوضات، طالبت مصر بنشر 2750 جندياً على طول الحدود المصرية في سيناء من رفح حتى طابا، إلا أن تل أبيب رفضت بدعوى أنه يستلزم تعديلاً في اتفاقية السلام بين الجانبين.

 

مآزق على الطريق

 

في يونيو 2006، هاجم مسلحون فلسطينيون موقعاً عسكرياً تابعاً للجيش الإسرائيلي وخطفوا الجندي جلعاد شاليط، فقرّرت إسرائيل إغلاق المعبر في نفس اليوم بشكلٍ كامل وفرض قيود شديدة على عمله في الشهور التالية.

أصبح المعبر مرآة تنعكس عليها صورة الأوضاع السياسية المتدهورة في المنطقة. ولهذا تكرّر إغلاقه كثيراً في 2007، ما أدّى إلى حالات تكدّس كبيرة للعابرين الفلسطينين.

وفي مارس من العام نفسه، تدافع المسافرون حول بوابة المعبر ما أدّى لوفاة فردٍ وإصابة 9 آخرين.

في يونيو 2007، استولت حماس على السُلطة في القطاع ما أدّى إلى تجميدٍ فوري في اتفاقية المعابر ولم يتمكن من السفر خارج القطاع إلا عدد محدود من المواطنين.

غياب إشراف السُلطة الفلسطينية على معبر رفح وضع الاتفاق في مأزق بسبب إصرار مصر والاتحاد الأوروبي على عدم القيام بأدوارهم في تشغيل القطاع دون وجود مندوبين عن السُلطة الفلسطينية المبَعدة عن القطاع، على إثر الصراع مع حماس.

تأخر فتح المعبر زاد من حالات التكدّس حول بوابته، وأغلق لأطول فترة شهدها تاريخه وهي 255 يوماً متتالية، تزامَن ذلك مع حصار خانق فرضته إسرائيل على القطاع، الأمر الذي دفع بمجموعاتٍ من الغزاويين لتدمير السور الحدودي الفاصل بين مصر والقطاع ليتدفق عشرات الآلاف منهم إلى مصر حيث تزوّدوا بالمواد الغذائية والأدوية والوقود.

ووفقاً لجواد الحمد في دراسته "أزمة معبر رفح الحدودي والسيناريوهات المحتملة"، فإن مدة اتفاق تشغيل المعابر كانت عاماً واحداً تجدّد مرة أخرى في نوفمبر 2007 وبعدها لم يجرِ تجديده، بالتالي فإن عمله لا يخضع حالياً لأي اتفاقٍ واضح بين إسرائيل وفلسطين ومصر. وهو ما وضع مصر في مأزق حينما اندلعت أعمال عنف بين الطرفين في 2008، امتنعت فيها القاهرة عن فتح المعبر بسبب عدم وجود آلية واضحة لذلك، فانهالت الانتقادات على الحكومة المصرية حتى وُصفت بأنها "شريكة لإسرائيل في العدوان على غزة".

وبحسب كتاب "حال الأمة العربية 2013-2014"، ظلّت هذه الأوضاع المتأزمة سارية حتى وقعت "ثورة يناير 2011" وما تلاها من وصول محمد مرسي إلى الرئاسة، وهو قيادي في جماعة "الإخوان المسلمين" التي تمتّعت بعلاقات وثيقة مع حركة "حماس"، وسرعان ما أطيح به في أحداث يوليو 2013 التي قادت عبد الفتاح السيسي إلى السُلطة، فاتبع نهجاً أكثر حذراً في التعامل مع "حماس" المتهمة بعديدٍ من قضايا الإرهاب في مصر، ما انعكس بدوره على عدد أيام فتح المعبر.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(
العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(

فرضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، عقوبات على شبكة لبنانية تتهمها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل جماعة حزب الله اللبنانية.

وذكرت وزارة الأميركية في بيان على موقعها الإلكتروني أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 3 أفراد و5 شركات وسفينتين متورطين في تهريب النفط والغاز البترولي المسال لتوليد الإيرادات لحزب الله.

وأوضح البيان أن الشبكة، التي تتألف من رجال أعمال وشركات لبنانية ويشرف عليها أحد كبار قادة فريق تمويل حزب الله، سهلت شحن عشرات شحنات الغاز البترولي المسال إلى حكومة سوريا، ووجهت الأرباح إلى حزب الله.

وأشارت إلى أن العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز البترولي المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله، وتدعم الأنشطة الإرهابية للمجموعة.

وقال وكيل وزارة الخزانة بالوكالة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي سميث: "يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتأجيج الاضطراب الإقليمي، ويختار إعطاء الأولوية لتمويل العنف على رعاية الأشخاص الذين يدعي أنه يهتم بهم، بما في ذلك عشرات الآلاف من النازحين في جنوب لبنان".

وأضاف: "وستواصل وزارة الخزانة تعطيل شبكات تهريب النفط وغيرها من شبكات التمويل التي تدعم آلة الحرب التابعة لحزب الله".

وصنفت وزارة الخارجية الأميركية حزب الله جماعة إرهابية في 31 أكتوبر 2001.

وذكرت وزارة الخزانة في بيانها أنها اتخذت إجراءات متسقة لاستهداف الأفراد المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات تمويل حزب الله التي توفر عائدات بالغة الأهمية للمنظمة.

ووفقا للبيان، من بين المسؤولين البارزين في حزب الله المشاركين في هذه الجهود محمد قصير، ومحمد قاسم البزال، اللذين يديران قناة لنقل غاز البترول المسال ومشتقات النفط الأخرى نيابة عن حزب الله ويتلقيان مدفوعات مباشرة مقابل بيعها.

وفي 15 مايو 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قصير لعمله لصالح حزب الله أو نيابة عنه كقناة أساسية للصرف المالي من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.

وفي 20 نوفمبر 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية البزال، أحد شركاء قصير، لدعمه لحزب الله.

كما اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية سلسلة من الإجراءات التي تستهدف عمليات تهريب النفط لحزب الله، بما في ذلك إجراء في 31 يناير 2024 استهدف شبكة حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي التي حققت إيرادات بمئات الملايين من الدولارات من خلال بيع السلع الإيرانية بما في ذلك النفط، ومعظمها للحكومة السورية.

وأوضح البيان أن الشبكة التي تم تصنيفها اليوم تشمل مسؤولًا آخر رفيع المستوى في فريق تمويل حزب الله، ورجلي أعمال لبنانيين يوفران واجهة مشروعة على ما يبدو لتسهيل جهود حزب الله في تهريب النفط. وسهلت هذه الشبكة عشرات شحنات غاز البترول المسال إلى حكومة سوريا، بالعمل مع المسؤول في النظام السوري ياسر إبراهيم، الذي أدرجته وزارة الخارجية في 20 أغسطس 2020 لدوره في صفقات تجارية فاسدة استفاد منها الرئيس السوري الأسد.

وأشار البيان إلى أنه اعتبارًا من أواخر عام 2023، تولى المسؤول في حزب الله، محمد إبراهيم حبيب السيد، مسؤولية بعض الأعمال التجارية لحزب الله من البزال. وسافر السيد سابقًا مع البزال إلى جنوب شرق آسيا لتنسيق صفقات النفط المحتملة في المنطقة لفريق تمويل حزب الله. كما عمل كمحاور بين البزال ورجل الأعمال اللبناني علي نايف زغيب بشأن مشروع نفطي في موقع مصفاة في الزهراني بلبنان.

ووفقا لبيان الوزارة، فمنذ أواخر عام 2019 على الأقل، قدم زغيب، الخبير في كيمياء البترول، المشورة والمساعدة لفريق التمويل التابع لحزب الله خلف الكواليس، والتقى مع القصير والبزال لتنسيق أنشطتهم. وبصفته عضوًا في شبكة تهريب النفط التابعة لحزب الله، أمّن زغيب خزانات لتخزين، ربما النفط، نيابة عن حزب الله.

وأكد البيان أن القصير والبزال باعتبارهما من كبار مسؤولي حزب الله، حققا ربحًا من صفقات الغاز البترولي المسال مع زغيب الذي التقى بنائب لبناني واحد على الأقل تابع لحزب الله لمناقشة تمويل مشاريع النفط التابعة لحزب الله. كما نسق الزغيب مع ممول حزب الله، محمد إبراهيم بزي، بشأن المفاوضات التجارية. وفي 17 مايو 2018، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بزي لدعمه حزب الله.

كما يشارك رجل الأعمال اللبناني بطرس جورج عبيد في صفقات الطاقة لحزب الله، ويملك بشكل مشترك العديد من الشركات مع زغيب، بحسب البيان.

ولذلك لفت البيان أنه تم إدراج السيد وزغيب وعبيد لمساعدتهم ماديًا أو رعايتهم أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لحزب الله أو لدعمه.

كما أدرجت وزارة الخزانة الشركة الأوروبية اللبنانية للتجارة الدولية التي يمثلها البزال وكانت مسؤولة عن عشرات شحنات غاز البترول المسال، التي قامت بها نقالات غاز البترول المسال "ألفا" و"مارينا" إلى ميناء بانياس في سوريا لصالح شركة "حقول"، والتي تم تصنيفها في 4 سبتمبر 2019 لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة البزال.

وأوضحت الوزارة أن البزال استخدم شركة "إليت" لتغطية نفقات التشغيل لشركتي تشغيل السفن "ألفا، ومارينا"، وبناء على ذلك، تم إدراج كل من "إليت" و"ألفا" و"مارينا" كممتلكات لحزب الله مصلحة فيها.