في عام 1982 افتتح معبر رفح على الشريط الحدودي الذي يفصل بين قطاع غزة ومصر والمعروف بـ"محور فلادلفيا". وينقسم المعبر إلى قسمين أحدهما خاص بالمسافرين المدنيين والآخر تجاري يختصُّ بنقل البضائع.
يمتلك قطاع غزة ستة معابر. خمسة منها تربطه بإسرائيل: المنطار (كارني)، وبيت حانون (إيريز)، والعودة (صوفيا)، والشجاعية (نحال عوز)، وكرم أبو سالم (كيرم شالوم). أما المعبر السادس، معبر رفح، فيخضع لإدارة فلسطينية مصرية مشتركة.
يمثّل المعبر أهمية كبرى لسكان القطاع، فهو صِلتهم الواحدة بالعالم في ظِل استحالة سفرهم براً وبحراً، أمام سيطرة إسرائيل على باقي المعابر. لذا فإن المعبر، ومن بعده مصر، يمثّل وِجهتهم الوحيدة للسفر إلى أي دولة أخرى بالعالم.
المنطقة المغلقة منذ 1948
وفقاً لما ذكره دكتور حسن قطب في دراسته "معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة"، فإنه عقب انتهاء حرب 1948 بهزيمة الجيوش العربية، سيطرت إسرائيل على أغلب مساحة ما كان يُعرف وقتها بـ"لواء غزة" إلا شريطاً ساحلياً صغيراً احتفظ المصريون بسيطرتهم عليه، سيُطلق عليه لاحقاً "قطاع غزة".
منذ 1949 وحتى 1967 خضع القطاع لإدارة مصرية كاملة، باستثناء شهور معدودة سيطرت فيها إسرائيل عليه خلال ما عرف عربيا "العدوان الثلاثي" عام 1956.
في ظِل الإدارة المصرية، كان الخروج من القطاع يتطلّب الحصول على تصريح أمني من السُلطات في القاهرة، بموجبه يستطيع المسافر استقلال خط قطار مباشر كان يربط القاهرة بغزة.
بعد حرب 1967، احتلّت إسرائيل القطاع وأعلنته منطقة عسكرية مغلقة لا يُسمح لأحدٍ بالخروج منها إلا بإذنٍ من قائد المنطقة العسكرية، وفي 1974 جرى تخفيف هذا الوضع قليلاً إذ سُمح لسكانه بالخروج من وإلى إسرائيل أو الضفة الغربية، وهو الوضع الذي استمرّ حتى عام 1982.
منذ 1982، سمحت إسرائيل لسكان قطاع غزة بمغادرته عبر 3 قنوات خاضعة لإشرافها، تبدأ بمعبر بيت حانون (إيريز) ومنه إلى "جسر اللنبي" الذي يربط بين الضفة الغربية والأردن، أو السفر جواً عبر مطار "بن غوريون" الإسرائيلي، أو السفر إلى مصر عن طريق معبر رفح.
عندما افتُتح المعبر لأول مرة كان مخصصاً لحركة الأفراد فقط، بينما تخصص معبر كرم أبو سالم في نقل البضائع والسلع التجارية، وعقب توقيع اتفاقية أوسلو عام 1994، خضع لإدارة فلسطينية- إسرائيلية مشتركة، خلال هذه الفترة كان يمرُّ يومياً بمعبر رفح بين 800 و1500 فلسطيني.
وعقب اندلاع "انتفاضة الأقصى" في سبتمبر 2000، عزّزت تل أبيب من سيطرتها على المعبر وفرضت قيوداً شديدة على حركة المسافرين من وإلى قطاع غزة، وفي بعض الأحيان حظرت إسرائيل سفر أي شخص يتراوح عمره بين 16 و35 عاماً إلى مصر.
انعكست هذه الإجراءات على حركة تدفق المسافرين عبر القطاع، فبعدما بلغ أكثر من 1800 مسافر في اليوم الواحد عام 1999، تقلّص إلى أكثر بقليل من 14٥0 مسافراً في العام التالي ثم 455 فقط في 2001.
وتقلّص عدد العمال الغزاويين في إسرائيل من 26 ألفاً في 2000 إلى 900 شخص في 2006، وبعدها بعامين منعت إسرائيل عمال القطاع من دخول أراضيها نهائياً، كما مُنع طلاب غزة من ارتياد المعاهد الإسرائيلية التي قُبلوا فيها.
وشهد عام 2005 بدء إسرائيل في تنفيذ خطتها لـ"فك الارتباط" بينها وبين قطاع غزة، تضمنت انسحابها منه وإخلاء مستوطناته.
يقول عبد الله الأشعل في دراسته "المركز القانوني لاتفاقية معبر رفح"، إنه "في ظِل هذا الوضع الجديد تخوفت تل أبيب من أن يستغل مسلحو الفصائل الفلسطينية غيابها في تهريب الأسلحة إلى داخل القطاع، لذا أبرمت اتفاقاً في أغسطس 2005 عالج هواجسها الأمنية عبر إشراك مصر والاتحاد الأوروبي في الإشراف على القطاع".
آلية عمل معبر رفح
وفقاً لاتفاقية المعابر التي وُضعت عام 2005، لتنظيم عمل معبر رفح، لا يحقُّ لجميع الفلسطينين استخدامه في التنقل إنما فقط حاملو بطاقة الهوية -التي تصدر بموافقة إسرائيل- لتضمن تل أبيب بذلك ألا يستخدم فلسطينيو الشتات المعبر في العودة إلى غزة.
الفئات المستثناة من هذه الترتيبات هم الدبلوماسيون والمستثمرون الأجانب وممثلو المنظمات الدولية. وفي هذه الحالة، تخطر السُلطة الفلسطينية إسرائيل قبل قدومهم بـ48 ساعة على أن يرد الجانب الإسرائيلي بالموافقة من عدمه عليهم.
أيضاً أقرت الاتفاقية ضرورة وجود المراقبين الأوروبيين لمتابعة حركة تدفق الأفراد والبضائع وفي حال غيابهم لأي سبب يتوقف عمل المعبر، بينما التزمت السُلطة الفلسطينية بتقديم أسماء الفلسطينيين الذين سيعملون في المعبر إلى إسرائيل ونيل موافقتها عليهم قبل تعيينهم، وأيضاً احتفظت تل أبيب لنفسها بمتابعة جميع إجراءات العمل عبر كاميرات مثبتة في جوانب المعبر تعمل على مدار الساعة.
أما من الجانب المصري، فإنه لا يُسمح بمرور الأشخاص الذين ارتبكوا مخالفات جنائية على أرض مصر أو المدرجين على قوائم الممنوعين من دخول مصر.
عزّزت اتفاقية تحديد آليات عمل المعبر توقيع مصر وإسرائيل "بروتوكول فيلادلفيا"، الذي اعتُبر ملحقا أمنيا مضافا إلى اتفاقية "كامب ديفيد"، أي أنه محكوم بمبادئها العامة.
نصَّ الاتفاق على "نشر 750 جندياً من قوات حرس الحدود المصرية مسلّحين بأسلحة خفيفة (بنادق ومسدسات) على امتداد ممر فيلادلفيا الذي يبلغ طوله 14 كم تقريباً".
خلال المفاوضات، طالبت مصر بنشر 2750 جندياً على طول الحدود المصرية في سيناء من رفح حتى طابا، إلا أن تل أبيب رفضت بدعوى أنه يستلزم تعديلاً في اتفاقية السلام بين الجانبين.
مآزق على الطريق
في يونيو 2006، هاجم مسلحون فلسطينيون موقعاً عسكرياً تابعاً للجيش الإسرائيلي وخطفوا الجندي جلعاد شاليط، فقرّرت إسرائيل إغلاق المعبر في نفس اليوم بشكلٍ كامل وفرض قيود شديدة على عمله في الشهور التالية.
أصبح المعبر مرآة تنعكس عليها صورة الأوضاع السياسية المتدهورة في المنطقة. ولهذا تكرّر إغلاقه كثيراً في 2007، ما أدّى إلى حالات تكدّس كبيرة للعابرين الفلسطينين.
وفي مارس من العام نفسه، تدافع المسافرون حول بوابة المعبر ما أدّى لوفاة فردٍ وإصابة 9 آخرين.
في يونيو 2007، استولت حماس على السُلطة في القطاع ما أدّى إلى تجميدٍ فوري في اتفاقية المعابر ولم يتمكن من السفر خارج القطاع إلا عدد محدود من المواطنين.
غياب إشراف السُلطة الفلسطينية على معبر رفح وضع الاتفاق في مأزق بسبب إصرار مصر والاتحاد الأوروبي على عدم القيام بأدوارهم في تشغيل القطاع دون وجود مندوبين عن السُلطة الفلسطينية المبَعدة عن القطاع، على إثر الصراع مع حماس.
تأخر فتح المعبر زاد من حالات التكدّس حول بوابته، وأغلق لأطول فترة شهدها تاريخه وهي 255 يوماً متتالية، تزامَن ذلك مع حصار خانق فرضته إسرائيل على القطاع، الأمر الذي دفع بمجموعاتٍ من الغزاويين لتدمير السور الحدودي الفاصل بين مصر والقطاع ليتدفق عشرات الآلاف منهم إلى مصر حيث تزوّدوا بالمواد الغذائية والأدوية والوقود.
ووفقاً لجواد الحمد في دراسته "أزمة معبر رفح الحدودي والسيناريوهات المحتملة"، فإن مدة اتفاق تشغيل المعابر كانت عاماً واحداً تجدّد مرة أخرى في نوفمبر 2007 وبعدها لم يجرِ تجديده، بالتالي فإن عمله لا يخضع حالياً لأي اتفاقٍ واضح بين إسرائيل وفلسطين ومصر. وهو ما وضع مصر في مأزق حينما اندلعت أعمال عنف بين الطرفين في 2008، امتنعت فيها القاهرة عن فتح المعبر بسبب عدم وجود آلية واضحة لذلك، فانهالت الانتقادات على الحكومة المصرية حتى وُصفت بأنها "شريكة لإسرائيل في العدوان على غزة".
وبحسب كتاب "حال الأمة العربية 2013-2014"، ظلّت هذه الأوضاع المتأزمة سارية حتى وقعت "ثورة يناير 2011" وما تلاها من وصول محمد مرسي إلى الرئاسة، وهو قيادي في جماعة "الإخوان المسلمين" التي تمتّعت بعلاقات وثيقة مع حركة "حماس"، وسرعان ما أطيح به في أحداث يوليو 2013 التي قادت عبد الفتاح السيسي إلى السُلطة، فاتبع نهجاً أكثر حذراً في التعامل مع "حماس" المتهمة بعديدٍ من قضايا الإرهاب في مصر، ما انعكس بدوره على عدد أيام فتح المعبر.