قرابة شهر من الحرب بين إسرائيل ومسلحي عدد من الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، أبرزها حركة حماس، أدت إلى مقتل نحو 9 آلاف فلسطيني وأكثر من 1500 إسرائيلي، على إثر الهجوم الذي شنّه مقاتلو من حماس، إضافة لـ"سرايا القدس" التابعة لحركة الجهاد الإسلامي وآخرين، على مستوطنات غلاف غزة، وإيقاع عشرات القتلى واختطاف نحو 250 إسرائيلي بينهم أجانب ومزدوجو الجنسية.
وفي التغطية الإعلامية للحرب، ظهرت كلمات ومصطلحات ومفاهيم عديدة، لتوصيف الأحداث زمانيا ومكانيا وحتى رمزياً، أولها يتعلق بمستوطنات الغلاف والكيبوتسات. فماذا نعرف عنها وعن مسيرة الاستطيان الإسرائيلي، عموماً؟
"كيبوتس وموشاب"
ظهرت فكرة إقامة المستوطنات في فلسطين منذ فترة مبكرة، بالتزامن مع تزايد موجات الهجرة اليهودية في بدايات القرن العشرين، وعُرف النوع الأول من المستوطنات باسم "الكيبوتس"، وهي كلمة عبرية تعني التجمع.
انتشر هذا الشكل الاستيطاني على يد المهاجرين الأشكيناز القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية على وجه التحديد. كان أغلبهم متأثرين بالأفكار الشيوعية والماركسية، ثم عملوا على إقامة مستوطنات زراعية اشتراكية.
بشكل عام، اعتمدت الحياة في الكيبوتسات على الاشتراكية التامة في الإنتاج والاستهلاك والتعاون المتبادل بين الأعضاء. ونُظر لجميع الأفراد باعتبارهم متساويين في كافة الحقوق والواجبات.
في كل كيبوتس، كان هناك ما يُعرف باسم "الاجتماع العام"، وهو عبارة عن جمعية عمومية يحظى بعضويتها كل فرد يعيش في الكيبوتس. ومن المعتاد أن يتم اتخاذ القرارات بالإجماع، كما يتم تحديد الإدارة التنفيذية ("سكرتارية الكيبوتس") من قِبل أعضاء الاجتماع العام.
تأسس أول الكيبوتسات في إسرائيل في سنة 1909 على ساحل بحيرة طبريا، 10 كم جنوبي مدينة طبريا، وسُمي بـ"كيبوتس دغانيا". وفي ثلاثينيات القرن العشرين، توسع اليهود في إقامة الكيبوتسات، ولعبت تلك المستوطنات دوراً مهماً عند تأسيس الدولة الإسرائيلية، خصوصاً أن غالبية القوات الإسرائيلية المقاتلة التي تم حشدها أثناء حرب 1948 كانت قادمة من تلك الكيبوتسات.
من جهة أخرى، كان "الموشاب/ف"، وهي كلمة عبرية تعني القرية التعاونية، هو النوع الثاني من المستوطنات الإسرائيلية التي ظهرت بشكل مبكر.
بحسب موسوعة المصطلحات الصادرة عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، فإن "الموشاب/ف" هو نوع من أنواع المستوطنات العمالية. وفيه "تحصل كل عائلة على قطعة أرض وتديرها بشكل مستقل، والأرض ليست خاصة إنما تابعة للدولة، وكل عائلة تخطط أرضها وما يتبعها من أمور بشكل مستقل. ولكن توجد نواح مشتركة بين سكان هذا النوع من الاستيطان، مثل المساعدة الجماعية في بعض الحالات والظروف، وتسويق البضائع وشراء بعض الحاجيات المشتركة لـ"الموشاب".
أقيم أول "موشاب" عمالي في إسرائيل سنة 1921 في المنطقة الواقعة بين الجليل وجبال نابلس. وفي سنة 1948 كان هناك 48 "موشاباً" في جميع أنحاء البلاد. ولكن هزيمة الجيوش العربية في الحرب وما تبعها من توسع إسرائيلي، أدى لزيادة العدد، ليصل سنة 1965 إلى 365.
وكان أغلبية سكان "الموشابيم" (جمع موشاب) من حزبي "مباي" و"العمل". واعتمد هؤلاء بشكل أساس على العمل بالزراعة وإنتاج الألبان وتربية الماشية.
بدءاً من أواخر السبعينيات، قلت أهمية "الكيبوتسات" و"الموشابيم" في إسرائيل، حيث فاز حزب "الليكود" في الانتخابات العامة ومال للاعتماد على برنامج رأسمالي غير اشتراكي، كما تقلص دعم الحكومة الإسرائيلية لتلك الأشكال الاستيطانية، وأيضاً تركها العديد من سكانها لينخرطوا في حياة المدن.
مستوطنات ما بعد 67
بدأت الحكومة الإسرائيلية في بناء المستوطنات في أراضي الضفة الغربية وغلاف قطاع غزة عقب انتصارها في حرب يونيو 1967.
بموجب "خطة ألون"، تم تأسيس مستوطنات في مناطق تشكل "أهمية أمنية" وبكثافة سكانية فلسطينية منخفضة مثل مناطق في القدس والخليل وغور الأردن، لكن هذا التوجه تغير مع وصول حزب "الليكود" للحكم سنة 1977، عندما تم العمل على بناء مستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية، خاصة المناطق الواقعة بين رام الله ونابلس، شمالي الضفة الغربية.
ترى الحكومة الإسرائيلية أن وضع المستوطنين الإسرائيليين في تلك المناطق من شأنه أن يسهم في تعزيز السيطرة الإسرائيلية، لأن هؤلاء المستوطنين المدنيين سيكونون بمثابة خط الدفاع الأول ضد أي غزو أو اعتداء على إسرائيل.
تجدر الإشارة هنا إلى أن هناك نوعاً من المستوطنات غير القانونية بحسب القانون الإسرائيلي نفسه يُطلق عليها "بؤر استيطانية". وهي مستوطنات تم إنشاؤها منذ التسعينات من دون موافقة الحكومة الإسرائيلية.
وفقاً لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، في سنة 2020، يعيش 451700 يهودي في مستوطنات الضفة الغربية. كما يعيش ما بين 20000 إلى 30000 آخرين في البؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية.
وفي فبراير 2014، كشف التقرير الصادر عن الأمم المتحدة بعنوان "المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة" أن عدد سكان المستوطنات الإسرائيلية واصل النمو بشكل يفوق النمو الاعتيادي في باقي المدن الإسرائيلية، إذ بلغ معدل نمو السكان المستوطنين 5% في سنة 2012، وهي نسبة تفوق ثلاث مرات تقريباً المعدل الوطني لنسبة النمو السكاني الذي بلغ 1.9 %.
في السياق نفسه، ذكر موقع "تايمز أوف إسرائيل"، أواخر مايو الماضي، أنه تم التوصل إلى اتفاق بين وزير المالية ووزيرة المواصلات بخصوص استثمار حوالي 3.5 مليار شيكل (941 مليون دولار) في موازنة الدولة لتطوير وتعبيد طرق جديدة في مستوطنات الضفة الغربية خلال العامين المقبلين.
وأضاف أنه سيتم تخصيص الجزء الأكبر من هذا المبلغ لتعبيد طرق جديدة وتحسين الطرق القائمة، كما سيتم توجيه مئات الملايين من الشواكل إلى العديد من المشاريع الأخرى في المستوطنات، بما في ذلك مخصصات للمستوطنات غير القانونية التي لم تحصل على تصريح من الحكومة.
كذلك، صادق المجلس الأعلى للتخطيط في إسرائيل في يونيو الماضي، على خطط الموافقة على بناء نحو 5700 وحدة سكنية إضافية في مناطق مختلفة من الضفة الغربية.
بشكل عام، توجد حالياً أكثر من 144 مستوطنة في الضفة الغربية. من أشهرها مستوطنة "معاليه أدوميم"، التي تأسست 1975 شرقي مدينة القدس، ومستوطنة "بيتار عيليت" التي تأسست 1985 جنوبي مدينة القدس، ومستوطنة "موديعين عيليت" التي تأسست 1994، غربي مدينة رام الله.
رفض دولي
تم رفض مشروع التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية من جانب العديد من المؤسسات الرسمية الدولية، كما اعتبرت تلك المستوطنات "غير شرعية" بنظر القانون الدولي.
يرى المجتمع الدولي أن خطورة المستوطنات تكمن في أنها تقوض حل الدولتين، وتمنع جغرافيا وأمنيا إقامة دولة فلسطينية متصلة في الضفة الغربية، كما أنها تخلق معاناة يومية لقسم كبير من الشعب الفلسطيني.
ظهرت المعارضة الدولية للمستوطنات في العديد من القرارات التي تم اتخاذها في السنوات السابقة. ففي ديسمبر 2016، أصدرمجلس الأمن القرار رقم( 2334 ) الذي نص على أنه يجب على جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية "أن تتوقف على الفور وبشكل كامل".
وفي يونيو 2017، في الذكرى الخمسين للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا أوضحت فيه حجم الأضرار الجسيمة التي يشكلها الاستيطان الإسرائيلي الحالي على حقوق الشعب الفلسطيني.
مما ورد في التقرير، أن المستوطنات الإسرائيلية تسببت في مصادرة ما لا يقل عن 100,000 هكتار من الأراضي الفلسطينية، كما استولت إسرائيل بشكل غير قانوني على موارد طبيعية فلسطينية، من قبيل المياه والأراضي الخصبة والمحاجر والمعادن، وحولتها لمنفعة الصناعات القائمة في المستوطنات لإنتاج المنتجات الزراعية ومواد البناء والسلع المصنَّعة التي غالباً ما يتم تصديرها إلى الخارج.
في الوقت نفسه فرضت إسرائيل قيوداً تعسفية حرمت الفلسطينيين من الوصول إلى مياههم وأراضيهم، وحدّت كذلك من نموهم الاقتصادي.
وأشار التقرير إلى أن البنى التحتية للمستوطنات تسببت في تقسيم المدن والقرى الفلسطينية، والحد بشكل كبير من قدرة الفلسطينيين على التنقل بحرية.
من جهتها، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن موقفها الرافض للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية في أكثر من مناسبة. على سبيل المثال، في مارس الماضي أبدت واشنطن انزعاجها من تحرك الكنيست الإسرائيلي لتمهيد الطريق لمستوطنين يهود للعودة إلى أربع مستوطنات في الضفة الغربية.
وفي يونيو الماضي، أبلغت الإدارة الأميركية إسرائيل بأنها ستعيد فرض حظر على استخدام تمويل دافعي الضرائب الأميركيين في أي مشاريع بحث وتطوير أو تعاون علمي تجرى في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. كما أعربت الخارجية الأميركية عن قلق الولايات المتحدة العميق حيال قرار الحكومة الإسرائيلية بتقديم التخطيط المسبق لأكثر من أربعة آلاف مستوطنة في الضفة الغربية، وقالت الخارجية: "نشعر بقلق مماثل من التقارير التي تتحدث عن تغييرات في نظام إدارة المستوطنات الإسرائيلية تسرّع التخطيط والموافقة على المستوطنات".
وأضافت: "تعارض الولايات المتحدة مثل هذه الإجراءات أحادية الجانب التي تزيد من صعوبة تحقيق حل الدولتين وتشكل عقبة أمام السلام وندعو حكومة إسرائيل إلى الوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها في العقبة وشرم الشيخ والعودة إلى الحوار الهادف إلى التهدئة وخفض التصعيد".