صورة تعبيرية عن مجهولية المصادر الأساسية لنشر المعلومات الكاذبة والمضللة
صورة تعبيرية عن مجهولية المصادر الأساسية لنشر المعلومات الكاذبة والمضللة

تمثل الحرب بين إسرائيل وفصائل فلسطينية مسلحة في قطاع غزة، أبرزها "كتائب القسام" التابعة لحركة حماس، مثالاً حياً مثالا لمستوى تداول المعلومات الخاطئة والمضللة للرأي العام، في محاولة كل طرف من أطراف النزاع دعم أو برهنة موقفه بدلائل وبراهين.

كما تنتشر منذ بداية الأحداث في 7 أكتوبر، عشرات المواد المصورة والمكتوبة المزيفة أو التي تحمل معلومات مغلوطة زمانياً ومكانياً والترويج أنها تحدث في قطاع غزة أو داخل إسرائيل، والأسباب لذلك عديدة من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، كفيسبوك وتويتر وإنستاغرام وتيك توك.

يقول محمود غزيّل، وهو مدرب مختص في التحقق من الأخبار، وصحافي مشارك في تأسيس "الشبكة العربية لمدققي المعلومات" التابعة لمؤسسة "أريج" للتحقيقات الاستقصائية: "مع تطور شكل الإعلام والطفرة التي ولدها التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعية، بات المجد للصورة على حساب النص، وبينما بقيت النصوص في الغالب محصورة بالمختصين نظرا لما تتطلبه من تدقيق ومتابعة، اجتاحت الصور من القنوات الرسمية وغير الرسمية كل الصفحات".

"وضاعف الاهتمام بالصورة الثابتة أو بالفيديو تعطّش الناس للاطلاع على كل جديد، تحديدا حين يتعلق الأمر بالسياقات التي لا يمكن فيها توفير الكثير من التغطية كالحرب في غزة"، يضيف غزيّل لـ"ارفع صوتك".  

من جهتها، ترى الأخصائية النفسية لانا قصقص، أن الأخبار المضللة "تصب في سياقين، الأول، صناعة الرأي العام بشكل غير أخلاقي نظرا لتغييب الحقيقة واستغلالها، وهذا أمر يجب ألا يُسكت  عنه نظرا لأنه ينتهك الأعراف الإنسانية، وأهدافه لا تحمد عقباها. والثاني مرتبط به مباشرة، وأعني به الحرب النفسية التي لطالما استخدمت ضمن أهم التكتيكات العسكرية".

وتبيّن لـ"ارفع صوتك": "في سياق الحروب، تلعب الأخبار دورا كبيرا في رفع أو تحطيم معنويات الجنود والجماهير على حد سواء. وعدا عن رفع منسوب الخوف، تزيد هذه الأخبار من الانقسام الاجتماعي وحتى السياسي، إذ تكثر وجهات النظر وتختلف بشكل يعجز فيه الفرقاء عن التلاقي".

المصادر 

يقول غزيل، إن "المعلومات المضللة قد تأتي من مصدرين، فإما قادة الرأي وإما الجمهور العادي. وقد تتم عملية النشر والترويج بقصد أو بغير بقصد أحيانا، وفي الحالة الأخيرة يأتي من الناس المدفوعين بمشاعرهم ولكن أيضا قادة الرأي".

ويضيف أن النشر "ما عاد محصورا بالأشخاص أو الجهات الرسمية، إذ يسعى البعض من خلاله ل بدافع كسب النقود واستغلال عواطف الناس لكسب مشروعية وموثوقية".

ومن الأمثلة على ذلك، كما يقول غزيّل "انتشار كبير للحسابات المشتركة بخدمة (بريميوم) على منصة (إكس)، التي تستثمر أي منشور سواء كان نصا أو صورة أو فيديو لجذب الناس والحصول على مردود مالي، وهذا ينطبق على منصات أخرى أيضا ولو بشكل أكثر تعقيدا مثل يوتيوب".

"يمكن القول إن أكثر المنصات انخراطا هي (إكس)؛ لأنها تظهر أكبر قدر من المعلومات على صفحة (التايم لاين)، تليها تيك توك ويوتيوب ثم فيسبوك وإنستغرام"، يتابع غزيل.

ويرى أنه لا بد من أخذ بعض العوامل بعين الاعتبار، مثل مدى انتشار المنصة وتواتر المنشورات، مثل "إكس"، حيث يسمح بإظهار أكبر عدد من المنشورات المرتبطة باهتمام صاحب الحساب، بالتالي يتعرض لكمية كبيرة من المعلومات خلال دقائق، وهو ما يختلف عن منصات أخرى.

وفي "إكس أيضاً"، تظهر للمتابع منشورات لحسابات كثيرة لا يتابعها بالضررورة، خصوصاً التي تحظى بتفاعل كبير سواء على مستوى المشاهدات أو التعليقات.

أما على "تيك توك"، فلا يعتمد الأمر فقط على المشاركة والتفاعل ولكن على طبيعة المادة "النوعية، الموسيقى وتأثيرها"، كما يقول غزيّل، شارحاً: "وتسهم العديد من الحسابات، بنشر الأخبار المغلوطة أو المضللة بسرعة البرق، ولكن لا بد من التمييز بين الحسابات التي تكون حقيقية وحسابات (البوت)،  مثل الروبوتات والجيوش الإلكترونية، التي تأخذ إرشادات مدفوعة طبعاً بمجموعات معينة لصناعة الترند في أغلب الأوقات، كما أن هناك فئة المناصرين بشكل عام وهي التي لا تستفيد مباشرة بشكل مادي لكنها مدفوعة بالمشاعر".

الخوارزميات

في مواقع التواصل، يتم استخدام كلمة خوارزمية كثيراً، للتدليل على مستوى انتشار أو عدم الوصول إلى منشورات بعينها، وتحكمها في كل ما يظهر لأصحاب الحسابات على فيسبوك وإنستاغرام مثلاً.

الخوارزمية: مجموعة من البرامج المستخدمة لحل مشكلة أو إجراء عملية حسابية محددة. تشبه قائمة دقيقة من التعليمات لتنفيذ إجراء معين خطوة بخطوة، وتستخدم على نطاق واسع في جميع المجالات التقنية. بالنسبة إلى Facebook.

 

بحسب مصادر إعلامية متخصصة في التكنولوجيا، تُعرّف خوارزمية الفيسبوك، بأنها البرامج والمعادلات التلقائية التي يستخدمها فيسبوك لقياس جودة كل منشور عليه، مثلاً إذا كانت المقالة من حساب شخصي أو صفحة أو مجموعة أو نص أو فيديو أو صورة أو رابط ويب، من أجل تقييمها ثم عرضها على المستخدم المناسب في الوقت والمكان المناسبين على الصفحة الشخصية.

يوضح المدرب المختص في التحقق من الأخبار، محمود غزيّل، أن "الخوارزميات تختلف باختلاف المنصة. وتمتلك مكونات سحرية لا  يمكن لأحد معرفتها. وكل شخص يحمل هاتفا ذكيا عليه أن يعلم أنه مرتبط بواحدة من الخوارزميات ولو لم يمتلك حسابا على مواقع التواصل، وتتبع هذه الخوارزمية نشاطه عبر الهاتف (عبر الواي فاي الواي أو الفور جي)، وترصد المواقع التي يزورها باستمرار والمكان الجغرافي لتواجده وموقع الشبكة المستخدمة.. إلخ".

ولكن لماذا تنتشر الأخبار الكاذبة والمضللة بشكل أسرع في العادة؟ يقول غزيّل: "تصف مواقع التواصل نفسها بأنها محبة للجدل والجدل السلبي محبذ أكثر من الإيجابي، لأنه يدفع الناس لإعادة النشر وللتفاعل".

"هذا لا يعني أن الناس يحبون التضليل ولكن لسوء الحظ المعلومات الخاطئة هي أكثر المعلومات التي تثير الجدل (مثل الخبر عن توزيع الأمم المتحدة لبسكويت يعدل الجينات أو يشجع على المثلية). وتنتشر المعلومات بإعادة النشر أو الترجمة من خلال إضافة كل مستخدم معلومة أو صورة دون تصحيح، وعلى مر الزمن ومع زيادة الانتشار يكتسب الخبر الخاطئ نوعا من الموثوقية"، يضيف غزيل.

ويتابع: "الأسوأ من ذلك، أن الأعلام التقليدي يعتمد أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار دون التأكد منها بهدف ضمان السرعة في النقل، والمخيف أن الخبر الصادم أو المضلل يبقى في ذهن الناس مهما تعرض للتكذيب. هذا ما تعلمته على مدى 20 عاما من العمل في دحض الشائعات".

ويقول غزيل "يبدو أن الناس يميلون لاعتماد المعلومة التي تناسب توجهاتهم، وهذا ما حصل مثلا في سردية إسرائيل حول الأطفال الإسرائليين الذين قيل إنهم وجدوا مقطوعي الرأس". 

الحد من تداولها

على الرغم من قيام بعض المنصات بالتشبيك مع منصات كبيرة في محاولة لحل هذه المشكلة، تجد الأخبار الكاذبة طريقها للانتشار. تقول الأخصائية النفسية لانا قصقص: "الأمر يرجع لسلوك المتابعين واستعدادهم لتقبل تصحيح المعلومة التي تبنوها في الصيغة الأولى، أي الصيغة المفبركة أو الكاذبة، ويميل البعض لرفض الخبر المدقق والتشكيك به مقابل الثقة بالشائعة".

"لذلك فإن التوعية ضرورية لدفع أولئك الذين يشاركون الشائعات للتوقف أولاً، وطرح السؤال حول مدى منطقيتها أو صحتها"، تؤكد قصقص لـ"ارفع صوتك".

من جهته، يرى غزيل أن الأغلبية لا تنتبه عادة للتصحيح،"لأن الخبر الكاذب ينتشر بسرعة أكبر بكثير من النسخة المصححة. وثانيا، يستثمر في القنوات الرسمية بشكل خاطئ".

"بالتالي، لا بد من أخذ موقف جدي على الصعيد الرسمي ودفع الناس للانتباه من المعلومة المضللة والتوقف عن تكرارها على المستوى الرسمي بشكل يجعل تصديق الحقيقة أصعب"، يضيف غزيل.

ويبين: "لمسنا خلال لقاءات متعددة مع مدراء للمنصات في منطقة الشرق الأوسط خوفهم  من أن التصحيح سيخفف من نسب التفاعل. وهنا، لا بد من التذكير بالمسؤولية الأخلاقية خصوصا في الوضع الحالي والأحداث الحامية التي شهدت في الأغلب نشر مواد فيها شيء من الخطأ (مصدرها الذكاء الاصطناعي التوليدي أو قديمة أو حتى فيديوهات مأخوذة من الألعاب".

وينصح غزيل بـ"التواصل مع مصادر الأخبار أو ببساطة أخذ لقطة شاشة (screen shoot) و تفحصها على شبكة غوغل وعدم التجاوب إلا بعد التأكد من الخبر والمساهمة في نشر تصحيحه، وإدراك أن نشر المعلومات المضللة يضرب المصداقية ككل ويؤجج الحرب على الأرض لأن كل ما يحصل في العالم الافتراضي ينعكس على العالم الواقعي".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(
العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(

فرضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، عقوبات على شبكة لبنانية تتهمها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل جماعة حزب الله اللبنانية.

وذكرت وزارة الأميركية في بيان على موقعها الإلكتروني أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 3 أفراد و5 شركات وسفينتين متورطين في تهريب النفط والغاز البترولي المسال لتوليد الإيرادات لحزب الله.

وأوضح البيان أن الشبكة، التي تتألف من رجال أعمال وشركات لبنانية ويشرف عليها أحد كبار قادة فريق تمويل حزب الله، سهلت شحن عشرات شحنات الغاز البترولي المسال إلى حكومة سوريا، ووجهت الأرباح إلى حزب الله.

وأشارت إلى أن العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز البترولي المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله، وتدعم الأنشطة الإرهابية للمجموعة.

وقال وكيل وزارة الخزانة بالوكالة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي سميث: "يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتأجيج الاضطراب الإقليمي، ويختار إعطاء الأولوية لتمويل العنف على رعاية الأشخاص الذين يدعي أنه يهتم بهم، بما في ذلك عشرات الآلاف من النازحين في جنوب لبنان".

وأضاف: "وستواصل وزارة الخزانة تعطيل شبكات تهريب النفط وغيرها من شبكات التمويل التي تدعم آلة الحرب التابعة لحزب الله".

وصنفت وزارة الخارجية الأميركية حزب الله جماعة إرهابية في 31 أكتوبر 2001.

وذكرت وزارة الخزانة في بيانها أنها اتخذت إجراءات متسقة لاستهداف الأفراد المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات تمويل حزب الله التي توفر عائدات بالغة الأهمية للمنظمة.

ووفقا للبيان، من بين المسؤولين البارزين في حزب الله المشاركين في هذه الجهود محمد قصير، ومحمد قاسم البزال، اللذين يديران قناة لنقل غاز البترول المسال ومشتقات النفط الأخرى نيابة عن حزب الله ويتلقيان مدفوعات مباشرة مقابل بيعها.

وفي 15 مايو 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قصير لعمله لصالح حزب الله أو نيابة عنه كقناة أساسية للصرف المالي من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.

وفي 20 نوفمبر 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية البزال، أحد شركاء قصير، لدعمه لحزب الله.

كما اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية سلسلة من الإجراءات التي تستهدف عمليات تهريب النفط لحزب الله، بما في ذلك إجراء في 31 يناير 2024 استهدف شبكة حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي التي حققت إيرادات بمئات الملايين من الدولارات من خلال بيع السلع الإيرانية بما في ذلك النفط، ومعظمها للحكومة السورية.

وأوضح البيان أن الشبكة التي تم تصنيفها اليوم تشمل مسؤولًا آخر رفيع المستوى في فريق تمويل حزب الله، ورجلي أعمال لبنانيين يوفران واجهة مشروعة على ما يبدو لتسهيل جهود حزب الله في تهريب النفط. وسهلت هذه الشبكة عشرات شحنات غاز البترول المسال إلى حكومة سوريا، بالعمل مع المسؤول في النظام السوري ياسر إبراهيم، الذي أدرجته وزارة الخارجية في 20 أغسطس 2020 لدوره في صفقات تجارية فاسدة استفاد منها الرئيس السوري الأسد.

وأشار البيان إلى أنه اعتبارًا من أواخر عام 2023، تولى المسؤول في حزب الله، محمد إبراهيم حبيب السيد، مسؤولية بعض الأعمال التجارية لحزب الله من البزال. وسافر السيد سابقًا مع البزال إلى جنوب شرق آسيا لتنسيق صفقات النفط المحتملة في المنطقة لفريق تمويل حزب الله. كما عمل كمحاور بين البزال ورجل الأعمال اللبناني علي نايف زغيب بشأن مشروع نفطي في موقع مصفاة في الزهراني بلبنان.

ووفقا لبيان الوزارة، فمنذ أواخر عام 2019 على الأقل، قدم زغيب، الخبير في كيمياء البترول، المشورة والمساعدة لفريق التمويل التابع لحزب الله خلف الكواليس، والتقى مع القصير والبزال لتنسيق أنشطتهم. وبصفته عضوًا في شبكة تهريب النفط التابعة لحزب الله، أمّن زغيب خزانات لتخزين، ربما النفط، نيابة عن حزب الله.

وأكد البيان أن القصير والبزال باعتبارهما من كبار مسؤولي حزب الله، حققا ربحًا من صفقات الغاز البترولي المسال مع زغيب الذي التقى بنائب لبناني واحد على الأقل تابع لحزب الله لمناقشة تمويل مشاريع النفط التابعة لحزب الله. كما نسق الزغيب مع ممول حزب الله، محمد إبراهيم بزي، بشأن المفاوضات التجارية. وفي 17 مايو 2018، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بزي لدعمه حزب الله.

كما يشارك رجل الأعمال اللبناني بطرس جورج عبيد في صفقات الطاقة لحزب الله، ويملك بشكل مشترك العديد من الشركات مع زغيب، بحسب البيان.

ولذلك لفت البيان أنه تم إدراج السيد وزغيب وعبيد لمساعدتهم ماديًا أو رعايتهم أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لحزب الله أو لدعمه.

كما أدرجت وزارة الخزانة الشركة الأوروبية اللبنانية للتجارة الدولية التي يمثلها البزال وكانت مسؤولة عن عشرات شحنات غاز البترول المسال، التي قامت بها نقالات غاز البترول المسال "ألفا" و"مارينا" إلى ميناء بانياس في سوريا لصالح شركة "حقول"، والتي تم تصنيفها في 4 سبتمبر 2019 لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة البزال.

وأوضحت الوزارة أن البزال استخدم شركة "إليت" لتغطية نفقات التشغيل لشركتي تشغيل السفن "ألفا، ومارينا"، وبناء على ذلك، تم إدراج كل من "إليت" و"ألفا" و"مارينا" كممتلكات لحزب الله مصلحة فيها.